الهيئة التحقيقية الخاصة تكشف الحقيقة..هل كان غازي الداغستاني يعد لانقلاب عسكري قبل إندلاع الثورة؟

الهيئة التحقيقية الخاصة تكشف الحقيقة..هل كان غازي الداغستاني يعد لانقلاب عسكري قبل إندلاع الثورة؟

القاضي يحيى الدراجي*

كانت محكمة الشعب رسميا (المحكمة العسكرية العليا الخاصة) المشكلة بموجب المادة الثانية عشرة من القانون رقم (7) لسنة 1958، بشان معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم. وقد تشكلت تلك المحكمة بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 18 المؤرخ في 20/7/1958 المعدل بموجب المرسوم المرقم 164 المؤرخ في 15/8/1958.

وقد جرى التعديل لمرسوم تشكيل المحكمة ولم تكشف المحاضر الرسمية لجلسات المحكمة المنشورة من القيادة العامة للقوات المسلحة سنة 1958 عن سبب التعديل، اما انا فقد ذكرت لك الحقيقة وهي ان تغييرا حصل في تشكيل المحكمة، اذ كانت بموجب المرسوم الاول المذكور برئاسة العقيد المهداوي وعضوية العقيد ماجد محمد امين والمقدم عبد الهادي الراوي والمقدم فتاح الشالي والرئيس الاول ابراهيم عباس اللامي. اما المرسوم الثاني فقد عين العقيد ماجد محمد امين رئيسا لهيئة الادعاء العام ونقل المقدم شاكر محمود السلام الى عضو في المحكمة.

وكانت المحكمات تجري بعد الجلسة الاولى ورئيس الادعاء العام ماجد امين عضو المحكمة الذي لم يصدر قرار تعيينه مدعيا عاما الا بعد (26) يوما.وكانت هيأة الادعاء العام الاولى مؤلفة من المقدم شاكرم حمود السلام والحاكم (القاضي) عبد الجليل حبيب ونائب المدعي العام مصطفى الدوري

اما الهيأة التحقيقية الخاصة فقد شكلت اولا بتاريخ 29 تموز 1958 برئاسة العقيد محمود عبد الرزاق والحاكم حافظ خالد والحاكم يحيى الدراجي، والمقدم داود سلمان الغلاي والمقدم الحقوقي عبد الوهاب المدرس. ثم حصل ما حصل مما ذكرته انفا ودخل الحاكم السوري بهجت المسوتي عضوا استشاريا في يوم 29 تموز 1958، اي بعد قدوم عبد الحميد السراج الى العراق بيوم واحد. وفي 23/ آب/1958 شكلت اللجنة بعد اخراجي والحاكم السوري بهجت المسوتي منها، من السادة العقيد محمود عبد الرزاق رئيسا، كما كان والمقدم داود سلمان الفلاي والمقدم الحقوقي عبد الوهاب المدرس والرئيس سعيد مطر والرئيس عبد الحميد الشكري والرئيس المرحوم حازم عبدالفتاح الصباغ والحاكم حافظ خالد والحاكم صادق حيدر والحاكم شامل الشيخلي والحاكم طالب النائب.

وسيطر عبد الكريم قاسم على الهيأة التحقيقية باصداره امرا باسم القائد العام للقوات المسلحة بكتابه المرقم ق. ق.م/ 39/17 المؤرخ في 17/8/1958 اي بعد اكثر من شهر من قيام الثورة وبعد ان لاحظ بان التحقيق كما ذكرت اتجه نحو (لماذا تأمرت على سورية) وكما فصلته سابقا واذكر ان عبد الكريم قاسم زارنا في غرفة مدير الاستخبارات المرحوم الشهيد رفعت الحاج سري واعترض قائلا: لماذا يجري التحقيق حول سورية ومن أمر بذلك؟

بما ان الهيأة التحقيقية الخاصة كانت قد شكلت للتحقيق مع رؤوس العهد الملكي فانها لم تتلق – على حد علمي – اي ايضاح للمحاولات التي قام بها الضباط الاحرار لقب نظام الحكم وفشلت.انا اعرف كغيري من الناس ما وقع، وهو نجاح الثورة على يد الضباط الاحرار صبيحة 14 تموز 1958. وقد كشفت الكتابات التي نشرها بعض من كتب من الضباط الاحرار ان هناك محاولات كثيرة لم يكتب لها النجاح وبينت اسباب ذلك.

بحكم كوني عضوا من الهيأة التحقيقية الخاصة سنة 1958. اذكر انه في التحقيق مع المتهم غازي الداغستاني، قائد الفرقة الثالثة قبل ثورة تموز 1958 ومعاون رئيس اركان الجيش “الحركات” بين سنتي 1956 -1957، ضبط معه في موقفه بسجن معسكر الرشيد وفي حقيبته، بعد ثلاثة ايام من ثورة تموز، دفتر مكتوب بخطه فيه خطة تخص انقلابا في العراق. وقد شكت الهياة التحقيقية في ان ذلك الدفتر الذي وجد في حقيبة الموقوف في سجنه ومعه اعد بين 14 تموز و17 تموز 1958، واتجه التصور الى انه لابد ان يكون قد اعد لاحداث تغيير على التغيير، لصالح الجهات التي تستفيد منه وهي الجهات الاستعمارية المضادة للثورة وللجمهورية. لقد انكر الداغستاني انه كتب الدفتر بعد ثورة 14 تموز 1958 وزعم انه قد كتبه قبل سنة ونصف تعليقا على خطة سلمها له نوري السعيد او عرضها عليه لاجراء تغيير فيسورية، وفسر كتابة الدفتر بانها شيء خاص به، وانها كتبت تعليقا على خطة نوري السعيد التي ترمي الى ضم سورية للعراق. وتقول بعض الشهادات المدونة في الاضبارة التحقيقية والتي اخذت بها المحكمة في ادانته، ان الداغستاني كان مستاء من وضع عبد الاله ونوري السعيد لانهما يريد ان حشر الجيش في امور لادخل له فيها. واذكر ان الداغستاني في دفتره المذكور وضع خطة متكاملة تخص العراق لاسورية، وسمى تلك الخطة بـ “حركة مفوار” وحدد الامور المتوقعة لانجاحها،’ ومنها انشغال الحكومة القائمة في العراق بعد نجاح العهد الملكي في الاتحاد مع سورية وحل احزابها بحيث تكون سيطرة حكومة العراق قد ضعفت لانشغالها بامور سورية. وكان يؤمل حدوث انتفاضة شعبية في العراق نتيجة للاوضاع السائدة فيه بتاثير الدعاية المصرية المركزة، وعندئذ يستفيد الجيش العراقي من فرصة الانتفاضة ويقوم برفض اطلاق النار وقمع التظاهرات الذي تأمر به الحكومة وتقوم القطعات المكلفة بحراسة رجال الدولة بحجزهم في مكان امين لمنعهم من مغادرة العراق وتأليف حكومة جديدة يدخل فيها الجيش ويشغل وزارات مهمة. وفي حالة فشل “خطة مغوار” ولتأمين تغيير الوضع في العراق بنجاح، فمن المتوقع حدوث انفجار شعبي في وجه الحكم القائم وليس ذلك ببعيد – كما يقول الداغستاني في دفتره – وانه في حالة نجاح خطة “دفتر الداغستاني” يعزل “ع” ويقصد به عبد الاله و”ن” ويقصد به نوري السعيد ويحجزان في منعزل يستحيل عليهما منه اشعال فتنة.

ويتم التصلب تجاه بريطانيا وامريكا لحمل امريكا على زيادة مساعداتها العسكرية والمالية. ثم تاتي بقية الخطة التي فيها باب حركة جمع الشمل (أ) وحركة جمع الشمل (ب). ويقول الداغستاني في دفتره “يتوقع ان تستغرق التحضيرات لتنفيذ هذه الخطة سنتين”. وقد ناقشت محكمة المهداوي الداغستاني حول هذا الموضوع المهم الا انها لم تمض الى نهاية الشوط في التحقيق بهذا الامر، وهكذا طمست هذه الخطة التامرية على العراق من قائد عسكري عراقي في العهد الملكي قبل ثورة تموز 1958، مما يوفر الجواب على سؤالك بان التغيير كان ضروريا لكنه تحقق على يد ثوار 14 تموز 1958.

* عضو الهيئة التحقيقية

م. آفاق عربية 1986