أخطر كتاب  : المعركة من أجل يوليسيس  جيمس جويس

أخطر كتاب : المعركة من أجل يوليسيس جيمس جويس

ترجمة / عادل العامل *

لم يكن جيمس جويس إلا بالكاد في وضع يساعده على البدء برواية جديدة، رواية أقل طموحاً من (يوليسيس) بكثير، خلال أحداث1915 الدراماتيكية المرتبطة بالحرب العالمية الأولى، في مدينة تريَست، التي كان يقيم فيها. فقد كان عاطلاً عن العمل، بعد أن أُغلقت المدرسة التي كان يدرّس فيها، وجاثماً على حافة جبهة القتال مع زوجة وطفلين، وفقيراً كما كانت حاله أبداً.

و لم تكن روايته (صورة الفنان شاباً) منشورة آنذاك، وكات (أهل دبلن Dubliners) قد ظهرت في المكتبات قبل أسبوعين فقط من اغتيال الأرشيدوق فرانز فيرديناند، الذي أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى. ولم يكن قد بيع من هذه الرواية إلا القليل جداً، كما جاء في مقال كيفين بيرمينغهام، المقتبس من كتابه (أخطر كتاب: المعركة من أجل يوليسيس جويس) الصادر في حزيرانً 2014 عن دار بينجوين.

و كانت (يوليسيس) في الأصل فكرة لقصة قصيرة ترتبط بروايته (أهل دبلن). فكان ألفريد هـ هنتر Alfred H Hunter يمثّل لديه بطلاً لحرب طروادة، بطل ملحمة هوميروس العظمى، ملك إيثاكا، يوليسيس. و كانت معادلة”هنتر ــ يوليسيس”هذه ملائمة بشكل جيد لقصة قصيرة لكن الفكرة كانت قد كبرت في عقل جويس.

وكان جويس قد بدأ في عام 1914 بتجميع فِكره، ورسم خارطة لأحداث حكاية الأوديسة القديمة حتى دبلن: كان الدفن في مقبرة غلاسنيفن هبوطاً في الجحيم Hades ، وكانت شقة صديقه بيرن في شارع أيسل هي قصر يوليسيس في إيثاكا. واتخذ ليوليسيس اسم ليوبولد بلوم، ولابن يوليسيس، تيليماشوس، اسم ستيفن ديدالوس. وكان ستيفن هذا ابناً لأبٍ مفقود، وبلوم أباً يجد طريقاً له للعودة إلى ابنه. و كانت زوجته، مولي، هي بينيلوب، المنتظرة بصبرٍ عودة زوجها من حرب طروادة.

كانت فكرة الملحمة تبدو، عند أوائل القرن العشرين، عتيقة الطراز. و كانت الأوديسة تمثّل جوهر الحضارة المتماسكة، وإذا ما كانت الحرب تعبّر عن أي شيء فهو أن أوروبا كانت متجزئة. وأوديسة آيرلندية ستكون ملحمةً ساخرة، حكاية تستشهد بمقارنات كلاسيكية لتهزأ مما أصبحت الحضارة عليه. و كانت هناك، بالنسبة لجويس، إثارية thrill ماكرة في إعادة تصور المسرح الملحمي على أنه دبلن المزرية القذرة آنذاك. و لم يكن يوليسيس دبلن ملكاً بل مطوِّفاً canvasser لجريدة، و هو يعود إلى البيت لا ليجد ملكةً وفية وإنما زوجة احتالت عليه مبكراً في ذلك الصباح. وكانت رؤية حياة ليوبولد بلوم من خلال مغامرات يوليسيس هي النظر إلى القرن العشرين عَبر مرآة القِدَم المتصدعة.

غير أن الجانب الآخر من إثارية جويس هو تحويل البيئة اليومية للمدينة الحديثة. فراح جويس ينسل عَبر قرونٍ من الدنيوي أو الأرضي إلى الأسطوري وبالعكس. وفكّر لسنين بومضة تجلّي epiphany كلحظةٍ تكشف عن”روح الشيء الأكثر شيوعاً”، وفقاً لتعبير ستيفن ديدالوس. لكن ستيفن يخبرنا، في (يوليسيس)، أن”لحظة التخيّل الكثيفة”هي تبصّر عَبر الزمن وفيه.”و هكذا في المستقبل، أخِ الماضي، يمكن أن أرى نفسي و أنا أجلس هنا الآن لكن بواسطة الانعكاس من ذلك الذي سأكونه آنذاك”. فكل شيء نكونه، كل شيء نفعله، يكتسب معناه الأكثر تحمّلاً في إدراكات متأخرة، ستكون نفسها علَفاً للحظاتٍ أبعد.

إن التجلّي يتعلق بالمستقبل. واستطاع جويس أن يرى نفسه شاباً في دبلن الآن و القنابل تتساقط حول تريَست. هكذا الحال مع الحضارات وهي تروي قصصها. وكان بوسع دبلن، وهي على عتبة القرن العشرين، أن تنظر إلى الوراء لترى نفسها على المسرح الهوميري أخيراً.

ومع هذا أضاف جويس مستوى آخر من التعقيد ــ شيئاً ما صهر النُظُم المتباينة للأهمية في العالم الحديث. فبدلاً من ملحمة تنتشر على مدى سنين، فإن (يوليسيس) هذه ستحدث في يوم واحد. و في القرن الحادي والعشرين تبدو الرواية الـدورية circadian طبيعية. فنحن معتادون على تكتكات التقارير النابضة بالحياة. وتغذيات المعلومات الآنية على الأنترنت، وتحديثات الأوضاع، و أخبار الـ 24 ساعة التي تزودنا جميعها بإدراك أن الأحداث العالمية تدور في أيام مفردة. مع أنه في عام 1915 كانت فكرة أن يكون يوم واحد إطاراً زمنياً ملائماً لرواية متطاولة أمراً غريباً. لقد كان هناك كتاب قليلون كتبوا روايات من يوم واحد في السابق، لكن لم يكن أيٌّ منها بالحجم الذي تخيله جويس، أو كملحمة. و كان جويس يخطط لتحويل يوم واحد إلى وحدة كتابية من التعقيد المذهل حيث يكون الجزء الدوري هو الفترة كلها في الوقت نفسه. و سيكون يومٌ من حزيران في دبلن جُزيئاً ممثّلاً للحضارة الغربية.

عن / The Irish Times

* مترجم راحل المادة سبق ان نشرت في صحيفة المدى