المستدرك على كتاب (وجوه عراقية) لماذا أغفل السويدي الحديث عن بعض الشخصيات السياسية؟

المستدرك على كتاب (وجوه عراقية) لماذا أغفل السويدي الحديث عن بعض الشخصيات السياسية؟

إعداد: رفعة عبد الرزاق محمد

تعددت نسخ كتاب (وجوه عراقية) الذي كتبه توفيق السويدي، رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي، غير ان الراحل نجدة فتحي صفوة نشرواحدة من هذه النسخ التي املاها السويدي على بعض اصدقائه قبل ثورة تموز 1958 وبعدها،

ومن هؤلاء الاصدقاء نذكر خيري العمري والمحامي جودة هندي صديقه ووكيل اعماله بعد تركه العراق، ونجدة فتحي صفوة.ويذكر المرحوم جودة هندي ان الاوراق الاصلية للكتاب فقدت أثناء مداهمة سلطات 14 تموز لبيت السويدي واستيلائها على اوراق، وذكر ان من الاوراق المفقودة وصية عبد المحسن السعدون الشهيرة.

ان كتاب وجوه عراقية للمرحوم توفيق السويدي الذي طبع في لندن قد اغفل ترجمة شخصيتين هما نور الدين محمود ( توفي يوم الاثنين في 23/اذار 1981 )وابراهيم كمال ( توفي31/تموز 1947 )على حين ان نسخة الاستاذ المؤرخ خيري العمري التي أملاها توفيق السويدي عليه قد حوت ترجمة هاتين الشخصيتين وقد رغب بعض الاصدقاء في الوقوف عليها وأباح لهم العمري ذلك.

وردت في نسخة العمري ترجمة للفريق نور الدين محمود على حين خلت النسخة المطبوعة من هذه الترجمة فقد علل السويدي سبب ادراجه نور الدين محمود بقوله: “اذا كان مجرى البحث عن وجوه عراقية قد تضمن بالضرورة لذكر جميع رؤساء الوزارات العراقية فقد اصبح من الضروري اكمالا للبحث والترتيب التسلسلي ذكر نور الدين محمود بين تلك الوجوه لانه حاز على رئاسة الوزارة في ظروف معلومة لابصفته احد رجال السياسة بل بصفته احد قواد الجيش الذين عهد اليهم باخماد الثورة ولذلك ليس في وسعي ان اطيل البحث عنه لان تاريخه السياسي لم يحتو على شيء يستحق البحث والتنقيب.

وكذلك وردت في نسخة العمري ترجمة لكمال ابراهيم على حين لم ترد في النسخة المطبوعة وقد علل السويدي ادراجه بانه كان مرشحا لرئاسة الوزارة بعد فشل حركة مايس 1941 التحررية.

ومن هذا يتضح لنا ان من شروط كتاب السويدي ان يذكر جميع الاشخاص الذين اضطلعوا برئاسة الوزارة وعددهم ثلاثة وعشرون رئيسا فلماذا اذن اهمل رئيسين من اولئك الرؤساء وهما عبد الوهاب مرجان واحمد مختار بابان؟ على حين انه ترجم لاشخاص لم ينالوا الوزارة كوالده يوسف السويدي واخرين لم ينالوا الرئاسة كجعفر ابي التمن ورستم حيدر وطالب النقيب.

في نسخة العمري نجد ان السويدي قد سخر من صالح جبر وذكر خطبته الركيكة باللغة الانكليزية جوابا على خطبة بيفن عند التوقيع على معاهدة بورت سموث سنة 1948 وذكر بانها كانت مضحكة اذ كان المقرر ان ينبري الدكتور محمد فاضل الجمالي، عضو الوفد العراقي المفاوض للرد الا ان صالح جبر استاثر بذلك لنفسه. وقد خلت النسخة المطبوعة من هذا النقد الساخر.

وفي نسخة العمري تعريض برشيد عالي الكيلاني وتشكيك في نسبته لال الكيلاني وقد فات السويدي ان السيد عبد الوهاب والد رشيد كان زوجا لاحدى اخوات السيد عبد الرحمن النقيب وحين لم تنجب له مولودا تزوج امرأة غيرها من قرية السادة فاولدها رشيدا.

ويبدوا ان السويدي قد احس بخطئه هذا فعدل عنه وخلت منه النسخة المطبوعة وحسنا فعل.

ولسائل ان يسال ما سبب الاختلاف بين النسختين؟ ولعل سبب الاختلاف كما يلوح لنا ان النسخة الاولى كتبت في العهد الملكي فكانت لهجتها حادة لا تخلو من التشنيع والتجريح اما الثانية التي تم طبع الكتاب عليها فقد كتبها بعد ثورة 14 تموز 1958 في منفاه الاختياري ببيروت فلا عجب ان غير لهجته وخفف من غلوائه فاخذ ينظر الى تلك الشخصيات نظرة فيها شيء من العطف والتبرير لاعمالهم.

وكنا نود مخلصين لو ان الاستاذ صفوة قد نشر نماذج مصورة من المخطوطة لغرض الوقوف عليها ومعرفة ما اذا كانت بخط السويدي او بخط سواه ومتى كان الفراغ منها فذلك ضروري لغرض التوثيق والمقارنة بين النسختين خاصة وان الكتاب طبع بعد وفاة مؤلفه.

واليك ما كتبه عن الفريق نور الدين محمود، وفقا لنسخة العمري:

اسمه نور الدين واسم ابيه محمود وعلى ما يظهر من اسمه اصله كردي نشأ في بغداد وترعرع فيها ودرس واكمل دراسته العسكرية ودخل الجيش العراقي وتقدم فيه كما انه ذهب للدراسة والتخصص في الهند فاصبح ركنا في الجيش.

وكنتيجة لتقدمه العسكري اصبح فريقا وعهد اليه بقيادة الجيش العراقي – الاردني المشترك لمدة مؤقتة خلال حركات فلسطين 1948 وقد قيل عنه في ذلك الوقت انه يمالئ الملك عبد الله وياتمر بامره في حين ان الضجة كانت قائمة ضد سياسة الملك عبد الله تلك السياسة المنكمشة التي يدعي الوطنيون والمتطرفون من العرب انها قد ادت الى الانخذال والتقهقر وضياع القسم الكبير من فلسطين. وقد اردت ان استقصي هذه الشائعات واسباب تلك الضجة منه فلما القيت عليه بعض الاسئلة المتضمنة تلك الاتهامات اذكرها وادعى بان الضعف لم يكن من الملك عبد الله بل من الجميع وبالاخص من العراق وقد اوضح لي ان رئيس اركان الجيش العراقي وهو الفريق صالح صائب الجبوري كان من المترددين كثيرا في الاقدام على اي عمل ومهما يكن الامر فان فاجعة فلسطين انتهت ورجعت القوات العراقية الى بلادها وتعهد الجنرال نور الدين محمود برئاسة اركان الجيش مستخلفا الجبوري الذي احيل الى التقاعد وعين عضوا في مجلس الاعيان والى هنا يبقى الجنرال نور الدين محمود رجلا عسكريا لم تكن له صلة بالسياسة ولكن حوادث 27 / تشرين 1952 التي ظهرت بحركات مزعجة نظمها الشيوعيون وآزرها الموتورن والمتطرفون من كل جنس في المعترك السياسي ادت الى استقالة وزارة مصطفى العمري فحصل اختلاط فهم في الجو السياسي ادى الى التبلبل في اتخاذ اي اجراء من شأنه ان يعيد الامن الى نصابه في مدة قصيرة فلم يتيسر والحالة هذه الاعتماد على احد رجال السياسة للقيام بالمسؤولية فرؤي تكليف الجيش بمهمة تأمين الامن واستتبابه ولكن المشكلة بقيت معلقة فيمن سيكون الامر لاتخاذ تلك الاجراءات فالملك غير مسؤول دستوريا والوزارة غير مسؤولة فعليا فعلى اية قوة شرعية يستند الجيش للقيام بالواجبات المطلوبة منه فتقرر بناء على ذلك ان يعهد الى رئيس اركان الجيش بتأليف وزارة لاستكمال الشروط الدستورية وطلب السرية باتخاذ الاجراءات اللازمة فكلف الجنرال نور الدين وهو غير مسبوق باية معلومات تؤهله للقيام بوظيفته على وجه اتم وقد اريد استكمال العناصر التي تستطيع ان تؤازره بمعلوماتها القانونية وتجاربها السياسية فاشير عليه ان ياخذ بعض الشخصيات التي كانت بعيدة عن الحكم تلك العناصر التي انتهزت فرصة وجودها في المسؤولية فارادت ان تبدع الكثير من الاعمال التي قد لا تنسجم مع الظروف والامكانيات المتوفرة في البلد فبقيت وزارة الجنرال تتلكأ في شتى الاجراءات المبعثرة ولم تصب باية منها نجاحا سوى تامين الامن بقوة الجيش ولما تم كل شيء وفتح المجلس واجريت الانتخابات بطريقة جديدة سميت طريقة الانتخابات المباشرة بموجب مرسوم اصدر خصيصا لهذه الغاية جرت الانتخابات وهي لاتفرق عن سابقتها الا ببعض الاشخاص المحظوظين الذين بدلتهم الشفاعات والوساطات لدى المسؤولين في الحكم والبلاط.

* لقد كانت وزارة نور الدين وزارة انتقالية وبالاصح مؤقتة كانت وظيفتها متجه الى تامين الامن والقضاء على الثورة ثم استحدثت لها مهمة جديدة وهي اجراء انتخاب المجلس ولما تم لها اعتبرت وزارة منهية ضمن عملها فاشير عليها بالتخلي فلم تنصاع (تنصع) لهذه الاشارة.

* وقبل في ذلك الوقت ان نصيحة بعدم الانصياع كانت تأتي من قبل وزير المالية علي محمود الشيخ علي الذي اراد ان ينتقم من الحكم القائم المسخر في العراق باي شكل من الاشكال وذلك بايجاد عراقيل وصعوبات تلفت الانظار الا ان الظروف على ما يظهر لم تكن مواتية للجنرال والى من يلقي عليه النصح والارشاد فافهم رئيس الوزراء بالقلم العريض انه يجب ان يستقبل فاستقال بعد مواربة بسيطة ومكافاة على انصياعه للارشاد بالاستقالة عين عضوا في مجلس الاعيان.

ملاحظة:

اذا كان مجرى البحث عن وجوه عراقية قد تضمن بعض الضرورة لذكر جميع رؤساء الوزارات العراقية فقد اصبح من الضروري اكمالا للبحث والترتيب التسلسلي ذكر نور الدين محمود بين تلك الوجوه لانه حاز على رئاسة الوزارة في ظروف معلومة لابصفته احد رجال السياسة بل بصفته احد القواد الذين عهد اليهم باخماد الثورة ولذلك ليس في وسعي ان اطيل البحث عنه لان تاريخه السياسي لم يحتو على شيء يستحق البحث والتنقيب.