رحيل مثقف مصري عظيم

رحيل مثقف مصري عظيم

محمد أبو الغار

رحل عن عالمنا اليوم دكتور جابر عصفور أستاذ اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة. جابر عصفور عاش عمره في رحاب الجامعة مدرساً وباحثاً وكان جزء من عمله العلمي خارج مصر في الكويت والسويد والولايات المتحدة، وقدم أبحاثاً عظيمة وكتباً علمية تخص عمله في الجامعة كرجل أكاديمي.

ولكن أهمية جابر عصفور هي أكبر بكثير من العمل الأكاديمي البحت. خرج جابر عصفور من رحاب الجامعة إلى عالم التقافة الأوسع في المجتمع. هذا العمل بدأه في شبابه وهو مازال طالباً في شلة المحلة التي ضمت نصر أبو زيد وسعيد الكفراوي وجار النبي الحلو ومحمد المنسي قنديل ومحمد صالح، والذين اجتهدوا جميعاً للعمل الإبداعي بطرق مختلفة، ولكن جابر عصفور اتجه إلى العمل الأكاديمي وتفوق في دراسته الجامعية والتحق بسلك هيئة التدريس وحصل على الدكتوراه.

اهتم منذ شبابه بقضية واحدة وهي قضية التنوير والتي لها فروع كثيرة ومنها حقوق المرأة ومنها حرية التفكير وحرية النقد وعدم الحجر على الأفكار بسبب المعتقدات الدينية. وقدم كتباً عديدة وأبحاثاً مستنيرة وكان له العديد من التلاميذ في مصر وفي كل البلاد العربية. التنوير لم يكن عملاً ولا مهنة ولكنها كانت قضية محورية في حياته اهتم بها ودافع عنها في ظروف وأوقات صعبة انتشرت فيها الأفكار الغيبية والجماعات الإرهابية التي ادعت أنها تدافع عن الدين والهوية.

قابلت جابر عصفور إشكالية قابلت الكثيرين من المفكرين المصريين، وهي صعوبة الوصول إلى مجموعات كبيرة من الناس والتأثير فيهم بدون استخدام أجهزة الدولة الثقافية فلجأ إلى الهيئات الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة والتي تسيطر عليها الدولة في كل بلاد العالم الثالث ومن ضمنها مصر، فانضم إلى هيئات حكومية ولكن لها استقلال ذاتي نسبي مثل المجلس الأعلى للثقافة التي تولى مسؤوليته لسنوات طوال واستطاع أن يحافظ إلى حد معقول على استقلاله وتوجهه التنويري في ظروف صعبة وفي وقت كان تيار التخلف عظيماً. ثم أنشأ المجلس القومي للترجمة وقاده لفترة وهو مجلس هام. وعمل وزيراً للثقافة لفترة قصيرة.

رحم الله جابر عصفور مفكراً تنويرياً عظيماً ساهم بجهده بقدر ما استطاع في ظروف صعبة كان يمشي فيها على حبل مشدود. إلى جنة الخلد وسلام على روحك يا دكتور جابر.