عبد الرزاق جرنة «قرنح» ..  عندما تكشف نوبل عن جهلنا

عبد الرزاق جرنة «قرنح» .. عندما تكشف نوبل عن جهلنا

علي حسين

مرة اخرى تفاجئنا جائزة نوبل للاداب ، وتسخر من توقعات القراء العرب الذين لا يزالون يصرون على انها ستذهب الى روائي نعرفه وقرأنا بعضا من رواياته . كانت التوقعات تشير الى فوز الروائية الكندية الشهيرة مارغريت آتوود او مواطنتها الشاعرة “ آن كارسون “ وكنت قد اطلعت يوم امس على قائمة المراهنات على الجائزة ،

فكان اسم الفرنسية آني أرنو في المراكز المتقدمة وقد ترجمت العديد من رواياتها الى العربية .. وايضا احتل سلمان رشدي موقعا ، وان كان متأخرا في قائمة الترشيحات ، وظلت الانظار تتجه الى افريقيا حيث ظهر في واجهة الترشيحات ابرز ثلاثة كتاب اولهم الكيني نغوجي واثيونغو ، ومن بعده الصومالي نور الدين فارح والنيجيري بن أوكري ، والكتاب الثلاثة يعرفهم القارئ العربي من خلال ترجمة العديد من رواياتهم ، ومثلما خاب املنا نحن العرب في حصول روائي او شاعر عربي على الجائزة ، خاب أمل القارئ الياباني الذي يتابع صراع كاتبه المفضل هوراكي موراكامي مع الجائزة ، ، لكن الذين تطلعوا الى السيد أندرس أولسون رئيس لجنة نوبل وهو يعلن فوز الكاتب التانزاني “ عبد الرزاق جرنه “ - او عبد الرزاق قرنح كما يسميه البعض - ، اصيبوا بالصدمة ، فهم لم يتوقعوا أن يفوز هذا الروائي الذي رشح للبوكر عن روايته “ الجنة “عام 2008 لكنه لم يحصد سوى القائمة القصيرة ، والمثير ان عبد الرزاق جرنة كان ايضا متفاجئا وهو يستمع الى صوت سكرتير اللجنة ماتس مالم عبر الهاتف يخبره بالفوز، كان في المطبخ يستعد لتناول وجبة الغداء ، اعتبر ان الامر مجرد مزحة ، فهو مثل الكثير من الادباء لم يفكر على الاطلاق أن الجائزة ستحط عند عتبة بيته، فهذا امر فوق الخيال كما قال بعد سماعه الخبر. وقبل هذا الوقت كان قد وضع قائمة خاصة به باسماء المرشحين للجائزة ، ولم يكن اسمه ضمن هذه الاسماء . في المطبخ سيشاهد رئيس لجنة نوبل أندرس أولسون، يصف رواياته بانها “ تفتح أنظارنا على شرق إفريقيا المتنوع ثقافيا والغير مألوف للكثيرين في أجزاء أخرى من العالم”.، واضاف وهو يصرح للصحفيين ان “ تفاني عبد الرزاق جرنة من أجل الحقيقة، وكرهه للتبسيط، مذهلان”. وعندما تنظر اليه زوجته بدهشة ، كان رئيس اللجنة يواصل الحديث قائلاً :” في عالم جرنة الأدبي ، كل شيء يتغير ، الذكريات والأسماء والهويات.. ربما يكون هذا لأن مشروعه لا يمكن أن يكتمل بأي معنى نهائي..هناك استكشاف لا ينتهي مدفوعا بشغف فكري موجود في جميع كتبه، وبارز بنفس القدر الآن كما هو الحال عندما بدأ الكتابة كلاجئ يبلغ من العمر 21 عاما.”. قال جرنة بعد ان تيقن ان الجائزة من نصيبه إن منحه جائزة نالها عدد كبير من الكتاب العظام شرف كبير:” إنه شيء عظيم، إنها جائزة كبيرة حقا وقائمة ضخمة من الكتاب الرائعين، ما زلت أستوعب الأمر. كان اشبه بالحلم حتى أنه كان علي انتظار سماع الإعلان في التلفزيون قبل أن أتمكن من تصديقه».

وكيلته الادبية “ الكسندرا برينجل “ صرحت للصحافة بعد اعلان الفوز ان جرنة لا يقل اهمية عن تشينوا أتشيبي صاحب الرواية الشهيرة “ الاشياء تتداعى “ ، قال لزوجتة وهو يقرأ تصريحات برينجل :” يا الهي من كان يتوقع ان اسمي سيوضع الى جانب اسم أب الادب الافريقي، اعتقد انها مبالغة ان اوصف بانني قريب من الساحر أتشيبي « .

الروائي الذي اصدر عشرة روايات والعديد من القصص القصيرة ودراسات عن ادب ما بعد الاستعمار ، دخل قبل اسابيع عامه الـ “ 73 “ ولد في تموز عام 1948 في زنجبار عندما كانت زنجبار تحت حكم السلطان العماني ، من عائلة اصولها من اليمن ، عاش لحظة الاضطهاد التي تعرضت لها عائلته لانها من اصول عربية بعد ان حصلت زنجبار على استقلالها من سلطنة عمان عام 1963، اضطر إلى الفرار من زنجبار عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، حيث ذهب للدراسة في بريطانيا عام 1968، ثم عمل محاضراً ما بين عامي 1980-1982 في احدى جامعات نيجيريا، بعدهاانتقل إلى جامعة كينت، حصل على درجة الدكتوراه عام 1982 ، عمل استاذا للادب الانكليزي والقى دروس في قضايا ما بعد الاستعمار، والخطاب المرتبط بالاستعمار، خاصة ما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند. لم يتمكن من العودة إلى زنجبار إلا في العام 1984، مما سمح له برؤية والده قبل وقت قصير من وفاته.. تقاعد قبل اكثر من عامين

في مقابلة معه قال : “حين جئت إلى إنكلترا لم تكن كلمة “طالب لجوء” تعني ما تعنيه اليوم، مع معاناة ناس تعرضوا لحروب إرهابية”. وأضاف: “أصبح العالم أكثر عنفاً بكثير مما كان عليه في الستينيات ، لذلك هناك ضغط أكبر الآن على البلدان الآمنة ، فهي تجتذب المزيد من الناس حتماً».

وحين سئل عن تصنيفه كأديب “ما بعد الكولونيالي”، قال: “أفضل ألا ترتبط بي أي عبارة من هذه العبارات، لا أصنف نفسي ككاتب ضمن أي تصنيفات. في الواقع، لست متأكدا إن كنت أطلق على نفسي شيئاً غير اسمي».

العام الماضي كتبت صحيفة الغارديان ان عبد الرزاق جرنة وهو يكتب رواياته يطلب منا أن نفكر في “ما الذي يمكن إنقاذه عندما تكون إحدى عواقب الاستعمار هي الإقصاء المتعمد لوجهة النظر الأفريقية ، ومحوها من ارشيف البشرية «.

في السنوات الاخيرة الماضية لم تَسلم جائزة نوبل للاداب من انتقادات حيث منحت الى كتاب تبنوا مواقف سياسية عنصرية مثل بيتر هاندكه ، ويبدو انها ارادت أن تغير نظرة الجمهور لها فمنحتها الى جرنة الذي عُرف بانحيازه الى القضايا العادلة للشعوب ودفاعه عن حق المواطن الفلسطيني في العيش على ارضه ، وكان قد شارك في بيان صدر مع عدد من الكتاب للتضامن مع الروائة الباكستانية كاملة شامسي التي سُحبت منها جائزة ألمانية بسبب مقاطعتها لاسرائيل ، كما شارك في “احتفالية فلسطين للأدب” صيف عام 2009 وزار مجموعة من المدن الفلسطينية المحتلة وقرأ بعض من كتاباته في “جامعة الخليل» .

يقول ان الكتابة تاتي بالدرجة الاولى من القراءة :” مـن السـياق الذي يهيئه الكاتب للقارئ - حوار اجراه معه سعيد فرحان ونشر في جريدة المدى عام 2008 وهو الحوار الوحيد المنشور له في العربية - ويضيف حين يُسأل عن مصادره الأدبية ، بانه يمتلك رقعـة واسعة من مصادر القراءة ، وان هذه الرقعة واسعة الى درجة لا يستطيع ان يتذكر كل تضاريسها .يؤمن ان الكاتب يكتب ما يشعر بالحاجة اليه مهما كانت الظروف التي تحيط به .

يجيب على سؤال حول تاثره بالثقافة العربية :” لا أعتقـد ان هنالك تأثيراً عربياً في طـريقة كتابتي. فانا لا أتـكلم العربية حاليا رغم انني تـعـلمت قـراءة الـقرآن في طفـولـتي والكـثيـر من القـصص الـتي سمعـتـها طـفـلا والتي تتنـقـل في رواياتي لها اصل عربــي، فارسي وهندي بوجه الأحـتـمــــال. زنجبار كانت ولا تـزال مكانـا لـثقـافـة كـثيـرة الامتـزاج « .

اتخذ من كتابة الرواية هواية وليس مهنة ، فهو يتفرغ لها اثناء العطل الجامعية فقط :” أكـتب الرواية في البيت وبشـكل ما تـبدو لي عملية الكتابـة الروائية في مـكتبي الجامعي غير مناسبة أبدا « .

تطغى موضوعة الوجود الانساني على معظم رواياته ، فابطال هذه الروايات يبحثون دائما عن معنى لوجودهم ، حتى وان كانوا قد انصهروا في مجتمع جديد وثقافة مختلفة .فهو يرى ان من الصعب بل من المستحيل الانصهار كليا في المجتمع الجديد ،مهما كانت ظروف هذا الانسان اللاجيء

يؤمن ان الكتابة هي مصير فردي لا علاقـة له بمـكان محـدد، وان طريق الكاتب الجاد “ هو طريق آلام فردي يمـتزج فيه الألم بالقـدرة على التأمل والـتأني واستيعاب دروس الـكـتاب الـكبار” . يرى في نفسه قـارئ جيد ومـتابع مـتـفحص لأدب العالـم الثالث في مـرحلة ما بـعـد الاستعمار ، ولهذا يعتبره البعض ناقدا ممتازا بامكانه ان يرشد القـارئ بدقـة الـى المادة الأساسية في اعمـال الـروائيين الـذين تناولهم في دراسات نقدية . ، يـكـتب بـأنـكليـزيـة يصفهـا نقـاد الأدب بـأنهـا انكلـيزية رفيعة ناصعة مشبعـة بمفـردات دقـيقة. كتـب المئـــات من المقالات النـقدية والبحـوث حيث كـرس حياته كـليا للأدب ، لا يفارق عبد الرزاق جرنة موطن طفـولته رغم بعده عنها ويرصد في كل رواية مصير الانسان الذي يئن تحـت وطـأة تـأريخ لا يـرحم. يتحـول المنفـى في رواياته الـى عبء جـديـد بعد ان تتـسع المسافــة بينه وبـين موطنه.

عندما نشرت روايته “ الجنة “ عام 1994 لقيت اشادة واستحسان من النقاد والقراء حتى ان صحيفة الإندبندنت، وصفتها بأنها رواية “متعددة الطبقات وعنيفة وجميلة وغريبة”. والرواية تتناول حكاية صبي أفريقي يتعرض للبيع ، حكاية عن فساد الأنماط الأفريقية التقليدية من قبل الاستعمار الأوروبى .

روايات عبد الرزاق جرنة هي حسب ترتيب صدورها ذكرى المغادرة (1987)، طريق الحج (1988)، دوتى (1990)، الجنة (1994)، الإعجاب بالصمت (1996)، عن طريق البحر (2001)، الهجر (2005)، الهدية الأخير (2011)، القلب الحصى (2017)، الآخرة (2020).

في الحوار الاخير معه، يرفض جرنة اطلاق لقب كاتب على نفسه، قائلا “لا اطلق على نفسي الالقاب، كما انني لست اديبا عالميا إنها ليست الطريقة الأساسية التي أفكر بها في نفسي، ولكن بالنسبة للصحفي قد تكون كذلك يكون ، قد يعلقني على لوحته ويقول ، هذا كاتب أدب عالمي»..