لمحات من حياة شهيد الحركة الوطنية توفيق منير

لمحات من حياة شهيد الحركة الوطنية توفيق منير

رفعة عبد الرزاق محمد

لا ريب ان توفيق منير شهيد الحركة الوطنية في العراق ، وهو السياسي والمحامي والكاتب .. والمناضل الصلب ، أهل لأن يكون موضوع دراسة جامعية متكاملة يتولاها طلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية ، لما تضمه سيرته من مواقف كثيرة جديرة بالبحث والتحقيق . لقد كان توفيق منير منذ ان ولج الحياة العامة موضع تقدير وحفاوة شرائح المجتمع العراقي جميعا .

حدثني الراحل المحامي هشام مالك الفتيان الذي يمت بصلة لاسرة توفيق منير وأسر مدينة عانة ،عن الفقيد توفيق منير الذي ولد في أسرة عرفت بالنباهة والعلم والوجاهة والاعتدال في مدينة عانة ، وهي المدينة العراقية في اعالي الفرات المعروفة بمزاياها العديدة ومنها انجابها العدد الكبير من الشخصيات التي لعبت ادوارا فاعلة في تاريخنا الحديث . فهو توفيق منير عبد الحميد بن حسين بن عبد السلام العاني ، وكانت لاسرته زعامة محلة الحوش في بلدة عانة ، وكان عمه الحاج شريف ( ابو المحامي عزيز والمحامي عبد الرحيم والطبيب حمدي والطبيب حكيم)المرجع الديني الكبير في عانه وامام وخطيب جامع عانه الكبير واشهر الشخصيات الاجتماعية منذ العهد العثماني ، وهو ايضا والد زوجة الاستاذ توفيق منير .
تخرج توفيق منير في دار المعلمين الابتدائية وعين معلما في مدينته فاكمل الثانوية، ثم دخل كلية الحقوق وتخرج فيها فمارس المحاماة وليشتهر امره بين الناس لجنوحه الى مساعدة المظلومين او من وقعت عليه مظالم السلطة . وفي منتصف الثلاثينيات ولج العمل السياسي العام بدخوله جمعية الجوال ثم انسحب منها لبدء ظهور ميوله اليسارية . ولا شك ان كان متأثرا بابن عمه الاستاذ عزيز شريف الشخصية السياسية الكبيرة ، وبلغ هذا الاعجاب ان اصبح توفيق منير من مؤسسي حزب الشعب الذي نهد عزيز شريف لتأسيسه عند اعادة الحياة الحزبية سنة 1946 ، وقد اصبح منير من اعمدة الحزب وكتاب جريدته ( الوطن ) . وليشارك ابن عمه مرة اخرى بتأسيس حركة السلم في العراق ، وكان كتابه الشهير ( حركة السلم على حقيقتها ) موضع تقدير الجهات السياسية الوطنية ، غير ان السلط يومذاك (1954 ) اعتبرته كتابا شيوعيا تحريضيا فقدم مؤلفه للمحاكمة وحكم عليه بالسجن سنتين. وفي السنة التالية قررت السلطة اسقاط الجنسية بعد اكتشاف نشاطه وهو في السجن ، فابعد الى الحدود العراقية التركية الا انه تمكن من العودة منزوع الجنسية!
بعد ثورة 14 تموز 1958استمر بعمله الصحفي مع كونه احد ابرز الشخصيات السياسية اليسارية واحد اركان حركة السلم العالمي ، لكنه في الوقت نفسه كان يتوق لاعادة الحياة النيابية الى الحياة السياسية لايمانه العميق بجدوى ذلك ، وكان قد رشح لانتخابات سنة 1954 عن الجبهة الوطنية ولم يستطه الوصول الى كرسي النيابة على النحو المعروف في تاريخ الحياة النيابية في العراق .
وفي انقلاب 8 شباط الاسود كان من المقاومين للانقلاب ، ثم حوصر في بيته في الوزيرية وتمكن الحرس القومي من التسلل الى بيته وقتله بدم بارد .
حركة انصار السلام
ذكر الدكتور سيف القيسي في كتابه عن الحزب الشيوعي :
أن ما خلفته الحرب العالمية الثانية من قتل الملايين من البشر وتدمير البنية التحتية لكثير من دول العالم ومدنها، دفع المثقفين لعقد مؤتمر للسلام، أملاً في منع تكرار التجربة المفجعة وجرت محاولات لعقد المؤتمر في باريس عام 1949، لكن السلطات الفرنسية منعت وفود الكتلة الشرقية من دخول البلاد، فتقرر عقده في براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا، كما عقد المؤتمر الثاني في وارشو عاصمة بولندا في تشرين الثاني 1950، وفي هذا المؤتمر تألف «مجلس السلم العالمي»، ويبدو أن تلك المؤتمرات أخذت طابعاً مناهضاً للغرب، ولاسيما أن الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية قد أشتدت، ولهذا فمن الطبيعي ان تلاقي هذه المنظمة معارضة في العراق باعتبارها شيوعية.
لقد أنشئت حركة أنصار السلام في العراق مطلع العام 1950 وتشكلت في بغداد أواسط حزيران برئاسة الشاعر محمد مهدي الجواهري، وضمت بين أعضائها عدداً كبيراً من المثقفين وضمت أتجاهات مختلفة ، ومن أبرز أعضائها المحامي توفيق منير ، وأصدرت كراساً ضم أهدافها ونفت تهمة انتمائها للحزب الشيوعي بل أكدت أنها حركة ديمقراطية لاحزبية، ولكن من خلال اللجان التي تشكلت في بعض الالوية العراقية ضمت من بين أعضائها شخصيات شيوعية، منهم بدر شاكر السياب وعامر عبدالله, وعطشان ضيول الازيرجاوي والدكتورة خالدة القيسي وكمال عمر نظمي.اعتبرت الدوائر الحكومية ان الكتاب الذي أعده توفيق منير بعنوان (حركة انصار السلام)أنه كتاب شيوعي وعلى هذا الاساس حكمت محكمة جزاء بغداد، بتاريخ 2/11/1954، بالحبس الشديد مدة سنتين،ووضعته تحت مراقبة الشرطة مدة سنة، واسقطت عنه الجنسية العراقية بتاريخ 3/10/1955.
حزب الشعب :
ذكر الدكتور عمار عكار التميمي في كتابه عن عزيز شريف :
تعود المحاولات الأولى لتأليف حزب الشعب ، إلى ما قبل عودة الحياة الحزبية في ( 2 نيسان 1946) ، إذ ابتدأ حزب الشعب نشاطه السياسي بشكل سري عام 1942 ، عندما كان عمله مقتصراً على توزيع المنشورات التي تكتب باليد ، وعن تلك المنشورات قال عزيز شريف « كان الحزب يشرح في هذه المنشورات أسس الوطنية ، وتعيين أنواعها ، وربط مفهوم الحرية والديمقراطية بالمفهوم الاقتصادي» ، وبعد الخطاب الذي ألقاه نائب الوصي الأمير زيد، في مجلس الأمة في ( الأول من كانون الأول 1943) ، والذي دعا فيه إلى تشجيع تأليف الأحزاب السياسية التي تنتهج في سيرها على مناهج إنشائية تستهدف رفع المستوى الاجتماعي والصناعي والزراعي ، والتربية السياسية الراسخة ، لتأمين حياة نيابية صحيحة أسوة بالعالم الديمقراطي .
تقدّم عدد من المحامين من ذوي الأفكار الاشتراكية الماركسية ، بطلب إلى وزارة الداخلية في (27 كانون الأول 1943) لإجازة حزب الشعب ، والمحامون هم كل من : يحيى قاسم ، وعبد الرحيم شريف ، وتوفيق منير ، وعبد الأمير أبو تراب، ومحمد صالح السيد ويوسف جواد العماري ، وإبراهيم الخضيري وإبراهيم الدركزلي .
بقيت وزارة نوري السعيد الثامنة تماطل في إجازة حزب الشعب طول مدة حكمها ، فقدّم يحيى قاسم طلباً إلى وزارة الداخلية في عهد وزارة حمدي الباجه جي الثانية ، لإصدار صحيفة يومية سياسية باسم « الشعب « ، وقد أُجيزت هذه الصحيفة وصدر العدد الأول منها في (3 أيلول 1944) ، وكتب عليها عبارة «يتولى تحريرها نخبة من الشباب الوطني « ، إلاّ أن سرعان ما نشب الخلاف بين يحيى قاسم والهيئة المؤسسة لحزب الشعب ، مما أدى إلى انفراده بالصحيفة وانسحابه من الهيئة المؤسسة لحزب الشعب في (12 تشرين الأول 1944) .
في الواقع هناك كثيراً من الدلائل التي تشير إلى ان أعادة محاولة تأليف حزب الشعب، هي من بنات أفكار يوسف سلمان يوسف (فهد)، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ، الذي كان يرغب في تأمين قاعدة حزبية لخروج أتباعه إلى العلن ، وذكر مالك سيف، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كان من مقررات الكونغرس الأول للحزب الشيوعي المنعقد في ( آذار 1944 ) ، أن يعمل الحزب على إخراج حزب علني يتصل به ، ويكون وسيلة لنشر مفاهيم الحزب الشيوعي ونشاطه السياسي وقد اتصل حسين الشبيبي وزكي بسيم ، بالمحامين توفيق منير، وعبد الأمير أبو تراب، وعبد الرحيم شريف ، من أجل حثهم على طلب تأليف حزب الشعب ، في(27 نيسان 1944)، كما دعا (فهد) الوطنيين المخلصين جميعهم إلى مساعدة الحركة الحزبية ، وأن ينضموا إلى المحامين الذين طالبوا بتأليف حزب الشعب .
عقد الحزب مؤتمره الأول في قاعة سينما روكسي، صباح يوم الجمعة (26 نيسان 1946) ، بحضور الهيئة العامة ، وفي ختام المؤتمر تم انتخاب رئيس الحزب وأعضاء اللجنة المركزية ، ففاز عزيز شريف بالرئاسة بإجماع الأصوات ، وفاز بعضوية اللجنة المركزية كل من : المحامي توفيق منير، وعباس بلال ، وحميد هندي ـ رئيس نقابة عمال الميكانيك ، وكمال عمر نظمي ، وعبد الرحيم شريف ، وعبد الملك عبد اللطيف نوري ، و حسين الشطري . ولم تكن علاقة الأحزاب التقدمية أو اليسارية إن صحَّ التعبير جيدة مع السلطة ، فقد قامت الشرطة يوم (25 أيلول 1947)، بمداهمة حزبي الشعب والاتحاد الوطني ، بحجة أنهما يخلاّن بالأمن ، وأصدر مدير الدعاية العامة بياناً في ( 29 أيلول 1947) ، بسحب إجازة الحزبين مدعياً أنهما يستمدان بعض نفقاتهما من جهات مجهولة .