سيد القمني.. رحل الكاتب ويبقى الجدل

سيد القمني.. رحل الكاتب ويبقى الجدل

محمد شعير

غيب الموت الكاتب المصري سيد القمني (1947-2022) ، إثر أزمة قلبية، بعد حياة حافلة بالصخب، والجدل، والمعارك وإثارة الأسئلة بسبب انتقاده التراث الديني ومطالبته بالتجديد، ورحلة فكرية تميزت بمواجهات حادة مع الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية من جهة، وتيارات الإسلام السياسي من جهة أخرى، وأسفرت عن 30 كتاباً ومئات الأبحاث والمقالات.

لم يكن القمني الأول في قائمة منتقدي التراث والفكر الديني والمطالبين بالتجديد، لكنه يختلف عمن سبقوه في أنه اختار الاشتباك مستخدما ما سماه أسلوب “الصدمة”، ما جعل بعض منتقديه يعتبرونه باحثاً عن الإثارة وليس الفكر الجاد، واتهمه معارضوه بأنه لم يكن أميناً على المنهج العلمي والبحثي بقدر اهتمامه بإثارة الجدل من حوله.

نكسة حزيران

ولد القمني في محافظة بنى سويف (جنوب القاهرة) لأب أزهري كان محباً للشيخ محمد عبده، وكانت نكسة يونيو 1967 التي وقعت عندما عندما كان طالباً بجامعة عين شمس يدرس الفلسفة، نقطة حاسمة في حياته، حسب قوله.

قال القمني في حوار مع موقع “إيلاف” عام 2004: “أنا ابن الهزيمة، كانت نقطة فاصلة في فكري وحياتي ودافعاً للبحث عن أسبابها، فانصرفت عن قراءة الإبداع كالروايات العالمية أو المسرح أو القصص أو الشعر، وبدأت قراءة البحوث العلمية والفكرية خاصة ما يتعلق منها بالأديان، وانكببت بالذات على مكتبة الدين الإسلامي الهائلة من علوم أصول إلى الفقه إلى الفلسفات إلى علم الكلام إلى علوم القرآن عند مختلف الفرق، لكنني لم أضع بحسباني أن أكون كاتباً مشاركاً إلا متأخراً في عام 1985».

بعد تخرجه عام 1969 سافر إلى الكويت للعمل مدرساً، واقترب من الدكتور فؤاد زكريا الذي رشحه لاستكمال دراسته في الجامعة اليسوعية في بيروت، ثم جامعة كاليفورنيا حيث قدم دراسته عن “أثر الأحداث السياسية والاجتماعية في نشوء عقيدة الخلود الفرعونية وتطورها”، لكن كثيرين يشككون في صحة حصوله على درجة الدكتوراة ويتهمونه بتزييف ذلك.

مذهب جديد

وتوالت أبحاثه ودراساته التي أثارت الكثير من الجدل، وقال إنه كان يهدف منها إلى “محاولة فهم جديد للتراث الإسلامي وليس للدين الإسلامي، حتى لا يكون فهم التراث متوقفاً دون تجديد عند ألف عام مضت، وليتمكن المسلمون من اللحاق بالعالم المتقدم”، واعتبر أن “هناك حاجة ملحة لظهور مذهب جديد يتلاءم مع ظروف اليوم، بعد مضى نحو ألف عام على ظهور آخر مذهب».

إعادة قراءة السيرة النبوية

وفي رباعيته المثيرة للجدل والتي بدأت بكتابه “الحزب الهاشمي”، و”حروب دولة الرسول”، و”الدولة المحمدية”، و”النسخ في الوحي”، حاول القمني أن يقدم قراءة اجتماعية سياسية للسيرة النبوية، ووصف كتبه الأربعة بأنها “ليست في الدين ولا في أي من علومه، إنما هي محاولة استكشافية للحكمة الإلهية على أرض الحجاز، وكيف هيأت تلك الحكمة الواقع لتقبل الدعوة”، بحسب تصريحاته الصحافية وقتها، مضيفاً: “لا أنا مفسر ولا مفتي، إنما باحث يستخدم المنهج العلمي بخطواته الدقيقة لقراءة واقع أرضى، بعد أن تحدثوا كلهم في الغيب السماوي».

نقد التراث

القمني أعلن في مناسبات عديدة وعبر الإعلام، أنه لا ينقد الدين، بل التراث البشري الذي يقرأ النصوص الدينية، ومن تصريحاته: “كان التراث الإسلامي عندي هو محل النقد والتفنيد والدرس وليس الإسلام كدين».

واعتبر أن انتقاده من المؤسسات الدينية الرسمية، بسبب أن “كتاباته تسحب عنهم القدسية وتسقط عنهم الوجاهة الاجتماعية والسيادة، ولذلك يريدون اغتيال الكلام المختلف، حتى لا نعود نميز بين الصواب والخطأ».

وأضاف: “لو كان كلامي خطأ فلماذا لا يتركونه ليثبت صوابهم وسلامة موقفهم أمام الناس؟ أم أنهم يعلمون صوابه وأنه يكشفهم أمام المسلمين المخدوعين فيهم، لذلك يحرمونه ويكفرونه حتى يصرفوا الناس عن معرفته؟».

اعتزال الكتابة

الجدل تصاعد بعد أن أصدر القمني كتابه “رب هذا الزمان” عام 1996، فطالب مجمع البحوث الإسلامية بمصادرته، وتم التحقيق معه بسبب ما تضمنه الكتاب من أفكار.وفي عام 2005، قال القمني إنه تلقى تهديدات بالقتل من “تنظيم القاعدة”، وأرسل رسالة إلى صحيفة “روز اليوسف” أعلن فيها اعتزاله الكتابة حفاظاً على حياته وأسرته، لكن صحة هذه التهديدات ظلت محل جدل وتشكيك هي الأخرى ككثير من المحطات في حياة القمني.

دعوى لسحب جائزة الدولة

المعارك بين الأزهر والقمني كانت كثيرة، لكن أبرزها كان عام 2009 حين حصل القمني على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، لكن أحد شخصيات جماعات الإسلام السياسي، يوسف البدري، والقيادي السابق بجماعة الإخوان المحامي ثروت الخرباوي، أقاما دعوى قضائية أيدها الأزهر ضد وزارة الثقافة طالبا فيها بسحب الجائزة، واتهما القمني بـ”إهانة الإسلام”، وهي الدعوى التي حظيت بدعم أعضاء الإخوان في البرلمان وخارجه وقتها، لكن محكمة القضاء الإداري رفضتها عام 2012 ليبقى سيد القمني حاملاً للجائزة.

الأزهر: تحريف وطعن

قبل صدور حكم المحكمة برفض الدعوي، كان مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر والذي يرأسه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أصدر تقريراً مفصلاً عن مجموع كتب القمني، والدكتور حسن حنفي، الذي كانت الدعوى تطالب بسحب الجائزة منه أيضاً، اعتبر فيه أن أغلب كتبهما غير صالحة للنشر والتداول.وهاجم التقرير كتابات القمني ووصف فكره بأنه “شاذ” واتهمه بأنه “لا يستحق التكريم بجائزة الدولة، وإنما يستحق التجريم على فكره العقيم وافتراءاته في حق الإسلام».

ورأي المجمع في تقريره المتعلق بالقمني، أن 12 كتاباً من كتبه غير صالحة للنشر والتداول، بسبب ما فيها من ادعاء وطعن وتحريف وتكذيب فى حق الصحابة وأمهات المسلمين والعلماء والفقهاء، والثوابت الإسلامية.وأمام الاتهامات المتكررة بالخروج عن الإسلام، ظهر القمني في تصريحات تلفزيونية ليعلن أنه مسلم، إذ قال: “حمدت الله أنه منّ على بالميلاد مسلماً، ثم منّ على ثانية بأن منحنى عقلاً باحثاً منقباً بين الأديان، لأختار الإسلام عن قناعة ورضى».

ورغم اعتزاله الكتابة، واصل القمني إثارة الجدل بتصريحات صحافية وتلفزيونية، بينها اتهامات شديدة اللهجة وجهها لمشيخة الأزهر عام 2016، واعتبر فيها أن المشيخة “ترعى أفكاراً متشددة وتدعم الإرهاب”، وهو ما أثار غضباً كبيراً بين أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الذين دعوا إلى مقاضاته واعتبروا تصريحاته “افتراءات ودعاوى باطلة ولا أساس لها من الصحة».

عن المصري اليوم