من تاريخ الجمعيات النسوية في العراق

من تاريخ الجمعيات النسوية في العراق

زينب هاشم جريان

في الوقت الذي كانت فيه الحملة المناهضة لرفع مستوى المرأة في العراق الثقافي والاجتماعي وضمان حقوقها وحريتها تتصاعد باستمرار توسع إدراك المرأة بضرورة قيام جمعيات نسوية ذات طابع اجتماعي وثقافي، إذ أخذت المرأة العراقية طريقها، وعملت على تأسيس النوادي والجمعيات النسوية، بعد أن صدر ((قانون تأليف الجمعيات الحكومي المعدل ذي الرقم 27 لسنة 1922))، وأبرز الجمعيات النسوية التي كان لها دورٌ بارزٌ في ذلك هي:

نادي النهضة النسوي:

بدأت الحركة النسوية العراقية النشاط الاجتماعي العلني لأول مرة من خلال مجموعة من النساء المتعلمات في تأسيس أول نادٍ نسوي عراقي في 24 تشرين الثاني 1923 أطلق عليه اسم (نادي النهضة النسوي) ومقره في محلة الصابونجية في بغداد، تألفت هيئة النادي من أسماء الزهاوي شقيقة الشاعر جميل صدقي الزهاوي رئيسة للنادي والسيدة نعيمة السعيد نائبة للرئيسة والسيدة ماري عبد المسيح سكرتيرة والسيدة فخرية العسكري أمينة للصندوق وبعضوية كل من نعيمة سلطان حمودة وبولينا حسون.

أعلنت مؤسسات النادي أن الغاية التي يرمي اليها هي ((إرشاد النساء والفتيات إلى الشعور بهويتهن الحقيقية ومعرفة مركزهن السامي والاندفاع إلى التنوير والتهذيب لإصلاح أحوالهن الأدبية والاجتماعية، وحسن الأعمال التي يتطلبها منهن المعترك الإنساني...)). وأعلن سعيهن الحثيث إلى تكثير مدارس الإناث وترقية تعليمهن وتربيتهن ((وسيكافحن بكل قوة، العادات المستهجنة التي ترذلها الشرائع الآلهية والقوانين الاجتماعية، إذ أنها تنافي الفضيلة والشرف الحقيقي..)).

وعشية افتتاح نادي النهضة النسوي من قبل لفيف من رائدات النهضة النسوية كتبت ليلى تهنئ خطوتهن هذه وتشد على أيديهن قائلة: ((فإلى النهضة، أيتها السيدات والأوانس إلى النهضة من سبات الجمود والخمول أن المشروع مشروعكن، ولسعادتكن وسعادة من يلوذ بكن وبالنتيجة للوطن العزيز الذي ظل متأخراً حتى الآن في هذا الأمر الحيوي! أن المشروع عظيم إلا أن سبله مملوءة شوكاً ودغلاً، وما كانت العراقيات ليرجعن إلى الوراء بعد أن خطون هذه الخطوة الجبارة الأولى)).

وقد استبشر دعاة السفور بتأسيس النادي وعدوة نصراً لهم في معركتهم مع دعاة الحجاب، وعلى الرغم من أن النادي نأى بنفسه عن الدعوة للسفور وتأكيده مراراً بأن غاية النادي هي تهذيب عدد من اليتيمات وتسهيل اجتماع دعاة الرقي من النساء وتعليم الأميات القراءة والكتابة، إلا أنه لقي معارضة شديدة من قبل رجال الدين الذين اعتبروا إنشاءه أمراً مخالفاً للدين الإسلامي.

جمعية خريجات دار المعلمات:

بعد أن حصل التعليم النسوي على قدرٍ من التوسع تطلب ذلك تأسيس أول دار للمعلمات عام 1926 لسد حاجة المدارس من المعلمات، ومن شروط الدراسة فيها أن تكون الطالبة قد أكملت الدراسة الابتدائية، وبعد ذلك أسست دار المعلمات الابتدائية وكانت تستقبل خريجات المدارس المتوسطة، فتخرجت مجموعة مثقفة من النساء، أردن تقوية الروابط بين خريجات الدار من خلال تأسيس جمعية أطلق عليها تسمية (جمعية خريجات دار المعلمات) فقدمن طلباً إلى وزارة الداخلية للموافقة على تأسيس الجمعية، وحصلت موافقة الوزارة، فتشكلت الجمعية برئاسة خيرية نوري، وعضوية مارتا عشر ومديحة جميل وباكزة فائق المدرسات في المدرسة المركزية ومكية صالح ومديحة علي المدرسات في المدرسة الحيدرية، وفريدة نوري المدرسة في المدرسة البارودية.

سعت الجمعية إلى مساعدة الطالبات الفقيرات على مواصلة تعليمهن بتقديم المال والملابس، وتبنت

جمعية الهلال الأحمر العراقي (الفرع النسوي):

أسست جمعية الهلال الأحمر العراقي في بغداد عام 1932 برعاية الملك فيصل الأول، حين دعا أمين العاصمة أرشد العمري لتشكيلها لتكون على غرار جمعيات الصليب الأحمر الدولي.

قامت الجمعية بمساعدة منكوبي الفيضانات، وتنظيم المحاضرات التي تؤكد أهمية الاسعافات الأولية، وبعد النجاح الذي حققته الجمعية في مجال عملها، عمدت مجموعة من النسوة عام1933 إلى افتتاح فرع نسوي للجمعية برعاية الملكة حزيمة عقيلة الملك فيصل الأول، لم تكن للفرع النسوي إدارة خاصة أو كيان مستقل إنما كان مرتبطاً مع المركز العام للجمعية ويشارك في نشاطاتها، وفي العام 1945 قررت مجموعة من عضوات الفرع النسوي إنشاء فرع مستقل إدارياً ومالياً عن الجمعية وله منهاج خاص به، تألفت هيئة الجمعية من سعاد العمري وعلية سامي فتاح وصبيحة الشيخ أحمد الداود وأسماء منير عباس ونزهت عقراوي.

اعتمدت الجمعية في ميزانيتها على الاشتراك السنوي للعضوات والمساعدات والتبرعات المالية التي تحصل عليها الجمعية من جهات مختلفة وبدلات إيجار من ممتلكات الجمعية، وكان لرعاية الملكة عالية ووالدتها الملكة نفيسة، أثرها في نجاح الجمعية في تحقيق أهدافها وتوفير الدعم المادي لها.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تبنى الفرع النسوي مشاريع اجتماعية وثقافية عدة فقد اهتم بتشجيع الفتيات على تعليم التمريض، ومكافحة الأمية بين النساء بفتح مدارس مسائية للنساء في الكرخ والرصافة، كما اهتم بفتح مشاريع لتعليم البنات الخياطة والتدبير المنزلي، وتوجت باكورة أعماله في هذا المجال بافتتاح الملك فيصل الثاني في عام1953 مشغلاً لتعليم البنات اليتيمات أصول الخياطة، وفتح دورات متعددة لهذا الغرض، وضم المشغل (45) فتاة يتيمة، فضلاً عن اهتمام الملك بفرع الجمعية النسوي فقد خصص للفرع مبالغ مالية سنوية لتوسيع نشاطاته.

جمعية الرابطة النسوية:

من الجمعيات التي اصطبغت بطابع سياسي جمعية مكافحة النازية، والفاشية التي انشئت في بغداد عام1943 على يد مجموعة من النسوة، هدفها الأساسي مكافحة الأفكار النازية والفاشية، ورفع مستوى المرأة العلمي والثقافي عن طريق القاء المحاضرات العلمية والأدبية وإنشاء مراكز لمكافحة الأمية بين النساء، وبعد الحرب العالمية الثانية تحول اسم الجمعية إلى جمعية الرابطة النسوية، وأصدرت في عام 1946 مجلة (تحرير المرأة) وصدر العدد الأول منها بتاريخ 5 كانون الثاني 1946، وكانت الغاية المتوخاة من إصدارها كما عبرت عنها إدارة تحرير المجلة في كلمة افتتحت بها العدد الأول والذي حمل عنوان:”رسالتنا”هي”مساهمة المجلة في الجهود المبذولة في تحرير المجتمع العراقي، ورفع المستوى الثقافي والعلمي فيه عن طريق العمل لخدمة المرأة”.

وفي 10 آذار 1952 أقامت الجمعية اجتماعاً موسعاً لمجموعة من النساء العراقيات من مختلف الطبقات من ربات البيوت والمثقفات، وتم استبدال اسم الجمعية بـ(رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية)، إذ سعت الجمعية إلى النضال من أجل حقوق المرأة في المجالات كافة، ومن أبرز مؤسسات الرابطة، مبجل بابان، خانم زهدي، نزيهة الدليمي، بشرى برتو، روز خدوري، عفيفة البستاني، سافرة جميل حافظ، فكتوريا نعمان.

الاتحاد النسائي العراقي:

تشكل الاتحاد النسائي العراقي عام1945، وذلك بعد مشاركة عضوات الوفد العراقي في المؤتمر النسائي المنعقد في القاهرة في العام 1944، وقد تأثرت الموفدات بفكرة الاتحاد النسائي المصري. إذ إن فكرة تأسيس الاتحاد النسائي العراقي قامت على توحيد جهود الجمعيات النسوية العراقية، وذلك بإشراك ثلاث عضوات من كل جمعية أو نادي ليمثلن جمعيتهن في الاتحاد، ثم تنتخب من كل هؤلاء الهيئة الإدارية للاتحاد وتتكون من الرئيسة ونائبة الرئيسة والسكرتيرة وأمينة الصندوق.

اهتم الاتحاد بالنواحي الاجتماعية والثقافية المتعلقة بالمرأة في العراق عن طريق توثيق جهود نساء العراق لرفع مستوى المرأة العراقية صحياً واجتماعياً وثقافياً وسعى الاتحاد ليكون ملتقى أدبياً للمثقفة العراقية، ومن أهم أعماله تقديم محاضرتين في كل أسبوع تهدف إلى توجيه المرأة وتثقيفها، وأصدر الاتحاد النسائي مجلة عام 1950 وهي لسان حال الاتحاد النسائي الذي يمثل الجمعيات النسوية وكان الهدف من إصدار المجلة هو همزة الوصل بين الجمعيات النسوية داخل العراق وبين الاتحادات النسوية العربية من جهة أخرى.

وكان للاتحاد النسائي أثرٌ بارزٌ في إنشاء فرع الخدمة الاجتماعية في كلية الملكة عالية وذلك بعد أن قدم الاتحاد طلباً، لوزير الشؤون الاجتماعية سعد عمر في وزارة علي جودت الأيوبي الثانية (10 كانون الأول 1949 إلى 5 شباط 1950) توضح فيها حاجة الاتحاد النسائي إلى تأسيس مدرسة في الخدمة الاجتماعية للاستفادة من خريجاتها للعمل في المراكز الصحية والمستشفيات والسجون لخدمة المرأة، قام الوزير بدوره بمخاطبة وزارة المعارف للعمل على تأسيس هذه المدرسة، فاستجابت الوزارة وعهدت إلى عمادة كلية الملكة عالية بإنشاء فرع خاص للخدمة الاجتماعية لاعداد معلمات يمتلكن مستوى ثقافياً عالياً في هذا المجال.

توقف الاتحاد النسائي العراقي عن ممارسة نشاطاته كمؤسسة تجمع الهيئات النسوية العراقية على أثر صدور مرسوم تأليف الجمعيات المرقم (19) في العام1954، إلا أنه عاود الصدور بعد أن تقدمت مجموعة من النسوة للحصول على رخصة بتأسيس جمعية الاتحاد النسائي وشغلت آسيا توفيق وهبي رئاسة الاتحاد مدة عمله وبرزت من عضواته كل من لمعان أمين زكي وحسيبة خالص وعزة الاستربادي وعائشة خوندة وظفيرة جعفر، وفتوح الدبوني ومرضية الباجه جي، وعاود الاتحاد نشاطاته في حقل خدمة المرأة العراقية، فحصر الاتحاد جهوده للمطالبة بحقوق المرأة الشرعية والسياسية ففي العام 1954 نظم أسبوعاً لهذا الغرض إذ طالب فيه بمنح المرأة المتعلمة الحقوق الانتخابية وممارسة حقوقها السياسية.

عن رسالة (التعليم النسوي في العراق)