الملك فيصل الثاني: أستطيع أن أكون بطلاً

الملك فيصل الثاني: أستطيع أن أكون بطلاً

علي أبو الطحين

سأكون بطلاً وتسطع شعبيتي تحت ضوء الشمس، جاء ذلك في رسالة كتبها الملك فيصل الثاني الى مربيته ومعلمته الأنسة روزاليند راميرس في 16 كانون الأول من سنة 1956. فبعد الأحداث العصيبة في الشرق الأوسط خلال أزمة قناة السويس والعداون الثلاثي على مصر في تشرين الأول من سنة 1956، بعثت راميرس برسالة الى فيصل تسأل فيها عن الأوضاع السياسية في العراق، بعد المظاهرات الصاخبة والدموية التي شهدتها المدن العراقية في أجواء الحماس والمد القومي لمناصرة مصر ضد الإعتداء الثلاثي، والمطالبة بخروج العراق من حلف بغداد.

كتب فيصل: أننا نتحمل ما بوسعنا، وان كانت الحالة قد هدأت بعض الشئ. لقد مررنا بأيام عاصفة، فعلى المستوى الدولي هي الأسوء منذ الحرب الكورية، وعلى قدر تعلق الأمر بهذا الجزء من العالم، فهي الأسوء حتى بالمقارنة مع أيام الحرب (العالمية الثانية). استفادت روسيا الى حدما بتأثيرها على الرأي العام، الذي كان متوهجاً بالأساس، مما جعل من الصعوبة على الناس أن تفكر بشكل عقلاني. نال العراق الضرر الأكبر بين الدول العربية، وبالرغم من ذلك فإن أحباء روسيا وأتباعها يتهمونا بخيانة القضية العربية، كل ما يمكن ان أقوله خسئتم. نحن نخسر كل اليوم ربع مليون جنيه أسترليني من توقف تصدير النفط عبر سوريا، وليس هناك آمل الآن بعودة الإنتاج الى سابق عهده حتى العام القادم، ومع هذا، تقدم السوريون وبكل وقاحة بالطلب لتزويدهم بالنفط !! قلنا لهم بأدب جم.. اذهبوا الى الجـ ـ ـ ـم !!

السبب الأساسي والجوهري في الوضع الحالي في الشرق الأوسط، هو اختيارنا بالاصطفاف مع الغرب، بالتعاون مع جاراتنا، كل من إيران وباكستان، وتأسيسنا هذا الحلف المتين. فبقية الدول العربية هي أما ضعيفة وليس في مقدورها أن تعلن موقفها، أو انها تتبع مبدأ الحياد الأيجابي – حسب نهرو – وهو في الحقيقة تغطية للوقوف مع المعسكر الشرقي. وهكذا ترين – كما أعتقد – نحن نشبه في وضعنا الكواكب في الفضاء نبتعد بعضنا عن بعض بعدة مرات من سرعة الضوء. لماذا ترمي روسيا بكل ثقلها ضدنا؟ لماذا تتحين لكل فرصة لتحاول النيل من وجودنا؟ لأننا حجر عثر أمام سياستها في التوسع والتغلغل في الشرق الأوسط.

نحن، ونحن فقط، نشكل تهديد لمخططاتها، وسنستمر على ذلك، طالما تمسكنا بنهجنا الذي سلكناه في السنتين الماضيتين.

تعرضت الى كثير من الضغوط، بالإلتماس، وبالتهديد بالمظاهرات، وبالبرقيات، وذلك من آجل تحقيق ثلاث أمور، تؤدي بهذه البلاد الى الفوضى، وهي كما يلي: أولاً، ألغاء الوزارة (وكانت برئاسة نوري السعيد)، ثانياً، الخروج من حلف بغداد، والأمر الثالث، قطع العلاقات الدبلوماسية والأقتصادية مع بريطانيا. سأكون بطلاً، أذا قمت بذلك، كما أصبح أبن عمي في الأردن (إشارة الى طرد الملك حسين للضباط البريطانيينفي الجيش الأردني)، لكن هذا سوف لن يدوم، كما وجد مصدق (في إيران)، لكن بالتأكيد ستسطع شعبيتي تحت ضوء شمس أمام الجماهير الجاهلة. وتكون النتيجة هي الخراب لبلدي لأجل بريق لا يدوم ! كلا، لقد قررت أن نسير في الطريق دون أن نحيد عنه، فقط الضعفاء والبلداء هم من يترددون ويتأرجحون من جهة الى أخرى دون أن يعرفوا ماذا يريدون، أو أنهم لا يستطيعون أن يجمعوا انفسهم ليقولوا ما يشعروا به من الحقيقة. يمكن مقارنتهم بقناديل البحر الهلامية التي يتكون منها العالم العربي اليوم، فهم كالديدان اللافقرية لا تزحف الامن حياتها البائسة.

قررت، وأشكر الله على هؤلاء رجال البلد الذين نعتمد عليهم، رجال مثل نوري السعيد وصالح جبر. بعدأن تناقشنا بشكل كبير مع بعضنا كيف يمكن ان نعيد بلدنا الى مجده السابق، كيف نعيد له ثرواته المنهوبة، هل يتم ذلك بالحياد الأيجابي أو بالشيوعية؟ وجدنا ان كلاهما لا يتناسب مع ديننا، ولا مع تقاليدنا وأخلاقنا. لذلك تحالفنا مع الغرب، لم تكن اتصالاتنا مع تلك الدول الغربية المعنيةسرية وتحت الطاولة وفي ذات الوقت نتحدث ونتبجح بالكليشات المعتادة من القاموس الشيوعي. قلنا ذلك في العلن، صرخنا من فوق السطوح، قرأنا ذلك في الميادين والأسواق: “نحن مع الغرب، لأننا نعتقد أن ذلك هو السبيل الوحيد لمصلحة بلدنا”، فأنا لست خائفاً ولا هؤلاء الرجال الذين ذكرتهم خائفين من الفشل والسقوط، ليس الآن وليس في أي وقت في المستقبل.

ما سبق هو جزء من رسالة للملك فيصل الثاني ضمن مجموعة من الرسائل كان الملك قدأرسلها الى المعلمة روزالنيد راميرس،من بغداد،في الفترة بين 17 كانون الأول سنة 1953 وحتى 18 حزيران سنة 1958، فضلاً عن بعض البطاقات في المناسبات والدعوات الرسمية.

تتناول رسائل الملك فيصل مواضيع مختلفة من الأخبار والأحداث والآراء السياسية، وكذلك بعض المطالعات والأهتمامات الفنية والأدبية، فضلا عن الأخبار العائلية والأصدقاء. يصف في بعضها زياراته الخارجية الى الباكستان وإيران وزيارة الملك سعود أبن عبد العزيز الى بغداد، والأحداث السياسية المضطربة في الشرق الأوسط. كما تتناول الرسائل أهتمامات الملك في قراءة الكتب الأدبية والفنية. في أحد الرسائل يشكر الملك راميرس على إرسالها كتاب “المقدمة” من أعمال برناردشو الذي كان يبحث عنه منذ زمن طويل. وفي أخرى يشكرها على هديتها باشتراك سنوي في مجلة “أخبار العلوم” التي يحبها. ويستعرض في رسائل أخرى أخر الأفلام التي شاهدها وآرائه في الممثلينوالأعمال السينمائية. وعلى الصعيد العائلي، بشرها بأعلان خطوبته على الأنسة فاضلة مع وصف ساحر لأدب خطيبته واهتمامها بالقضايا الإجتماعية، وعن زياراتها للعراق وحفل الإستقبال الذي أقيم لها في بهو الأمانة، وكذلك رحلاتهم سوية الى النجف وكربلاء والبصرة والموصل.

كانت المعلمة روزاليند راميرس قد قدمت الى العراق في مطلع سنة 1943، بعد مغادرة المعلمة السابقة بتي مورسون،أثر خلافها مع ممرضة الملك الآنسة دورا بورلاند حول كيفية وطريقة تعليم فيصل. وكانت بتي مورسون قد بدأت عملها في قصر الزهور في منتصف سنة 1940. وكنت قد ترجمت مذكراتها في كتاب صدر عن دار عدنان ودار ميزوبوتاميا قبل بضعة سنوات بعنوان “ ملك العراق الصغير فيصل الثاني، أصغر ملك في العالم”. وستصدر أن شاء الله طبعة جديدة من الكتاب بأضافة رسائل المعلمة راميرس، التي كانت قد بعثتها الى إنكلترا خلال فترة عملها في العراق من ربيع سنة 1943 وحتى مغادرتها العراق في مطلع سنة 1946، تتناول تلك الرسائل ظروف عملها وحياتها في قصر الزهور في تلك الفترة.