رضا علي وموازنة الموروث والعصرية

رضا علي وموازنة الموروث والعصرية

عادل الهاشمي

ناقد موسيقي راحل

ابتداء.. فاننا امام ملحن قاد النغمة العراقية خارج الجغرافية العراقية، حيث اتيح له ان يستقطب اكبر عدد من الاصوات العربية يرددون الالحان العراقية بحناجرهم المختلفة.

الشيء المهم الذي يعتبر حجر الزاوية في اسلوبية رضا علي في التلحين هو المستوى المطلوب في الموازنة بين الموروث والعصرية، بين المحافظة والتجديد، بين التقليد والابداع، ان جدل المستويات الذي يطرح نفسه من خلال مسيرة العطاء الفني للملحنين العراقيين، يتعرض لمحك المقارنة اليومية من خلال الاسماع وبواسطة المتنقلين في حقل الموسيقى والغناء من المتخصصين، وكانت المقارنات تاخذ اتجاها في صالح رضا علي، لان الحانه موصولة بتشكيلة اصيلة من تنوع نغمي فيه الدقة والاناقة ورائعة الشارع الشعبي!.

لا ندعي ان الحان رضا علي قد توصلت الى اكتشاف نوع من النظامية في العلاقات بين الالحان.. لكننا ندعي انها قد مارست تدريجا نغميا يتلاءم مع الاطر التقليدية ويتطلع الى تصوير فيه عصرية محددة نحو مقامية متطورة، غير ان رضا علي يكرر نفسه في عديد من الالحان، تتشابه في اللزمات الموسيقية والانتقالات النغمية، وهذا في حد ذاته يشكل اخفاقا في مسيرة العطاء اللحني عند الفنان، ذلك ان اي فهم ثقافي للموسيقى ياتي من تامل واعي للشروط الجوهرية للفن الموسيقي، والتكرار في اسلوبية رضا علي يكتشف عن طابع الاستحضار التقليدي للجمل اللحنية الناجحة ومحاولة توكيدها في كل انجاز فني جديد، ان اي نمو في المسار اللحني والايقاعي لا يتخذ صفة الاندماج، انما يكعس استقلالية واضحة الملامح هذه الاستقلالية توضحت في الكثير من اعماله، ان طريقة التلحين التي درج عليها الفنان هي العثور في الحاضر على اسلوب من اساليب الماضي.

ولقد وجدنا لرضا علي في فترة من فترات عطائه اثيرا واضحا لالحان عبد الوهاب والاطرش عليه. هذا التأثر تحول الى محاكمة فنية في بعض الحانه.

ظهرت لرضا علي الحان جميلة وقوية برغم ما فيها من تجديد ظاهري.. غير انها عكست تطورا لفنان ارتبط بتراث فيه طاقة غير محدودة للحس الجمالي. اضافة الى ذلك فان النظامية في اسلوبيته هي صورة من المجهود الذي بدله طيلة سنين طويلة ليترجم القيمة التي يشعر اكثر من غيره بضرورة تحقيقها.

اي ان لحن من الحانه يحمل الطابع الذي عرف به رضا علي واذا كان السؤال الذي يواجه الفنان الملحن، ما الذي ينبغي المحافظة عليه وما الذي يتوجب التجديد؟ فالاجابة تقتضي القول، بان سلطة الابداع هي ذلك الامتداد من حرية العمل التي تتيح للفنان بان يبرز ويتفوق وهي القادرة لوحدها على تطمين لهذا السؤال، ورضا علي امتلك الابداع الا انه عانى من الفوز لذلك الشيء الذي ينظمه.

في القسم الثالث نتطرق الى ثلاثة اخرين من الملحنين – العراقيين البارزين وهم يحيى حمدي، عباس جميل، رضا علي، تميزت الحان هؤلاء بنوع من الدراما اللحنية ان جاز التعبير! وتعني بالدراما اللحنية، هي الترجمة الشعورية في داخلالمقامية التقليدية الكلاسيكية في الصياغة الحزينة للالحان، فالخصائص العرضية لهذه الدراما لا تقيم نظاما بين الملحن وبين الضرورة التكتيكية ذلك ان اية تجربة يريد الملحن التعبير عنها لا تستطيع ان تكون طواعية له، الا اذا خضعت لتشكل اللحني ذاته! فبدلا من ان ينظم الانسان الى الفنان في الدراما اللحنية لهؤلاء الملحنين نرى العكس، فالفنان ينظم الى الانسان! وبهذه العملية نخسر الفعل الحي الخالق في العمل الفني، والمؤلف الملحن عليه ان يجد انماط النمو المعبر ةعن باطنه الفني وهو تحول ينم داخل صميم نفسه! على ان المهم في هؤلاء، انهم قد كشفوا لنا بالحانهم عن نوع من الصفة المصرية للجمال الفني ومنحوا تجربتنا السمعية درجة جديدة من التنظيم.

مجلة فنون 1982