حوار مع عبد الغفار مكاوي: الأجيال الجديدة ستخرب الدنيا بجهلها

حوار مع عبد الغفار مكاوي: الأجيال الجديدة ستخرب الدنيا بجهلها

يواجهه الموت بجميع أشكاله، ويؤكد مجد الحياة والعقل والحرية لما يبنيه من حضارة وما يبدعه من فن وأدب، وكأنه كائن يتحدى الموت دائماً وكأنه يقول للوجود إذا كنت سأنتهى للعدم ولكننى لست عدماً وسأترك ما يدل على وجودى، هكذا يعرف الدكتور عبد الغفار مكاوى الإنسان.

عرفنا مكاوى أستاذاً للفلسفة وناقداً وشاعراً، وكاتباً مسرحياً ومترجماً، وبالرغم من كل هذا فهو الزاهد فى الحياة، يتعامل معها بخجل.

لمكاوى العديد من الكتابات، وكان آخرها كتاب “ثورة الشعر الحديث” الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذى كان محور مؤتمر أدباء مصر فى دورته الرابعة والعشرون هذا العام والتى كان مكاوى ضيف شرفه، ومن المكرمين فيه، حول مكاوى وحياته كان لنا معه هذا الحوار.

- دائماً تربط بين الفلسفة والأدب خاصة الشعر، فلماذا تصر على هذا الربط؟

ربط الشعر والأدب بالفلسفة أمر غير جديد ولا مستغرب خاصة من شخص متخصص فى الفلسفة، ومن يقرأ لكبار الفلاسفة يكتشف أنهم فعلاً شعراء، صاغوا فكرهم وقدموه للعامة فى شكل قصائد، ابتداء من سقراط، وأفلاطون الشاعر، كما أن هناك العديد من النصوص الفلسفية التى توحى بنصوص أدبية.

الفلسفة من أصعب العلوم، فكيف يمكن للأديب أن يربطها بنصه بشكل يصل للقارئ بسهولة ووضوح؟

عن طريق تناول القضايا الفلسفية دون مصطلحات أو تعريفات، لكن تناولها فى بناء النص ذاته، بحيث يشعر القارئ بالبعد الفلسفى دون رؤيته واضحاً أو بشكل مباشر، ومثالاً على ذلك نجيب محفوظ الذى تناول القضايا الفلسفية فى أعماله مثل عدمية الوجود وصراع الاديان، كذلك أحمد شوقى الذى كانت أبياته الشعرية نظريات فلسفية، وصلاح عبد الصبور الذى عاش غيبوبة صوفية تجلت مشاهدها فى أعماله كلها خاصة “الحلاج».

- ترجمت العديد من النصوص الأدبية، فما هى أكثر النصوص التى أثرت فيك؟

أنا لا أترجم بالتكليف، وكل ما ترجمته كانت نصوص أحببتها وأثرت فى وجداني، إلا مرات قليلة جداً ترجمت فيها نصوص لم تؤثر فى، لكنى اقتنعت بأهميتها، وأكثر النصوص التى ترجمتها وأثرت بداخلى هى نصوص “كانت” مؤسس ميتافيزقيا الأخلاق، كما أحببت نصاً فلسفياً آخر وهو نص يتصور أن كل ما فى الكائن هو وحدة طاقة فريدة وما من شيئ فيه يشبه الآخر، وهذا النص يؤسس نظام وينتهى لنتيجة، هى أن هذا الكون الذى نعيش فيه هو إبدع كون يمكن تصوره والشر فيه ضرورة لمعرفة الخير، وهنا يعلق ضاحكاً: نحن لم نعرف غير هذا الكون لذلك هو إبداع كون يمكن تصوره.

- كثيرون يعترضون على ترجمة النصوص الأدبية ويعتبرونها خيانة للنص، فما تعليقك على ذلك؟

الترجمة دورها وهدفها الأساسى والوحيد هو المعرفة، فلا يمكن تذوق نص أدبى إلا بلغته الأصلية مهما كانت الترجمة عبقرية، فهى فى النهاية لا يمكن أن تصل للمفهوم المحدد للنص إلا إذا وضع فى سياقه، لكن تبقى هناك بعض الشروط الموضوعية للترجمة منها أن يكون المترجم متقن لغته الأم واللغة التى يترجم عنها تماماً، كما عليه تذوق النص بلغته الأصلية لأن النص ليس معانى فقط، وإنما إيقاع وجرس وموسيقى، يجب محاولة الحفاظ على هذه العناصر فى الترجمة، واذا ضاعت هذه العناصر فيجب الحفاظ على روح النص لأن هذه الروح غيابها يعنى غياب النص نفسه، فهى الأهم فى الترجمة.

- أثيرت مؤخراً قضية الترجمة للعبرية ومنها، ما رأيك فى هذا الامر وهل تعتبره تطبيع ثقافى؟

التعامل المباشر مع الصهيانة هو الأمر المفروض، لكن الترجمة من العبرية وإليها مطلوبة، فهم لا يتركون نصاً أدبياً أو صحفياً أو علمياً لا يترجموه عن العربية، يترجمون الدراسات والجرائد والأدب والتقارير وكل ما يمكن من خلاله معرفة الحالة المصرية، ويحللون هذه النصوص جيداً، ومن خلالها يتعرفون على مشاكلنا الاجتماعية والثقافية والنفسية، ومن هنا فمن حقنا أيضاً ترجمة أدبهم لمعرفتهم عن قرب، فالترجمة عنهم مفيدة لأنهم يقدمون الحقائق المغلوطة، ومن خلال هذه الترجمة نتعرف على ما يقدموه ونقبل به أو نرفضه أو نصححه، لكن يجب أن يتم كل ذلك بعيدا عن التعامل المباشر، لأن هذا هو ما يعد تطبيعاً.

- لماذا أنت مقل فى أعمالك الأدبية؟

لست مقلاً، لكن كل كتاباتى تلاقى تجاهل أشبه بالمتعمد، وأنا أتجاهل هذا التجاهل، لأنه ليس سلوكاً طبيعياً، فكل المؤسسات الخاصة والعامة تتحكم فيها المصالح والشللية التى قد تصل للتنظيم العصابى الموجه، وعفواً لن أستطيع ذكر أسماء أو وقائع بعينها، وأنا فى النهاية أتعامل مع هذه الأمور ولا أجعلها تعطلنى، وحالياً أقوم بكتابة بعض القصص، فأنا لا أكتب الروايات ولاأملك النفس لقراءتها ، وأنا راض تماماً عن إنتاجى الأدبى وعن كل إنتاجى، بالرغم من أنى لم أجنى من عملى بالجامعة ولا من الأدب شيئاً، ولن أترك لأولادى سوى مكتبة وعلى الأرجح سيبيعونها لسور الأزبكية.

- ولماذا لم تسعى أنت لنشر أعمالك وفكرك، والحصول على فرصتك وسط هذه التجاهل؟

من المخجل لأى أديب أن يتحول لجهاز علاقات عامة ويصبح داعياً، لنفسه ويبحث عن من يطبلون له، فهذا من مظاهر التخلف الحضارى الذى يهتم بالشكل فقط ولا ينظر للجوهر، فالأدب والفن لا يحتاجان لدعاية، ويجب على الإعلام والحكام السعى وراء الأدباء والفقهاء، فالعلم يؤتى إليه ولا يذهب هو لأحد لأن العلم والفن لهما احترامهما، وللأسف فإن الطبقية زادت حتى فى الفن والعلم ورغم كل ما يبدو من تشجيع ونشر فمازال المصرى الشاب الموهوب فرصته ضائعة، وهو ما يؤدى لتفكير الشباب فى الهجرة حتى لو كانت إلى إسرائيل، فهو لا يجد الفرصة، لكن إذا أوجدنا له الفرصة والبيئة النظيفة التى تضمن له أجراً عادلاً وقتها سيبدع، فلو كان زويل قد جلس فى مصر وأخذ الدكتوراه من الإسكندرية لما أصبح زويل.

- أى المجالات التى تعمل بها أحببتها أكثر الترجمة أم الأدب أم التدريس؟

أحببت الترجمة والأدب وكتابة الشعر والقصص القصيرة والمسرحيات، لكنى حقاً نادم على اشتغالى بالتدريس، لأننا ندرس فى جامعات متخلفة مليئة بالصراعات الصغيرة، وبالرغم من أنى لا أطمع فى هذا المجال إلا أنى أحارب فيه بشكل كبير، لكن هذا لا يحزننى بقدر ما أحزن لحال الطلاب، والأجيال الجديدة كلها، هى أجيال لا تتسلح بشئ، ولا تمتلك معرفة، حتى اللغة لا يعرفونها، لا يجيدون العربية لغتهم الأصلية، ولا يجيدون اللغات الأجنبية “وهينيلوا الدنيا بجهلهم”، فاللغة هى البوابة لمعرفة الآخر والتواصل معه، والجيل الجديد لا يعر

- وكيف يمكن مساعدة هذه الأجيال؟

المعرفة وحدها هى من تساعد فى هذه المواقف، حيث يمكن القول أن غياب المعرفة هو ما جعل القيم تندثر، وجعل ملامح مصر وأهلها تتغير، وواجبنا التغير لنمارس الحرية والديمقراطية.

- وكيف تمارسها الأجيال الجديدة بينما لا تمارسها الدولة ولا تسمح بممارستها؟

العديد من الأمور يجب أن تتغير، فلابد من تغيير النظام وانتهاء العسكرة، وتفعيل دور المجتمع المدنى وبالتالى نعيش فى مناخ ديمقراطى، ونتمتع بالحرية والإبداع، كما يجب إعادة النظر فى المنظومة التعليمية، التى لو صلحت ستنصلح العديد من الأمور

عن اليوم السابع