على غرار تجربة غاندي في الهند..حزب بأسم (المؤتمر الوطني) في العراق سنة 1956

على غرار تجربة غاندي في الهند..حزب بأسم (المؤتمر الوطني) في العراق سنة 1956

آية جميل عباس

كلف نوري السعيد بتأليف وزارته الثانية عشر في 3آب عام 1954- 17 كانون الأول 1955 ووافق على تأليفها ولكن بشروط مسبقة، وكان من أبرزها حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة، وبالفعل حصلت الموافقة على شروطه وألفت وزارته الثانية عشرة، وكان أول عمل قام به نوري السعيد استصدر إرادة ملكية بحل المجلس النيابي، وقد كان حسين جميل نائبا في المجلس عن مدينة بغداد، كان لهذا المجلس أهمية تاريخية وذلك لكونه آخر مجلس نيابي ضم نواب معارضين للحكم .

اتبع نوري السعيد في سياسته الداخلية سياسية عرفت بإصدار المراسيم، إذ قام بإصدار العديد من المراسيم التي استهدفت الحركة الوطنية، استنكر الحزب الوطني الديمقراطي السياسة التي انتهجها نوري السعيد، إذ اصدر الحزب الوطني الديمقراطي بيانا مسهبا يصف فيه المراسيم بأنها أفظع ما قامت به أية حكومة، ليس في العراق فحسب، بل في العالم أجمع، لا لأنها تخالف المبادئ الديمقراطية وتخرق المبادئ الدستورية فحسب، بل، لأنها ضربت عرض الحائط بواحد من الحقوق الطبيعية المقدسة وهو حق المواطنة، وقد طالب الحزب بإلغاء المراسيم، وإحلال وضع يبعث الطمأنينة ويهيئ جوا صالحا بعيدا عن التحدي والاستفزاز للعمل على تحقيق الإصلاحات الكثيرة التي تحتاج إليها البلاد.

ونتيجة لموقف الحزب المعارض لسياسة نوري السعيد، أصدرت الحكومة أمرا بحل الحزب الوطني الديمقراطي، وتعطيل جريدته في 2أيلول عام1954، واستندت الحكومة إلى أن الحزب المذكور يعمل على الإخلال بالأمن والنظام، ويعمل على استغلال الناس البسطاء لإثارة الشغب، وصدر بيان رسمي بسحب إجازة الحزب الوطني الديمقراطي، وأثناء تلك الفترة عطلت الأحزاب السياسية وأغلقت صحافتها فإنتهت بذلك الحياة الحزبية العلنية، ولم يسمح بإجازتها حتى نهاية العهد الملكي.

احتج الحزب الوطني على قرار سحب إجازته في مذكرة مطولة قدمت الى رئيس الوزراء في 15أيلول عام 1954، عد الحزب قرار أبطال رخصته قرارا مخالفا لقانون الجمعيات وأحكام الدستور، وطالب أعضاء الحزب بإلغاء هذا القرار، ففي7تشرين الأول عام 1954، قدم كل من حسين جميل، وكامل الجادرجي، ومحمد حديد، وجعفر البدر، وعواد علي النجم، وعبد المجيد الونداوي، طلبا لتأسيس الحزب الوطني الديمقراطي من جديد، أجرت السلطات التحقيقات اللازمة من الجهات المسؤولة، وكان الرد على طلبهم أن الأسباب التي دعت الى إغلاق الحزب وصحيفته لا تزال قائمة، وردت وزارة الداخلية الطلب في23تشرين الأول عام 1954،ثم قدمت الهيئة المؤسسة طلبا تمييزيا من أجل نقض قرار وزير الداخلية عندما وجدت الهيئة المؤسسة ان قرار وزير الداخلية يعد مخالفا لمرسوم الجمعيات والقانون الأساسي، ولكن تم ردً الطلب هو الآخر.

قدم قادة الحزب الوطني الديمقراطي عدد من المذكرات مع قادة حزب الاستقلال، إذ تم توحيد جهودهما ونشاطهما السياسي في تلك المدة، و قدمت مذكرات مشتركة بين قيادات الحزبين احتجاجا على السياسة التي انتهجها نوري السعيد.

وبعد أن أغلق السبيل أمام العمل السياسي العلني، وإغلاق الحزب الوطني الديمقراطي، وبقية الأحزاب الأخرى، لم يبق القيام بنشاطات سياسية حثيثة عدا تقديم المذكرات، فضلا عن سياسية المراسيم التي انتهجتها هذه الحكومة، ظهرت فكرة توحيد العمل السياسي بين الأحزاب، لاسيما بعد تعطيل العمل السياسي أثناء تلك المدة(، ظهرت محاولة لتأليف تكتل سياسي، وفي إطار هذه المساعي عقد اجتماع في 3 شباط عام1956، ضم فضلا عن حسين جميل كل من كامل الجادرجي، ومحمد حديد عن حزب الوطني الديمقراطي، وعن حزب الاستقلال وحضر محمد مهدي كبة، ومحمد صديق شنشل، ولم يحضر فائق السامرائي لسفره خارج العراق، وحضر ايضا حكمت سليمان من المستقلين، واتفقوا على منهاج لهذا التكتل يقوم على احترام القانون الأساسي ومعارضة كل ما يخالفه نصا وروحا، ولاسيما المراسيم التي أصدرتها حكومة نوري السعيد الثانية عشر، منها تعطيل الصحف، وإسقاط الجنسية العراقية وغيرها من القوانين.

استمرت الاجتماعات بين قادة الأحزاب الوطنية، وقد جرت عدد من المباحثات بين كل من كامل الجادرجي، ومحمد حديد، وحسين جميل لإيجاد منفذ للعمل السياسي في الوضع القائم وقتذاك، لاسيما بعد تعطيل الأحزاب، وإغلاق الصحف الحزبية والمعارضة المستقلة، وبرزت فكرة تأليف تنظيم سياسي من الأحزاب التي ألغيت إجازتها، أو من بعضها على الأقل، على غرار حزب المؤتمر الوطني الهندي، إذ كان الحزب الوطني الديمقراطي شديد الإعجاب بحزب المؤتمر الوطني الهندي، وذكر حسين جميل ان الحزب الوطني الديمقراطي يتفق مع حزب المؤتمر الوطني الهندي في ثلاثة أمور رئـيســه، الأول: الرغبة في تحقيق الاستقلال التام، والثاني: العمل من اجل بناء الديمقراطية، والثالث: الإيمان بسياسة الكفاح السلمي ضد السلطة التي جاء بها غاندي.

ثم بعد ذلك فاتحوا قادة حزب الاستقلال بهذه الفكرة، وقد رحب بها قادة حزب الاستقلال، لذا عقد اجتماع لقادة الحزبين، لوضع المنهج السياسي للتنظيم الذي أطلق عليه حزب المؤتمر الوطني .

توجه في 16حزيران عام1956، كل من حسين جميل، وفائق السامرائي، إلى وزارة الداخلية العراقية وقدما طلب الهيئة المؤسسة لتأسيس حزب سياسي باسم حزب المؤتمر الوطني وقد ضمت الهيئة المؤسسة ايضا، كامل الجادرجي، ومحمد حديد، وجعفر البدر، وهديب الحاج حمود من الحزب الوطني الديمقراطي، ومحمد مهدي كبة، وفائق السامرائي، ومحمد صديق شنشل، ومحمد امين الرحماني، وعبد الشهيد الياسري من حزب الاستقلال.

وبعد ذلك قامت وزارة الداخلية بإحالة الطلب للجهات الأمنية وذلك من أجل التحقيق من شخصيات مقدمي الطلب، وقد أشارت المعلومات الأمنية التي تضمنها كتاب مديرية شرطة بغداد في 7تموز عام1956 إن حسين جميل متعاطف مع الحركات اليسارية، وكذلك إتحاد الطلبة، فضلا عن نشره المؤلفات والكراسات السرية، التي تخدم أغراض تلك المنظمات الهدامة، وتحرض ضد الدولة، وأنه قد استغل منصبه نقيبا للمحامين في زج النقابة في المعارضة السياسية، واتخاذ مواقف معاديا ضد الحكومة، و أتهم أيضا محمد مهدي كبة أنه قام أثناء رئاسته لحزب الاستقلال باتخاذه مواقف لا تخدم المصلحة العامة، وكان يحاول استغلال الشعور القومي لدى المواطنين لتوجيهها ضد الوضع القائم وقتذاك، وقد إتهم كامل الجادرجي في تحريض الشعب، وتأجيج شعورهم ضد النظام، وخلق روح التمرد، وكما وصف التقرير محمد حديد على أنه من المتعاطفين مع الحركات اليسارية، و التعاطف مع اليهود، أما فائق السامرائي فعده من دعاة سياسة العنف لتحقيق أهداف حزب الاستقلال، ووصف محمد صديق شنشل بأنه من أبرز المعارضين من حزب الاستقلال لسياسة الحكومة، وعلى أساس هذه المعلومات ردت وزارة الداخلية الطلب في 9تموز عام 1956، وقد رفض وزير الداخلية سعيد قزاز في مؤتمره الصحفي بتاريخ 9تموز عام1956، طلب تأسيس الحزب، لكونه لا يخدم مصالح العراق وأهدافه الوطنية، و اتهام منهاج الحزب بعدم تطبيق أحكام الدستور، وأن المادة السادسة منه التي نصت على أن حزب المؤتمر الوطني يعمل على تعزيز التعاون بين كافة المواطنين، وذلك باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعد الأكراد والعرب شركاء في الوطن ويدعو الى احترام حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية، اعتقد سعيد القزاز بأنها تعمل على تمزيق العناصر التي يتألف منها الشعب وإنها ايضا تعمل على إشاعة روح الكراهية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد.

عن رسالة :حسين جميل ودوره السياسي في العراق1954-1968