الكاظمية توأم بغداد وفلذة من أفلاذها

الكاظمية توأم بغداد وفلذة من أفلاذها

د. حسين علي محفوظ

الكاظمية فهي توأم بغداد، وأخت بغداد، تجري معها، وتشترك في حوادثها، وتدور مع أحداثها.
ومنطقة الكاظمية التي يستقبل شاعر العرب (عبدالمحسن الكاظمي) زوارها الذين يدخلونها بسلام.. تختص باعلام من المشاهير في الدين والعلم والأدب والتاريخ والتراث والخلافة والسياسة.

منهم الامام موسى الكاظم، والامام محمد الجواد (وهما الكاظمان اللذان تنسب اليهما الكاظمية مدينة الكاظمين)، والامام احمد بن حنبل، وعبدالله بن احمد بن حنبل، وابو يوسف والاشعري، وبشر الحافي، ومنصور بن عمار من الائمة والعلماء ولاسيما مشهد الكاظمين وقبور الاولياء الثلاثة وفيها ايضاً قبر (زبيدة) و(الأمين).

ومن دفناء الكاظمية الزهري المدني، ويحيى الراوية بن الحسين بن زيد، وابراهيم المرتضى، وموسى ابو سبحة، والحامض النحوي، والزاهي وابن الجعابي، والناشي، وابن قولوية، وابن الحجاج، والمفيد، والشريف الرضيان – على قول – وجلال الدولة وابن افلح الشاعر، وابن الانباري، وابن حندون، وحيص بيص، وابن الاثير الكاتب المنشي، والوزير الشهير، وابن ابي الحديد اخو شارح نهج البلاغة وبعض اهل بيته، وعدة من أل ابي صفرة.

وهي تعتز برفات ألوف الاعلام امثالهم من الملوك والسلاطين والامراء والوزراء والادباء والكتاب والشعراء.

ومن دفناء منطقة الكاظمية الكبار ابن البواب الخطاط استاذ الكتبة والخطيب البغدادي مؤرخ بغداد الكبير، وابن الشبل الشاعر والعلاف، والجواليقي اللغوي، وابو الفرج ابن الجوزي المؤلف المؤرخ المكثر، وابن عبد الحق البغدادي الجغرافي واشباههم ونظائرهم وامثالهم من كبراء الدفناء منذ ثلاثة عشر قرناً.

ومن خصائص الكاظمية ومشهدها المبارك ان ارضها تحتوي اجداث افاضل الناس من اصحاب المذاهب على اختلاف الاراء والمشارب.

وقبر موسى بن جعفر – منذ القديم – من الامكنة المباركة والمشاهد المقدسة قال شيخ الحنابلة، ابو علي الخلال «ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله تعالى ما أحب» وقال الامام الشافعي «قبر موسى بن جعفر ترياق مجرب لاجابة الدعاء».

والكاظمية من مراكز العلم والأدب والدين واللغة والتراث – من قبل ومن بعد – خدم المعارف والعلوم والآداب فيها عشرات البيوتات العلمية ينيف المعروف منها على السبعين بيتاً وأسرة خرجت مئات العلماء والادباء والشعراء والمفكرين والمؤلفين.

ضم ثراها اجداثهم، واقل ترابها اولادهم واعقابهم، اضافة الى البيوتات والعشائر العربية المعرقة.

ومن مآثر الكاظمية شاعر العرب الشيخ عبدالمحسن الكاظمي النخعي الذي فارق العراق سنة 1897م، ودخل مصر سنة 1899م وتوفي هناك سنة 1935م وهو يشتاق العراق، ويحن الى العراق وهو الذي قال: (ما عنك يا أوطاننا بدل) و(وطني أنت كل ما أتمنى)، و(ألا خبر من ثنايا العراق)، و:

(يا أحبابي والمـــزار بعيد

قربوا للمحب ذاك المزارا)

(أيها القلب كم تحن الى الكر

خ وتهفو لساكني الزوراء)

و:

وقائلة سر نحو مصر تر المنى وأنت على كل البلاد أمير

فقلت لها والدمع مني مطلق

أسير وقلبي بالعراق أسير

وهو (شاعر العرب) الذي قال: (ليت الأنام جميعهم عرب) و(ليس بين الأنام كالعرب قوم) و(وليس سواكم أيها العرب لي فخر) و(أنتم خيرة الأمم) و:

أنما الشام والعراق ومصر

أخوات وان تفرقن حيناً

و:

يا أيها العرب الكرام ثقوا

أنتم لباب الناس أن نخلوا

كانت الكاظمية – طول تاريخها – مثابة، وهي مقصد الزوار قديماً وحديثاً.

ولأهميتها كان الخلفاء والحكام يستثنونها من بعض الاحكام التي كانت تفرض على بغداد وتلك مزية فائقة تختص بها هذه المدينة.

ومن مآثر الكاظمية القديمة التي يفخر بها التأريخ العراقي ويعتز أن الخليفة الناصر العباسي أرسل الشريف فخرالدين نقيب الكاظمية رسولاً عنه الى صلاح الدين الآيوبي في سنة 586 هجرية وهو يحمل هدية العراق وبغداد والخلافة بعد وقعة الرمل وفتح شقيف ارنون. وقد وصل رسول دار الخلافة نقيب المشهد الكاظمي بالنجدة والمعونة فتلقاه السلطان الآيوبي بالاحترام والاكرام وأحتفل بوصوله صلاح الدين وادناه بتعانقه ثم سار معه وأصحبه خواصه وأمراءه وقدم له الخطي (الرماح) وتوقيع بعشرين ألف دينار (أي حوالي000/100 غرام).

كما أرسل معه خمسة من الزراقين النفاطين المختصين بالحرب، المتقنين صناعة الاحراق بالنار (من رجال التصنيع العسكري) وقد استفاد جيش صلاح الدين من النفط ومن النفاطين المختصين. وتم وقوع النار في أبراج الفرنج الثلاثة في عكا واحترقت وسقطت وتلفت وكتب صلاح الدين الى ديوان الخلافة يبشره بالنصر والفتح. ولسان حال الكاظمية أبدا قول أبنها شاعر العرب «وطني أنت كل ما أتمنى».

ها هي ذي (الكاظمية) التي يستقبل شاعر العرب في (ساحة الكاظمي) زوارها الكرام من كل الجهات.

و(الحريم الطاهري) المنسوب الى طاهر بن الحسين الذي كان من عظماء «دولة بني العباس».

ولا يعلم أحد بلغ مبلغه فيها حديثاً ولا قديماً كما قال الحموي وكان أول منْ جعلها حريماً عبدالله بن طاهر بن الحسين، وكان أديباً شاعراً جواداً وكانت اليه الشرطة ببغداد، وهي اجل ما يلي يومئذ. وكان يلي خراسان والجبال وطبرستان والشام ومصر، وكان قصر ببغداد وهو الحريم، وكانت منازل آل طاهر في الحريم. وهو من مرافق شمالي بغداد المعروفة.

وكان في الحريم الطاهري رباط الحريم. من عمارات الخليفة الناصر لدين الله الذي أسسه سنة 589 هجرية وموضعه شمال قصر عبدالحسين الچلبي كما قال المرحوم مصطفى جواد وكان في الحريم دار الصنعاني العمري العدوي القريشي اللغوي الأديب المحدث النحوي الفقيه (577-650 هجرية) تولى أصحاب وزير بغداد تجهيزه ودفنه فقبر في داره بالحريم الطاهري في العطيفية اليوم بالقرب من شارع المحامين (زقاق64 محلة411 حي الزهراء).

وفي دار طاهر بن الحسين قبر المعتضد والمكتفي والمتقي من الخلفاء وقد نقل رفات هؤلاء على اثر الغرق في سنة 646 هجرية الى تربة العباسيين بمحلة الرصافة وذلك بعد أكثر من ثلاثة قرون من وفياتهم.

ولا أنسى أن الناصرة كان رتب طعاماً للصوفية ولغيرهم في رباطه بالحريم وكان يتردد الى الرباط فاذا لم يحضر يوماً من الأيام يحمل طعامه الى الصوفية.

وينسب الى الحريم كثير من العلماء والمشاهير.

وأما (الحربية) عند باب حرب ببغداد، فهي محلة كبيرة مشهورة تنسب الى حرب بن عبدالله احد قواد المنصور وكان يتولى شرطة بغداد وولي شرطة الموصل وقد قتل سنة147هجرية.

والحربية كالبلدة لها أسواق من كل شيء جميع وهي من محال بغداد الكبيرة المعروفة في خطط مدينة السلام.

وينسب الى الحربية طائفة من أهل العلم، منهم: ابراهيم بن اسحاق الحربي، الزاهد العالم النحوي اللغوي الفقيه المتوفى سنة 285 هجرية وهو صاحب التصانيف الكثيرة.و(باب التبن) محلة كبيرة على الخندق بازاء قطيعة أم جعفر وبها قبر عبدالله بن احمد بن حنبل دفن هناك بوصية منه وذاك لأنه قال «قد صح عندي ان بالقطيعة نبياً مدفوناً ولأن أكون في جوار نبي أحب الى من أن أكون في جوار أبي والمأثور المسموع المروى «أبن نبي» أي موسى بن جعفر الكاظم من أهل البيت وهو موضع مقابر قريش التي فيها قبر موسى الكاظم الذي كان يعرف قبره بأسم (مشهد باب التبن) و(المشهد) و(المشهد الكاظمي) و(مشهد موسى الكاظم) و(المشهد بمقابر قريش) ومقابر قريش بباب التبن و(مشهد موسى بن جعفر بالجانب الغربي) ألخ.

و(القطيعة) قطيعة أم جعفر، وهي زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم الأمين هي محلة كبيرة كانت عند باب التبن وفيها (الزبيدية) التي كان يسكنها خدام زبيدة أم جعفر.

كانت قطيعة أم جعفر زبيدة أعلى البلد ودونها الخندق والخندق الطاهري أو خندق الطاهرية نسبة الى طاهر قائد جيش المأمون واليه كذلك نسب الحريم القريب من هذا الخندق فقيل الحريم الطاهري.

كان الخندق الطاهري يقطع بين القطيعة وبين البناء المتصل بالمدينة من الغرب والشمال وكانت قطيعة الزبيدية في الاصل لجعفر بن المنصور ثم انتقلت فيما بعد الى زبيدة فسميت الزبيدية كما قال المرحوم مصطفى جواد.

وقد نسب الى القطيعة ابو عيسى الناقد وابو محمد القطيعي واخرون.

أنا ما زلت أسمي شاطيء دجلة تجاه شارع المحامين (زقاق64/موضع شارع158) في العطيفية بالربع (مشرعة الروايا) واعتز ان بيتنا الآن في أطرافها.

هذا وقد عقد بين مشرعة الروايا في الجانب الغربي ومشرعة الحطابين في الجانب الشرقي (الاعظمية) جسر في سنة 448 هجرية ثم عطل في سنة 450 هجرية وهو الجسر الذي كان بمشرعة القطانين من قبل ثم حول.

وجسر بغداد طرازها – كما كان يقولون – وقد كانوا يختارون أفضل الامكنة لعقده وقد قال في الجسر علي بن الفرج والمحسن التنوخي ما يستحسن من الكلام.

وكانت دجلة زاهية بالزوارق (السميريات المعبرانيات) وكانت عدتها في ايام الخليفة الناصر (30.000).

هنا وجه من وجوه تراث بغداد الذي تحمل ذكراه ساحة عبد المحسن الكاظمي في مدخل الكاظمية شمالي مدينة السلام بغداد.

أن (ساحة الكاظمي) التي يقف بها تمثال (شاعر العرب) المرحوم (الشيخ عبدالمحسن الكاظمي) هي فلذة من أفلاذ بغداد، وهي قطعة من أديم بغداد الجميل..

م. آفاق عربية 1988