عندما زار كميل شمعون بغداد سنة 1953

عندما زار كميل شمعون بغداد سنة 1953

ماهي أسباب التقارب بين بغداد وبيروت في الخمسينيات ؟

فتحي عباس الجبوري

لا بد من القول ان حرص العراق على تعزيز علاقاته مع الرئيس اللبناني شمعون كان يخفي وراءه جملة أسباب في مقدمتها مرور اهم خطوط الانابيب النفطية عبر الاراضي السورية واللبنانية الى موانئ البحر المتوسط حيث ينقل النفط من هناك الى اسواق اوربا الغربية والولايات المتحدة الامريكية وازدادت اهمية لبنان بوصفها منفذاً لتصدير النفط العراقي اثر وقف ضخ النفط في الانبوب الذي ينتهي بميناء حيفا في فلسطين بعد اغتصابها من قبل الكيان الصهيوني في عام 1948

فمنذ ذلك التاريخ مضى العراق الى زيادة صادراته النفطية عبر الاراضي اللبنانية. ولا سيما ان المسؤولين العراقيين كانوا يعتقدون بان وجود الرئيس شمعون في كرسي الحكم له اثره الكبير في زيادة صادرات النفط العراقية عبر لبنان .

في 24 آذار 1953 وصل الى بغداد كميل شمعون رئيس الجمهورية اللبنانية على رأس وفد ضم وزير الخارجية جورج الحكيم وعدداً من المسؤولين اللبنانيين في زيارة رسمية للعراق وكان في استقباله الوصي عبد الاله ورئيسا مجلسي الوزراء والاعيان . وقد استقبل الرئيس شمعون والوفد المرافق له بحفاوة كبيرة واقام الملك فيصل الثاني والوصي حفلة عشاء على شرف الوفد الزائر في البلاط الملكي في يوم 24 آذار 1953 وقد قلد الوصي الرئيس شمعون والوفد المرافق له اوسمة عراقية وقلد الرئيس شمعون بدوره وساماً للملك فيصل الثاني ، وخلال هذه الزيارة قام شمعون بتفقد المنشأت العسكرية والنفطية في بغداد وزيارة مصفى كركوك في يوم 26 من الشهر نفسه كما زار الكلية العسكرية في بغداد وزار وزير الخارجية اللبناني البصرة برفقة عدد من اعضاء الوفد اللبناني وفي غضون ذلك صرح الحكيم بان المحادثات مع الحكومة العراقية سوف تتطرق لبحث علاقات العراق مع الدول العربية استعداداً للزيارة التي يزمع الرئيس شمعون القيام بها الى كل من الرياض ودمشق والقاهرة بهدف توطيد اواصر التعاون مع دول الجامعة العربية والعمل على وضع سياسة عربية موحدة تتماشى مع التطورات الدولية .

وخلال الاجتماعات التي عقدها شمعون مع المسؤولين العراقيين في بغداد استعرض الطرفان موضوع الخلافات بين العراق وسوريا وقد ناشدت الحكومة العراقية الرئيس شمعون ابداء مساعيه في تسوية هذه الخلافات ، كما دعا العراق شمعون الى اقناع المسؤولين المصريين خلال زيارته المنتظرة لمصر بأن علاقاتهم مع بريطانيا هي مسألة تهم الاقطار العربية جميعها .

كما تباحث الطرفان في قضايا أخرى من شأنها توثيق العلاقة بينهما كتبادل المنتجات المحلية وحرية انتقال الاشخاص بين العراق ولبنان دون قيد او شرط وتأمين حرية العمل لهم وتسهيل تجارة الترانسيت ، وعند مغاردة الرئيس اللبناني بغداد ابرق الى الوصي عبد الاله ببرقية عبر فيها عن خالص شكره وامتنانه لما حظي به من حسن ضيافة ، معبراً له عن تطلعاته الكبيرة نحو مستقبل مزدهر ينتظر البلدين ، فأجابه الوصي ببرقية مفعمة بالود اكد فيها تفاؤله بمستقبل زاهر وبمزيد من التعاون بين العراق ولبنان مؤكداً للرئيس اللبناني بان مالقيه من حفاوة شعبية ورسمية ما هو الا تعبير عن الود الصادق الذي يكنه العراق نحو لبنان وحكومته .

وقد أثنت الصحف اللبنانية على موقف العراق من الرئيس اللبناني ، وتكريمه له وقد ابدت تفاؤلاً في توطيد العلاقات بين البلدين ، وتوقعت بأن زيارة الرئيس شمعون الى بغداد وباقي العواصم العربية الاخرى سوف تحقق نتائج طيبة ، واعربت عن املها بأن تسفر زيارة الرئيس شمعون الى العراق ليس عن تبادل المشاعر الطيبة فحسب بل تحقيق نتائج ايجابية ، كزيادة العلاقات التجارية والاقتصادية وتوحيد السياسة الخارجية بين البلدين .

لقد ازداد التقارب بين العراق ولبنان بشكل كبير بعد هذه الزيارة ولا سيما بعد ان اكد شمعون للمسؤولين في العراق بان زيارته التي قام بها الى السعودية لم تغير شيئاً من موقفه نحو الهاشميين ولا على علاقات الصداقة بين العراق ولبنان .

وفي آب 1953 استقبل الرئيس اللبناني كميل شمعون الدكتور فاضل الجمالي رئيس الوزراء العراقي ودار الحديث بينهما حول تعزيز العلاقات بين البلدين وحول بعض الشؤون العربية . والغاء سمات السفر بين البلدين .

وقد أدى شمعون دوراً كبيراً في تخفيف حدة الخلافات بين العراق وسوريا وبذل جهوداً كبيرة لتحسين العلاقات بينهما فقد غادر أميل البستاني النائب والسياسي اللبناني بيروت الى دمشق في شباط 1954 حاملاً رسالة من كميل شمعون الى الرئيس السوري اديب الشيشكلي، وقد تعززت مساعي شمعون للتوسط بين العراق وسوريا بخاصة بعد ان كلف البرلمان اللبناني الحكومة ان تقوم بهذه الوساطة ، وقد اجتمع شمعون بسفير العراق في لبنان للشأن ذاته.

وفي السياق نفسه صرح عبدالله اليافي رئيس الوزراء اللبناني بانه كلف من قبل الرئيس شمعون بالتوجه الى العاصمة السورية لمقابلة الشيشكلي ولمتابعة الوساطة التي يقوم بها لبنان وقال انه حاملاً معه رسالة خاصة من الرئيس اللبناني الى اديب الشيشكلي .

واكد عبد الله اليافي عقب مقابلة الشيشكلي ان الرئيسين اللبناني والسوري سيجتمعان قريباً لبحث الوسائل الكفيلة بتسوية المشاكل القائمة بين العراق وسوريا .

كان كميل شمعون قد دعا أثناء زيارته للعراق الملك فيصل الثاني وولي عهده الامير عبد الاله ، الى القيام بزيارة رسمية الى لبنان وقبل الملك هذه الدعوة لكنه لم يحدد تاريخاً لها في حينه وكانت الاوضاع الدولية عامة ونية العراق في الدخول في حلف تشترك فيه تركيا وايران والباكستان تتطلب اجراء اتصالات بين المسؤولين العراقيين ونظرائهم في سورية ولبنان والاردن ، و كانت ملامح عقد ميثاق بين تركيا والباكستان قد بدأت تظهر بوضوح خلال هذه المدة وسعت الدولتان الى ضم العراق الى هذا الميثاق والذي عرف فيما بعد بحلف بغداد .

وبعد اتصالات عديدة بين الحكومة اللبنانية والعراق تقرر اخيراً ان يزور الملك فيصل الثاني لبنان ابتداءً من 18 تشرين الثاني 1954. وتوجه فيصل والوفد المرافق له الى عمان بادئ الامر وامضى يومين فيها ثم غادرها في 20 تشرين الثاني 1954 في طريقه الى بيروت . وكان برفقته الوصي عبد الاله ونائب رئيس الوزراء احمد بابان ووزير الخارجية موسى الشهبندر .

عن رسالة : العلاقات العراقية – اللبنانية 1939-1958م.