في ذكرى صدوره.. هكذا صدرالقانون المدني العراقي

في ذكرى صدوره.. هكذا صدرالقانون المدني العراقي

احمد مجيد الحسن*

في سنة 1947 وجه السيد (جمال بابان) وزير العدلية انذاك كتاباً الى السيد (منير القاضي) لاعداد مذكرة ايضاحية عن القانون المدني العراقي، لعرضها على اللجنة الحقوقية في مجلس النواب، لان لائحة القانون المذكور ما زالت قيد الدرس في تلك اللجنة تمهيداً لتشريعه.

وكُلفَ السيد (منير القاضي) بذلك، بوصفه أحد اعضاء اللجنةالتي دأبت على انجاز مشروع القانون المذكور، وكان رئيسها العلامة المصري الكبير (عبد الرزاق السنهوري)، وكان السيد (القاضي) كما جاء في كتاب الوزير من العاملين على اخراج ذلك الاثر القيم الى حيز الكمال.

والعلامة (منير القاضي) أديب و حقوقي من اسرة علمية حقوقية، فابوه كان قاضياً وعمل هو واخوه (نوري) في السلك القضائي ايضاً، وكان قد مارس المحاماة ثم القضاء،وتولى عمادة كلية الحقوق سنة 1941.

من المعلوم ان (مجلة الاحكام العدلية) هي أول قانون مدني إسلامي، لأنها قامت على أساس تقنين رسمي للفقه الإسلامي في العهد العثماني، واستمر العمل بها في العراق بعد قيام الحكم الوطني سنة 1921، ولكن تبين للعاملين في مجال القانون والقضاء، انه من الضروري العمل على تعديل كثير من النظم القانونية حتى تساير النمو المطرد في حركة التعامل وتستجيب لما جدَّ من اوضاع في نطاقه.

بدأت أول محاولة جدّية لاصلاح ذلك، عندما ألفت لجنة لاعداد قانون مدني جديد سنة 1933، أعقبتها لجنة أخرى سنة 1936، ثم انقطعت عن العمل، لكن فكرة اصدار قانون مدني جديد لم تنقطع.

في سنة 1943 ألفت لجنةجديدة من الفقهاء برئاسة العلامة (السنهوري) الذي كان قد ترأس لجنة تشريع القانون المدني المصري سابقاً. وبعد زهاء 3 سنوات أتمت وضع مشروع القانون.

استمد مشروع القانون احكامه كما جاء في المذكرة الايضاحية من المصادر الاتية:

مجلة الاحكام العدلية.

مرشد الحيران، وهو كتاب في الفقه الحنفي ألفه (محمد قدري باشا) وهو من رجال القضاء في مصر المتوفى سنة 1886.

الفقه الاسلامي.

اصول الفقه.

مشروع القانون المدني المصري، الذي استمد احكامه هو الاخر من:

أ. الفقه الاسلامي.

القوانين المدنية الحديثة كالقانون المدني السويسري، والقانون المدني البولوني، والقوانين الجرمانية، والمشروع الفرنسي الايطالي، ومن القانون المصري والقانون الفرنسي.

أما النظريات التي استند اليها مشروع القانون فهي:

نظريات الفقه الاسلامي.

القواعد الكلية في الفقه الاسلامي.

ج. نظريات الفقه الغربي بعناصره الثلاثة (اللاتيني - الجرماني السكسوني)، وهي 18

نظرية لها اساس في الفقه الاسلامي، عدا نظرية حسن النية، ونظرية السب ونظرية الشخصية المعنوية، وغيرها.

وقدعقب العلامة (القاضي) على الشخصية المعنوية بقوله “وقد يقال ان (للوقفِ) شخصيةً معنوية يعترف بها الفقه الاسلامي”.

وهنا يبدو ان العلامة (القاضي) غير مقتنع من ذلك لقوله (وقد يقال) وهي عبارة قلقة غير مؤكدة.

أما قوله ان مبدأ (حسن النية) ليس له اساسٌ في الفقه الاسلامي فهي مسألة فيها نظر، لارتباط هذا المبدأ بالقواعد الاخلاقية التي يؤكد عليها الاسلام.

فقد وضع الفقه الاسلامي مبدأ حسن النية اطاراً عاماً للتصرفات كافة ومنها العقود، وقد جاءت الدراسات الجامعية المصرية وغيرها التي اطلعت عليها مؤخراً لتثبت اعتداد الفقه الاسلامي بمبدأ حسن النية في العقود وغيرها.

اما بالنسبة (للسبب) من ان ليس له اساس في الفقه الاسلامي، فتلك مسألة حميدة، لان القوانين الغربية الحديثة الان، ومنها قانون القانون المدني الفرنسي في تعديله الاخير في سنة 2016، قد تخلت عن السبب كركن من اركان العقد.

وجاء في نهاية المذكرة، ان المشروع حدد لنفاذ القانون مرور سنة واحدة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، معللاً ذلك ان المشروع جاء محتوياً على الكثير من الاحكام الجديدة، فلا بد من تحديد مهلة ملائمة ينفذ فيها القانون، ليتسنى لذوي العلاقة بالقانون المدني من حكام ومحامين وغيرهم من الناس ان يتفهموا نصوصه واصطلاحاته، ولكن عندما صدر القانون في ايلول 1951 اصبحت مدة نفاذ القانون بعد سنتين من تاريخ نشره وليس سنة واحدة كما جاء في المذكرة.

وآخر ما نختم به حديثنا، هو ما أخبرني به أحد كبار رجال القانون في العراق من ان الدكتور (عبد الرزاق السنهوري) رئيس اللجنة، بعد ان اتم صياغة مشروع القانون، أوصى زملاءه العراقيين قبل مغادرته العراق، بان لايضعوا العرف قبل الشريعة الاسلامية عند ذكر مصادر القانون، حتى لايتعرضوا الى ماتعرض له هو نفسه من غضب وسخطٍ من رجال الدين المصريين والازهر عندما انجز القانون المدني المصري الذي ترأس لجنة اعداده كما مرَّ بنا سابقاً وجاء العرف فيه متقدماً على الشريعة عند تعداد مصادر القانون المدني المصري.

وفعلاً جاءت المذكرة الايضاحية موضوع كلامنا هذا وقد وضعت الشريعة الاسلامية كمصدر ثانٍ للقانون المدني بعد التشريعات ثم العرف ثالثاً.

ولكن عندما صدر القانون المدني بنسخته التي بين ايدينا قيد التداول، ظهر ان اعضاء اللجنة أو أعضاء مجلس النواب قد تخلوا عن نصيحة الدكتور(السنهوري)، فقد جاء العرف قبل الشريعة الاسلامية كمصدر من مصادر القانون.

مدير متحف نقابة المحامين العراقيين