سامراء في السنوات الأخيرة للعهد العثماني

سامراء في السنوات الأخيرة للعهد العثماني

د.علاء طه ياسين

لم يكن شيء يذكر في تنظيم اداري ليس في مدينة سامراء وحسب بل في العراق باكمله قبل مجيء الوالي مدحت باشا ، وعندما اصبح والياً على بغداد وضع تنظيمات ادارية سارت عليها مدن العراق حتى يومنا هذا ففي عام (1869 م) اصدر الوالي مدحت باشا بهذا الصدد امر بجعل سامراء قضاءاً تابعاً للواء بغداد ، وتم تعيين اول قائمقام ويدعى علي بك ، وفي هذا القضاء حسب ما جاء ذكره في السالنامات العثمانية توجد خمس قرى تابعة لمدينة سامراء وهي : تكريت ، الدجيل ، الدور ، بلد وسميكة .

تباينت مواقف اهالي سامراء بشأن قضية خلع السلطان عبد الحميد الثاني عام ( 1909 ) ، اذ كانت التعابير غير موحدة لدى المسؤولين ، مع ذلك فان المدينة امنة ومستقرة ، ومفضلة في الاقامة من قبل المسافرين والاجانب على بعض المدن ، اذ رغب العاملون في سكة حديد بغداد ـ برلين في الاقامة في مدينة سامراء بدلاً من بغداد مما يدل على اهمية مدينة سامراء في توفير سبل العيش والراحة للمسافرين ، فضلا عن طيب اهالها ورائحة هوائها . ويمكن وصف مدينة سامراء خلال عامي ( 1911 ، 1912 م ) بانها مدينة لطيفة ونظيفة وذات جمال ورائحة طيبة فهي موضع اهتمام الدولة العثمانية كمحطة انطلاق من اجل ايصال بضائع البصرة المتراكمة الى شمال العراق ، بواسطة مقطورتين نهريتين في مدينة سامراء وتابعتها قرية تكريت ، فضلا عن ان سامراء اعدت في الاصل لنقل المواد السكة الحديدية من بغداد الى سامراء . اذ باشر الالمان في بناء ذلك الجزء من مشروع سكة حديد بغداد الذي يربط الاخيرة بسامراء بموجب الاتفاق العثماني ـ الالماني ، ووضع حجر الاساس للمشروع في السابع والعشرين من تموز 1912 م وقد حضره المسؤولون العثمانيون ومن العراقيين نقيب اشراف بغداد عبد الرحمن النقيب الذي عرف بميوله للعثمانيين وولي نقابة الاشراف بعد وفاة شقيقه السيد سلمان افندي النقيب .

عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى عام ( 1914 م ) كان القتال مستمراً بين العثمانيين والبريطانيين في ميادين القتال كافة ، وفي هذه الاثناء استعملت مدرسة الشيرازي في مدينة سامراء كمشفى لمعالجة جرحى الجيش العثماني . وعلى الرغم من ان المدينة محاطة بسور الا انه لم يعد نافذ المفعول في حمايتها من الاعتداءات الخارية ، اذ لم يعد ذو فائدة ليس في سامراء وحسب بل في جميع مدن العراق من اجل استتباب النظام الذي حافظ عليه العثمانيون ولا سيما في الولايات العراقية والمناطق التابعة لها ، كما ان تطور المدفعية البريطانية جعل السور غير مجد في الدفاع ، فلا غرو ان يجتاح الجيش البريطاني المتطور في جمع الاعداد الكبيرة من الهنود المرتزقة عن طريق الاخضاع ،كما كان لنوع الاسلحة الاثر البالغ في دخول المدن العراقية واحدة تلو الاخرى ، حتى وصوله مدينة بغداد باتجاه الموصل عبر مدينة سامراء ، بينما كانت المراسلات بين القادة العثمانيين متواصلة ولا سيما برقيات وزير الحربية انور باشا الى القائد خليل باشا متضمنة وجوب الثبات امام القوات البريطانية ، وكانت مدينة سامراء القاعدة العسكرية التـي

اتخذها العثمانيون خلال الحرب قبل الاجتياح البريطاني لمدينة بغداد باعتبارها الطريق المؤدي الى شمال العراق عبر مدينة سامراء ، فضلا عن قطارها المنشأ حديثاً ضمن حركة المواصلات بين الموصل وبغداد ، واخيراَ قرر العثمانيون الانسحاب من الاخيرة باتجاه مدينة سامراء عام (1917 م).

انقطعت الامدادات العسكرية وغيرها من بغداد بعد احتلالها من قبل القوات البريطانية ، بينما عانت مدينة سامراء من ضيق العيش مدة شهرين من عام ( 1917 م) ، وفي ظل الحرب التي شتدت اوزارها وعلى بعد (15) كيلو متر الى الجنوب الغربي من سامراء وحصراً في موقع اصطبلات وقعت في يومي ( 21 ـ 22) من نيسان من العام المذكور معركة عنيفة وحاسمة بين القوات البريطانية والعثمانية ، خسرت فيها قوات الاخيرة تلك المعركة والمواقع التي تحصنوا فيها ، اذ بلغت خسائر القوات المشتركة (2000) قتيل ، وكان للمدفعية البريطانية دوراً كبيرا في انتصارهم وسيطرتهم على ضفاف نهر دجلة مما ادى الى انسحاب العثمانيين ، الامر الذي مكن البريطانيون من السيطرة على محطة القطار التابعة لمدينة سامراء والواقعة في منطقة القلعة حالياً ، ولم تفصل القوات البريطانية عن مركز مدينة سامراء سوى جسرها الوحيد ، وظلت المدينة مدة يومين (( من دون اي سلطة حكومية قبل ان يدخلها البريطانيون في 24 نسيان عام 1917 )) علماً ان العثمانيين قد حرقوا المخازن والمواد الغذائية خلال عملية الانسحاب فلم ينتفع اهالي مدينة سامراء من تلك المخازن بشيء يذكر ، فعانت المدينة الويلات من تلك الحرب .

ومن اللافت للنظر ان القوات البريطانية عند دخولها محتلة مدينة سامراء ، لم تتباين في الافعال اتجاه الاهالي عن بقية المدن العراقية ، فقد اساءت اليهم واهانتهم وانتهكت حرمة البيوت بذرائع عدة منها على سبيل المثال التفتيش عن الاسلحة والضباط العثمانيين ، والشيء الوحيد الذي حافظت علية القوات البريطانية المحتلة هو الابقاء (( على معظم التقسيمات الادارية العثمانية في منطقة سامراء)) ، وكل ما من شأنه خدمة المصالح البريطانية فضلا عن سيطرتها على مقدرات المدينة . ويمكن القول ان فترة عامي ( 1917 ـ 1918 م ) كانت الحسم بخاصة لمدينة سامراء وللعراق بعامة اذ تمخضت عن محاولات عثمانية عدة من اجل صد البريطانيين وايقاف سير قواتهم بالاشتراك مع بعض القادة العرب الذين تباينوا في مواقفهم . وبهذا فان المدينة دخلت في مرحلة الاحتلال بدلا من السيطرة وكلاهما وجهان لعملة واحدة الا في حالات قل نظيرها ومنها العقيدة .

عن بحث ( مدينة سامراء في العهد العثماني حتى عام 1917 م )