الحرب على سنان الشبيبي

الحرب على سنان الشبيبي

علي حسين

لو كنّا شعبا جادا، لو كان لدينا رأي عام، يملك التأثير، لو كانت لدينا أحزاب أو منظمات مجتمع مدني، لو كان هناك من يحاسب المخطئ والفاسد.. لو كان لدينا كل ما سبق أو بعض منه، لما استطاع «جلاوزة» رئيس الوزراء الانقضاض على البنك المركزي وطرد سنان الشبيبي، الشخصية العلمية والوطنية بطريقة مهينة تفتقر إلى ابسط شروط اللياقة والاحترام.

لو كنا نحترم الكفاءات ونقدر قيمة الخبرة العلمية والمهنية لما تجرا نائب لم يبلغ سن الرشد السياسي ليقول ان “قرار مجلس الوزراء القاضي باقالة سنان الشبيبي خطوة بالاتجاه الصحيح” طبعا الاتجاه الصحيح عند النائب المغوار هو ان يصبح البنك المركزي فرعا من فروع مكتب رئيس الوزراء، جهل وتخلف واستهتار بكل القوانين.. المهم ان ينام، رئيس الوزراء ملء جفونه بلا وخزة “ قانون “ واحدة.

بيان الحكومة الثوري الذي أعلنه المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، يصعب تصديقه في أي بلد، لكنه في العراق يقدم الدليل القاطع على إننا نعيش زمن اللصوص الكبار، وان مصطلحات الشفافية والنزاهة لا تنفع في بلد تُغيب فيه إرادة الناس.

وأنا استمع إلى بيان المستشار علي الموسوي، تصورت أن الأمر لا يعدو كونه نكتة أو محاولة لكسر الملل والرتابة، فيما الواقع يقول إن منطق استغفال الناس والضحك عليهم هو السائد في اوساط الحكومة، نعم هناك إصرار غريب على تحويل الفساد والسرقة والانتهازية إلى بطولة ونبوغ وعبقرية، قرار مضحك يجعل الوضع الذي يمر به العراق أقرب إلى كاريكاتير ممتد من أقصاه إلى أقصاه،

بيان مجلس الوزراء يريد أن يؤكد للجميع أن لا مكان للخبرة والكفاءة في هذا البلد، فعلى الشبيبي وأمثاله إذا أرادوا العيش في العراق أن يفوزوا برضا الشابندر والشلاه والعسكري والجبوري، ومن ثم يحصلون منهم على صك الوطنية، أما أن يحاول الشبيبي ان يشعل الضوء الأحمر في وجه سياسات الحكومة ومفسديها، فانه يتحول وبقرار وزاري إلى مارق ومتربص حاقد على مكتب المالكي وفلاسفته الأفذاذ.

اذا كانت القضية هي السيطرة على كل الهيئات المستقلة، فلنتوقف عن المسرحية التي نشاهدها الآن، ونطلب من الأخوة المقربين من رئيس الوزراء أن يريحونا من كل هذه “الفوضى” ويقرروا شكل الحكم الذي يريدونه على مقاسهم الخاص وداخل أحزابهم، ثم نتبنّاه نحن المواطنين المغلوبين على أمرنا.

للأسف لو حصل الأمر في بلد غير العراق، ومع ساسة غير ساستنا الأشاوس المأزومين دوما والمصابين بمرض الخوف من كل الكفاءات، لو حصل ذلك فلا اعتقد أن حزبا او شخصا أياً كانت مكانته السياسية يمكن أن يخوض معركة ضد رجل مثل سنان الشبيبي.. لان المطلوب هنا هو أن يجتمع الجميع، الخصوم والمعارضة وحتى الطامعون في الحكم على أمر واحد لا لبس فيه وهو أن التعرّض لأمثال سنان الشبيبي خسارة وطنية لا تغتفر، لكن للأسف فنحن نعيش عصر سياسيي الصدفة، أصحاب المواقف المتلوّنة والملتوية.

القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بحق الشبيبي يؤكد بالدليل القاطع ان مؤشر التفرد بالسلطة يعاود إلى الارتفاع، من خلال إغراق الناس في خطب متحذلقة، فاقدة للمعنى والثقة، خطب وقرارات تجعل المواطن يشعر بالأسى وهو يرى إصرار مسؤولي الدولة الكبار على إفراغ البلد من أصحاب الكفاءات والخبرة، وحيث يجد الشبيبي وأمثاله أنهم في مواجهة سياسيين يكرهون أوطانهم..

في الدول التي تحترم إرادة مواطنيها نجد مؤسسات الدولة تكرم علماءها ومبدعيها من خلال الحفاظ عليهم باعتبارهم عملاتٍ نادرة الوجود فيما نمارس نحن سياسة الجهل السياسي الذي يفسح المجال للمحسوبية والمزاجية في الإدارة والتي تهدم أكثر ممّا تبني.

لخاسر الأكبر من قرار اقالة الشبيبي هو الشعب العراقي الذي يحتاج في هذه الايام العصيبة الى كل الكفاءات الوطنية ، بالمقابل فان العدو الاكبر لاستقرار البلاد هم مقربي المالكي الذين يصرون على اشاعة الفوضى والمحسوبية.

أخطر رسالة يمكن فهمها من قرار اقالة الشبيبي هى أن ائتلاف المالكي يقول لمعارضيه إننا سنلاحقكم وسنضربكم بيد من حديد اذا ما حاولتم الاختلاف معنا.

قرارات مكتب رئيس الوزراء ترسخ قناعات العراقيين بأن النتيجة الوحيدة لما حصل بعد عام 2003، هي استبدال حاكم مستبد ودكتاتور، بجماعة سياسية مستبدة، قد يصعب إزاحتها خصوصا إذا قررت أن تتصرف بمنطق “العصابات” لا بمنطق السياسة.

*****

تطلق مدفعية ائتلاف دولة القانون هذه الأيام قذائفها الثقيلة ضد الدكتور سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي من كل الاتجاهات تحت شعار: \”لا نريد خبيرا اقتصاديا يتولى شؤوننا\” ، ويبني هؤلاء القناصون والرماة خطتهم في القصف على أساس ان الشبيبي ينتمي إلى طائفة من التكنوقراط لا تنسجم مع مقتضيات الواقع الجديد، الذي يريد له البعض أن يستند على قيم المحاصصة الطائفية والمحسوبية والجهل والخرافة، بل ذهب خبراء دولة القانون إلى اتهام الرجل بأنه مسؤول عن تهريب أموال العراق

الى المنظمات الإرهابية، فقد خرج علينا النائب هيثم الجبوري المكلف شرعا من الله لخدمة العراق كما اوضح لنا ذلك سيادته قبل ثلاثة أيام في برنامج \”مسوول صايم\” الذي تبثه قناة البغدادية قائلا بالحرف الواحد \”إنه يوكد دائما لعائلته انه مكلف من الله لخدمة الوطن\” المهم ان النائب \”المكلف\” اتهم شخصيات سياسية متنفذة في البنك المركزي بتهريب 10 ملايين دولار يوميا لتمول الإرهاب، لا اريد هنا ان اناقش صحة الاتهام الذي وجهه الجبوري من عدمه، فقط أنا أتحدث عن المنهج والطريقة التي تعامل بها مقربو المالكي مع شخصية بحجم سنان الشبيبي، فالبعض هدّد باتخاذ قرار في مجلس النواب ان لم يقدم الشبيبي استقالته ويترك البنك المركزي لشخصيات اكثر خبرة ودراية بالوضع الاقتصادي، وليكن الجبوري مثلا، فالرجل يتمتع بكل صفات الخبير الاقتصادي، فهو اولا عضو في اللجنة المالية البرلمانية، وهذه اللجنة حققت خلال السنتين الماضيتين انجازات عظيمة ، منها قانون تقاعد أعضاء البرلمان، وسلفة المئة راتب لكل برلماني ومشروع السيارات المصفحة الذي أجهض بسبب غضب الناس، لكن لحسن الحظ ولان الله لطيف بعباده \”المكلفين\” استطاع النائب الجبوري ان يحصل على سيارة مصفحة كما اخبرنا سيادته في البرنامج المذكور، لأنه مضطر الى ذلك لعدم توفر الأمن في العراق، ولم ينس النائب الجبوري أن يبشرنا بان هناك مشروع جديد في البرلمان لتقديم قطع أراض جديدة لأعضائه، واعتقد أن من يحقق مثل هذه الانجازات العظيمة يحق له ان يقدم الشبيبي ومعه كل خبراء البنك المركزي الى اقرب مقصلة. واذا كانت الرصاصات الأولى في الحرب ضد سنان الشبيبي قد انطلقت من فوق منابر دولة القانون، فأن دخول رئيس البرلمان إليها سيجعلها تتوسع لتشمل أنواع أخرى من الاسلحة، مما ينذر بان الشبيبي ومعاونيه سيكونون تحت قصف قنابل جرثومية في الايام القادمة.ولنسأل فيلق الهجوم الخاص بدولة القانون، أيُّهما اخطر على العراق، عالم جليل بحجم سنان الشبيبي الذي سعى وبمهارة وكفاءة الى تشغيل آليات بناء مؤسسات الدولة على أسس علمية؟ ام حيتان الفساد الذين انتشروا مثل السرطان في جسد البلاد؟. لم يثبت حتى الآن أن الشبيبي ومن معه شكلوا تهديدا للأمن الوطني حتى يقرر أشاوس دولة القانون ومواقعهم الالكترونية شن حملة افتراءات ضده، لكن المؤكد بالصورة والصوت، أن الفاسدين الذين يتستر عليهم بعض المسؤولين أهلكوا البلد وشكلوا ويشكلون اخطر تهديد ضد أمن الوطن والمواطنين، لا يقل خطورة عن تهديد الجماعات الإرهابية، ففي ظل انهيار تام لمقاومة الحكومة بكل أجهزتها ضد فيروس الفساد، وصل الحال بنا الى أن نصبح في طليعة البلاد الأكثر فسادا ونهبا للمال العام، إلى الحد الذي يعجز معه المرء عن تقديم بيان حقيقي وواقعي بحجم الأموال التي نهبت من خزينة الدولة خلال السنوات القليلة الماضية. لعل قمة التناقض والازدواجية، ان نجيش الجيوش ضد عالم وخبير اقتصادي كبير لمجرد أنه يرفض دخول البنك المركزي الى حظيرة الحكومة ، ونحرك قطعات المدفعية لدك محاولاته لإصلاح النظام المصرفي في العراق، ثم يخرج علينا كل يوم رئيس الوزراء بخطب ثورية عن الإصلاح ومحاربة الفساد والاستفادة من الخبرات. أزعم أن سنان الشبيبي أكثر عراقية ووطنية من كل القناصة المنتشرين على أسطح بنايات الحكومة والبرلمان. وأخيرا كل ما نتمناه من الحكومة أن تكون أكثر وضوحا وشجاعة في قراراتها وتوجهاتها، وعليها ألا تتخفى وراء نواب ملت الناس من طلعاتهم البهية، لأن هذه الطريقة فشلت وستفشل حتماً.

المدى/ 2012