أزمة الكهرباء المستديمة!

أزمة الكهرباء المستديمة!

تحقيق/ علي الكاتب
مع دخول فصل الصيف يزداد الطلب على الطاقة الكهربائية التي أصبحت محض أمنيات للمستهلكين، وسط وعود وإجراءات ترقيعية لا تصلح ما أفسده الدهر..
(المدى الاقتصادي) ناقشت أزمة الكهرباء مع طيف من الخبراء والمتخصصين عبر التحقيق الآتي:

مشكلات في التوزيع
الدكتور احمد المندلاوي التدريسي في كلية الهندسة بجامعة بغداد يقول في الوقت الذي لا تزال الطاقة الكهربائية تراوح في مكانها بمعدل ساعة تجهيز وأربع غيرها قطع، ما يؤشر خللاً في منظومة وشبكات الكهرباء في عموم المحافظات بسبب المشكلات في تجهيز الطاقة وتوزيعها التي لم توضع لها حلول منذ سنين، تقابلها الوعود التي يطلقها المسؤولون في وزارة الكهرباء عن تحسن طفيف في الصيف الحالي من خلال زيادة ساعات حصة العاصمة الى 12 ساعة يومياً والعمل على جعلها 16 ساعة في المستقبل القريب.
وحتى هذه اللحظة لم يتأكد للمواطن هل أنه فعلا ستكون زيادة الحصة في هذا الصيف وتكون وعود المسؤولين واقعا ملموسا على أرض الواقع أم حاله حال بقية الوعود السابقة التي ذهبت أدراج الرياح، وإرجاع الثقة بينهم وبين المواطن الذي لم يعد يثق بالوعود والتصريحات بشأن تحسن التيار الكهربائي، واليوم تتكرر الوعود لكن بأسلوب جديد ولهجة مغايرة، فبعد ان كانت الوعود بتحسن الكهرباء خلال أشهر او خلال سنة أصبحت الوعود التي يطلقها المسؤولون خلال خمس او عشر سنوات، وهذه المطالب توضح بشكل جلي لا يقبل الشك ان المشكلات التي اشرنا اليها سابقا لا تزال من دون حلول حتى الآن.
تحديد حصص المحافظات والمشاريع
الخبير الاقتصادي طارق علي يقول: أن هناك جملة مقترحات نطرحها على وزارة الكهرباء لغرض تنفيذها والتي من شانها تحديد الحصص المخصصة للمحافظات من اجل توزيعها على عموم المحافظات والمناطق بشكل عادل، والإسراع في تنفيذ مشاريع الوزارة لإنتاج وتجهيز الطاقة الكهربائية ومشاريع النقل والتوزيع، وكذلك إعطاء صلاحية لمجالس المحافظات من اجل تنفيذ مشاريع النصب السريع وشراء الطاقة وتهيئة مواقع سريعة لنصب بارجات التوليد لغرض الاستفادة منها في فصل الصيف الحالي، وكذلك على الجهات الحكومية المسؤولة اخذ ذلك بنظر الاعتبار لتجنب حدوث حالات من الاحتقان أو تنظيم تظاهرات في الشارع العراقي في بغداد او في البصرة او في الموصل وفي بقية المدن الأخرى من دون استثناء، في حال لم تبادر وزارة الكهرباء باتخاذ الخطوات السريعة لحل مشكلات انقطاع التيار الكهربائي المزمن وعدم حدوث أية تحسن في ساعات التجهيز منذ ثماني سنوات، خاصة في فصل الصيف ذي الحر القائظ والذي تصل فيه درجات الحرارة الى أعلى مستوياتها.
مدة المئة يوم.. ووعود الكهرباء
سلام يونس موظف متقاعد يقول مرت مدة المئة يوم علينا من دون حدوث انفراج يذكر في موضوع الخدمات وهو بلا شك مقصد جميع المواطنين ومن أهمها تحسين تجهيز ساعات التيار الكهربائي، حيث لا يزال الحال كما هو عليه قبل الإعلان عن تلك المدة سوى النية في إلغاء وزارات الدولة التي أوجدت على أساس المحاصصة والتقاسم في السلطة،وليست لها علاقة بموضوع الخدمات لا من قريب ولا من بعيد، وكان من الأحرى محاسبة الوزراء والمسؤولين في الوزارات الخدمية أولاً، ومن ثم إلغاء بعض الوزارات التي لا مبرر لوجودها كوزارة وجمع أكثر من وزارة حالية في وزارة واحدة كالموارد المائية مع وزارة الزراعة والاتصالات مع وزارة النقل والكهرباء مع النفط بوزارة واحدة للطاقة، وهذا حال كثير من دول العالم، لاسيما الأكثر تطوراً في هذه المجالات.
كما ان الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي أصبح منغصا للحياة التي يعيشها المواطن العراقي وحقه المنصوص عليه في الدستور في العيش الكريم ومسؤولية الدولة ووزاراتها ومؤسساتها في توفير جميع وسائل الراحة له، لاسيما بعد ان أصبح الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي يمثل عبئاً ثقيلاً عليهم وتلاعباً سافراً بأعصابهم وراحتهم واستقرار معيشتهم اليومية،من دون ان تلوح بالأفق ملامح لمبادرات تهدف الى تحسين واقع تجهيز التيار الكهربائي للمواطنين، وتوفير مجمل الخدمات التي تساهم في تحسين أوضاع حياتهم ومعيشتهم ورفاههم.
أرقام خيالية لإنتاج الطاقة
الخبير النفطي اسعد الخيال يقول: ان من أهم الحلول العملية والواقعية لمعالجة النقص في إنتاج الطاقة الكهربائية التي عانت منها البلاد كثيراً ولا تزال والتي تسببت بجملة من المشكلات في قطاعات حيوية ومهمة أخرى، هي كثرة الوعود التي أطلقتها وزارة الكهرباء من دون طائل لأرقام خيالية في بعض الأحيان لمستويات إنتاج الطاقة الكهربائية بالميكاواط والتي يتصور المرء ان المشكلة في التيار الكهربائي ستحل فورا في حال وصول الإنتاج الى تلك المستويات، وهو ذات الامر الذي جعل المواطن العراقي يتذمر كثيرا في واقع عدم تحقق تلك الوعود وتطبيق تلك الأرقام في محل التنفيذ الحقيقي، وهي بلا شك تعود لأسباب منها تلكؤ عمل وزارة الكهرباء وتشكيلاتها خلال مدة طويلة تصل الى أكثر من ثمانية أعوام، حيث ان تقارير وزارة الكهرباء أعلنت بصراحة أن مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية تشكل حالياً نصف الاحتياجات الحقيقية للبلاد، أي بنحو سبعة آلاف ميكاواط، والحقيقة ان المواطن يشعر ان هذا الأرقام غير واقعية وغير حقيقية لان ما تصله من الطاقة الكهربائية لا يصل الى سقف الـ (12) ساعة في اليوم.
الاستثمار
إن العراق يمثل سوقاً واعدة في الاستثمار في قطاع الكهرباء، لاسيما اذا ترافقت معها منح تسهيلات للمستثمرين تشجعهم على دخول السوق العراقية وهذا القطاع تحديدا، والتي حددتها بنود قانون الاستثمار مع توفير الوقود المطلوب لها في عملها، في حين ان وزارة الكهرباء ستقوم بشراء الطاقة المنتجة من قبل تلك الشركات، والوصول بمعدل استهلاك الفرد العراقي من الطاقة الكهربائية من 1100 كيلوواط في الساعة إلى 3700 كيلوواط في الساعة وهو مقياس معمول به في غالبية دول العالم.
العجز في إنتاج الطاقة الكهربائية
يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء مصعب المدرس كما يعلم الجميع ان الطاقة الكهربائية المتوفرة حاليا في العراق بحدود الأكثر من 7000ميكاواط، في حين الحاجة الفعلية بحدود 11000-12000 ميكاواط، أي ان هناك عجزا بنحو 5000ميكاواط، كما ان الوحدات الجديدة التي تنصب في (الخيرات) في محافظة كربلاء و(الموصل) في محافظة نينوى و(عكاز) في محافظة الانبار و(الحيدرية) في محافظة النجف و(النجيبية) في محافظة البصرة من شأنها تحسين مستوى إنتاج الطاقة الكهربائية لتصل الى مستوى الحاجة الفعلية والتي تم التعاقد بصددها لتنجز في نهاية العام المقبل 2012 لسد العجز وزيادة الإنتاج، والوزارة تأخذ في الحسبان زيادة النمو السكاني المتوقعة بنسبة 10% في السنوات 2014-2015 ضمن خططها المستقبلية لسد العجز في إنتاج الطاقة الكهربائية.
ان الوزارة وقعت مؤخرا عقدا مع شركة NTX الكورية وهو عقد متميز لكونه يضم عدداً من المواصفات عن بقية العقود الأخرى التي وقعتها الوزارة في السابق،كونه عقدا لبناء محطات سريعة النصب بما ينسجم مع حاجة العراق في الوقت الحاضر، حيث تعهدت الشركة الكورية المذكورة بإكمال نصب 25 محطة لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بطاقة 100ميكاواط خلال 13شهرا المقبلة، كما ان تلك المحطات تعمل بالوقود الثقيل والنفط الأسود المتوفرة بكميات كبيرة في العراق،فضلا عن مميزات أخرى للعقد المذكور والذي ينسجم مع خطط الوزارة واستراتيجتها الجديدة في معادلة حجم التوليد بمقدار الحاجة من الطاقة الكهربائية وتقليل الضائعات في النقل بين المحافظات،حيث تم تخصيص 17 محطة سيتم نصبها في حدود مدينة بغداد لتغذية المدينة، الى جانب نصب محطات أخرى في بقية المحافظات بما يتناسب مع الحاجة الى توليد الطاقة الكهربائية.
وكذلك في خطط الوزارة ومشاريعها إضافة وحدات جديدة لمحطة جنوب بغداد،كونها تعد من المحطات القديمة في البلاد والتي تعمل بالطاقة البخارية، حيث تم إضافة وحدات غازية لها بهدف تطويرها وزيادة قدرتها في توليد الطاقة الكهربائية، الى جانب تأهيل الوحدات القديمة فيها التي تؤثر سلبا على مستوى إنتاجها من الطاقة الكهربائية.
مشاريع شراء الكهرباء
الخبير النفطي سعد الربيعي يقول يثار بين الحين والحين موضوع مشاريع شراء الكهرباء ودوره في تخفيف شحة التيار الكهربائي، خاصة في المحافظات الحدودية مع بعض دول الجوار،وتخصيص ابواب التمويل لها من تخصيصات (البترودولار)، ومدى تعارضه مع قانون وتعليمات تنفيذ الموازنتين العامة والاستثمارية، اذ من الامهم الإشارة هنا الى تعارض ذلك مع تعليمات تنفيذ أحكام المادتين (42 و43) من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (10) لسنة 2010، وأسس ومبادئ إعداد المنهاج الاستثماري.
وبالتالي فأن عملية الشراء هذه يجب ان تتم على حساب الموازنة التشغيلية بدلاً من الاستثمارية، اما في حال تنفيذ المشروع من قبل المحافظة ذاتها على حساب تخصيصاتها من (البترودولار) او برنامج تنمية الأقاليم فبالإمكان تقديم دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية له ليتسنى للجهات المسؤولة وتحديدا وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي مناقشته وإبداء الملاحظات بشأنه ومن ثم إقراره وإدراجه ضمن مشاريع الخطة الاستثمارية وتنفيذه من قبل تلك المحافظة،ليتم تمويله من تخصيصات (البترودولار) او برنامج تنمية الأقاليم.
إجراءات الوزارة بحسب المعطيات المتاحة
كانت وزارة الكهرباء قد كشفت في وقت سابق عن أن مشاريعها لنصب المحطات الغازية تهدف لإنتاج 7150ميغاواط تدخل المنظومة في عام 2013.
ورجحت وزارة الكهرباء ة في بداية الشهر الجاري توقف عدد من المحطات الكهربائية بسبب عدم وصول الوقود اللازم لتشغيلها مؤكدة أنها شكلت لجنة لتوفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية خلال فصل الصيف الحالي.
وأضافت وزارة الكهرباء 380 ميكاواط إلى المنظومة الكهربائية في البلاد، وطالبت وزارة الكهرباء رئيس الوزراء نوري المالكي أثناء زيارته الوزارة في 8 شباط الماضي بحل مشكلة الضوابط الصارمة في التعاقد مع الشركات الأجنبية والمحلية لنصب المحطات الكهربائية التي تسببت بتأخير انجاز المشاريع.
وبحسب خبراء فأن العراق بحاجة إلى خطة طوارئ من خلال توفير محطات صغيرة توفر نحو 11 ألف فولت، تأتي جاهزة من الدول المجاورة وتقوم بنصبها شركات عالمية مهتمة بمشاريع الاستثمار الكهربائي.
ويعاني العراق من نقص حاد في الطاقة الكهربائية، ولا تزال الشبكة الوطنية غير قادرة على توفير إمدادات الكهرباء لأكثر من ساعات قليلة في اليوم، وتأتي الانقطاعات المتكررة في الكهرباء على رأس شكاوى المواطنين.
وبحسب أرقام حكومية فإن طاقة العراق المتاحة تبلغ نحو 9 آلاف ميكاواط، فيما يقدر الطلب بما يصل إلى 14 ألف ميكاواط خلال الصيف حينما تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية.
ويخطط العراق لزيادة طاقته من الكهرباء إلى 27 ألف ميكاواط في أربع سنوات مقبلة ويحتاج لاستثمارات لا تقل عن ثلاثة إلى 4 مليارات دولار سنويا ليتمكن من تحقيق هذا الهدف، وتستورد وزارة الكهربائية نحو ستة ملايين لتر من الوقود يومياً من إيران، بموجب عقدين وقعتهما مع طهران، ومليون لتر يومياً من تركيا لسد النقص الحاصل في تجهيز الوزارة بالوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية.
وتحتاج وزارة الكهرباء لتغذية محطاتها الكهربائية العاملة إلى ما يقرب من عشرة ملايين لتر من الغاز أويل يومياً، وتقوم وزارة النفط بتزويدها بمليونين و500 ألف إلى ثلاثة ملايين لتر، فيما يتم استيراد ستة ملايين لتر يومياً من دول الجوار وأسواق النفط العالمية.
وسبق لعدد من مدراء محطات كهرباء بغداد الغازية، قد عزوا أسباب الانخفاض في إنتاج الطاقة في بغداد وحدها إلى نحو 200 ميكاواط، إلى قلة المواد الاحتياطية وانعدام الغاز، فضلاً عن استعمال الوقود الثقيل بدلاً من الغاز الجاف في تشغيل الوحدات، مطالبين وزارة الكهرباء بالتعاقد المباشر مع الشركات المجهزة وتجاوز الروتين الإداري وزيادة المخصصات.
وغالباً ما تشتكي وزارة الكهرباء من نقص الوقود المجهز لمحطاتها بصورة عامة، حتى باتت مشكلة مزمنة، لم تجد حلاً منذ زمن النظام السابق، في حين تبرر وزارة النفط ذلك إلى حالة عدم الاستقرار الأمني، وتعرض الخطوط الناقلة للوقود لأعمال تخريب، علاوة على حالات السرقة التي تطول صهاريج نقل الوقود، وعدم اكتمال مشاريع استخراج الغاز العراقية.
ويعاني العراق من نقص حاد في الطاقة الكهربائية منذ بداية عام 1990، وازدادت ساعات تقنين التيار الكهربائي بعد عام 2003 في بغداد والمحافظات، بسبب قدم الكثير من المحطات بالإضافة إلى عمليات التخريب التي تعرضت لها المنشآت خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ازدادت ساعات انقطاع الكهرباء عن المواطنين إلى نحو عشرين ساعة في اليوم الواحد، ما زاد من اعتماد الأهالي على مولدات الطاقة الصغيرة والأهلية، وقد شهدت الفترة الماضية تظاهرات عديدة حملت الحكومة ووزير الكهرباء المسؤولية عن انقطاع التيار لساعات طويلة، أدت إلى استقالة الوزير السابق في شهر حزيران من العام الماضي من دون حل لأزمة الكهرباء، في وقت تسجل فيه حرارة الطقس ارتفاعا ملحوظا وصلت إلى 56 درجة مئوية.