حسن حنفي.. مفكر التجديد داخل التراث

حسن حنفي.. مفكر التجديد داخل التراث

د. علي المرهج

حسن حنفي الذي فقدناه اليوم كان من المفكرين والكتاب القلائل الذين اشتغلوا على التعريف بالظاهرتية بوصفها فلسفة قادرة على الربط بين الفكر والواقع ربطاً ديالكتيكياً، ليدعونا للاهتمام بالفكر على أساس أنه صورة من صور الواقع، وهو اليساري الذي آثر الكتابة عن «اليمين واليسار في الفكر الديني».

إنه المفكر(الإشكالي) (د.حسن حنفي) الذي تناوله المفكر (جورج طرابيشي) مُنتقداً لفكره في كتابين هما “مذبحة التراث” و “المثقفون العرب والتراث.. التحليل النفسي لعصاب جماعي».

قدم لنا حسن حنفي دراسات وترجمات عن أهمية المنهج “الفينومينولوجي”، ليكشف لنا عن أزمة الإنسان واغترابه، وليس بغريب عندنا نحن العرب والمسلمين العيش في الاغتراب، سواء في علاقتنا بالتراث (الماضي) أو في علاقتنا بـ (الحاضر) = (الحداثة).

في مشروعه “التراث والتجديد” يسعى حسن حنفي لتوظيف المناهج المعاصرة في قراءة التراث لا لأجل استحضاره واعادة وجوده بيننا، ولكنه يُنتج استراتيجية في نزوع (سلفي) للمحافظة على حضور الماضي فينا، بوصفه لحظة إبداع لا بد لنا من استيعابها لأجل صياغة لحظة تشبهها أو تتجاوزها في تفوق الحضور الفاعل.

حسن حنفي الذي يحار بين اختيار اليمين أو اليسار، فتارة تجده في أطروحاته أقرب لليمين لأنه يتمسك بالماضي (التليد) وبمنجزاته، وتاره أخرى تجده يسارياً خارج التصنيف في التبني الجاهز والاجرائي على أنه تراثي أو حداثي، ليكون الحامل لمشعل “لاهوت التحرير” الذي يُعيد لنا انتاج الفكر الاعتزالي الذي يمنح الإنسان حريته في الاختيار، وأن الله لا يتدخل في ما يختاره الإنسان، لأنه هو المسؤول عن اختياره، والأمر عند حنفي مقصود، فهو بقدر ما يحمل من سعي لتحرير الإنسان بوصفه هو الحر والمسؤول عن اختياره، لتكون القدرة الإلهية بكل كمالها إنما هي ليست ضد أو مع الإنسان فيما يختاره، لأنها مُنزهة عن نواقص البشر في الاختيار للخير أو الشر.

في كتابه “مُقدمة في علم الاستغراب” يسعى (حسن حنفي) لفتح علمي جديد لم يُحقق فيه ما هو جديد، إل فضل التسمية “الاستغراب” في مقابل “الاستشراق”، وعلى ما بين المفهومين من تباين وتضاد، وعلى ما في ما قدمه (حسن حنفي) من جهد متواضع فيما أسماه “الاستغراب” الذي لا يُعدّ غير محاولة لاعادة كتابة تاريخ الفكر والفلسفة الغربية وفق رؤيته.

لم يكن “الاستشراق” نزوع فردي لمفكر غربي، لأن الاستشراق في الغرب فردي ومؤسساتي، وهو يرتبط بنظام “كولنيالي” أحياناُ، وقد يرتبط بنزوع فردي عند مفكرين غربيين لفهم الشرق ومعرفته.

يرتبط “الاستشراق” بـ “الأنثربولوجيا” وهما علمان متداخلان مؤسساتياً، ولا قدرة لصاحب “الاستغراب” وداعيته أن يُحقق ما حققه مفكروا “الاستشراق».

قد يكون الطهطاوي من دون أن يجترح مفهوم “الاستغراب” كان هو صاحب المحاولة الأولى في التأسيس للاستغراب، بعد أن عاش التجربة الغربية في باريس وكتب عنها وقرأ لفلاسفة “العقد الاجتماعي” الفرنسيين أمثال: جان جاك روسو وفلاسفة التنوير أمثال “فولتير” و “ديدرو” و “مونسكيو”، فكتب كتابه الشهير “تلخيص الإبريز في تخليص باريز».

ما يُميز (حسن حنفي) أنه كان مُقداماً في ولوج مباحثاً جديدة في الفكر الالحداثي والتراثي، ويكشف عن مناطق بكر للحرث، فهو الذ ترجم لنا كتاب “سبينوزا” “رسالة في اللاهوت والسياسة” ليكشف لنا عن أهمية النقد التاريخي للأديان.

مشكلة (حسن حنفي) أنه يعيش الحاضر ليُجدد فيه الماضي (التراث)، ليُنتج لنا رؤية حول “تجديد التراث” فنجده تاره يتقاطع مع “التراث” وكأنه يرفضه برمته، وأخرى تجده وكأنه “سلفي” يتعنى به ويسحرنا بمقولاته التأصيلية، ليُنتج لنا نصاً مرتبكاً لتكون “الاصالة” فيه مرادفة للـ “المعاصرة»!!.

فتكون قيمة “التراث” كبيرة لأنه يُقدم لنا “نظرية علمية في تفسير الواقع”!، ولكننا لا نجد في ما قدمه (حسن حنفي) ما يُسعفنا نظرياً أو عملياً في “التراث” ليكون عاملاً مساعداً لنا في فهم الواقع ومتغيراته ليُدخلنا في التنظير لرؤى رومانسية حول “العروبة” و “الإسلام».

(حسن حنفي) يعيش ويكتب ليُنتج لنا نصاً لا يختلف كثيراً عما أنتجه (محمد عمارة) دوران في النص التراثي لفك إشكالاته بالاستعانة بمناهج غربية ماركسية وفينومينولوجية هيجلية أو هوسرلية، لتدور في مدار الوعي “النكوصي العربي” فتدور دورتها “الأيديولوجية” ليعود (حنفي) فيها ليضع نفسه موضع المفكر (الأيديولوجي) الذي يتبنى موقفاً ويُدافع عن موقع يحضر في للتأثير.