في ذكرى الفنان

في ذكرى الفنان

راهبة الخميسي

ولد الفنان رضا علي في منطقة الشواكة ببغداد عام 1929 وتوفي يوم الاربعاء المصادف 6 نيسان 2005 وقد كانت لي أمسية عن الفنان الراحل في يوم 10 نيسان في نفس السنة أي بعد وفاته بأربعة أيام مع إتحاد الادباء العراقيين, دامت الامسية حوالي 4 ساعات,

كان الحديث لي فيها عن هذا الراحل المبدع الذي أغنى الذائقة العراقية, وزاوج بين الاعنية البغدادية والريفية, وكان بمثابة مدرسة لحنية مميزة, وخدم البنية الفوقية في العراق من خلال عطاءاته الفنية الغزيرة, وأذكر أنني جهزت يومها بعضاً من أغانيه الخالدة بصوته وباصوات الفنانين الذين غنوا ألحانه, استمعنا لها بين فقرة وأخرى من الامسية, وكانت حقاً أمسية فنية غنية لاتنسى,وقد تخللتها مداخلات جميلة جداً سوف أبقى أتأسف لعدم استطاعتي تسجيلها في ذلك الوقت.

درس الفنان المبدع رضا علي في معهد الفنون الجميلة قسم التمثيل والاخراج المسرحي, لكنه تخصص في الموسيقى والالحان, ودخل الاذاعة أيام (عمو زكي) و(محمد كريم), وقدم أروع الالحان لكثير من العراقيين والعرب مثل عفيفة اسكندر, مائدة نزهت,هيفاء حسين, فائزة أحمد, نرجس شوقي, سميرة توفيق, فهد بلان, راوية, نهاوند وغيرهم.

شارك في فلم ارحموني الذي أخرجه المرحوم حيدر العمر, وغنى فيه أوبريت بغداد (محلى وادينا وجماله) ومن الصدف الغريبة هي أن الفنان سامي قفطان كان قد أكمل إعداده لفلم وثائقي عن سيرة رضا علي أسماه (رحلة الفنان والعطاء), وإنتهى منه قبل يوم واحد فقط من تاريخ وفاة رضا علي.

من ألحانه المشهورة:

1- ميكفي دمع العين يا بوية

2- خي لا تسد الباب خي بوجه الاحباب

والاغنيتين لفائزة أحمد

1- وين الكه الحبيب يابه

2- يابا يابا شلون عيون عندك يابه

3- إتدلل عليّ إتدلل

وهذه الاغنيات الثلاث لنهاوند.

وغنت له سميرة توفيق وحدك ملكت الروح يابن العشيرة, وأغنية أشكر وشعرو ذهب.

وكان نصيب الفنانة راوية أغنيتها الجميلة (أدير العين ماعندي حبايب).

وللفنان الريفي عبد الصاحب شراد لحن رضا علي اغنية عجيبة ياحلو والله عجيبة.

التقى رضا علي بالفنان محمد عبد الوهاب في مصر وفي بيروت وقد أثنى عليه الفنان عبد الوهاب كثيراً, وحاز على جائزة تقديرية بالموسيقى العربية.

لمع اسمه بالعراق من خلال أشهر أغانيه والتي هي سمر سمر عام 1955..

قدم أغنية خاصة أهداها للملك فيصل الثاني, وكانت بمناسبة خطوبته على خطيبته التركية (فاضلة الامير) وهي من سلالة الامراء العثمانيين القدماء والتي وصلت البصرة عام 1958على ظهر يخت, فغنى لها أغنية – مركب هوانا من البصرة جانا جايب حبيب الروح عدنا امانة..

بعد سقوط الملكية في 14 تموز, إنطلقت حناجر المطربين في أغاني على الهواء مباشرة, منهم عزيز علي, وحضيري أبو عزيز, ورضا علي, وكانت أغنية رضا علي: (يا أيها اليوم الاغر الشعب فيك قد انتصر…الظالمون تحطموا …ومضى الملوك الى صقر)

كان أخوه (كاظم) يعمل صائغاً في خان الشابندر, فكانت له علاقات متينة مع المندائيين, وكان رضا علي متواجداً باستمرار مع أخيه وحقق مع أبناء الطائفة المندائية علاقات صداقية جميلة..

لحن لنفسه أغان كثيرة إشتهرت جداً, وكان منها – حك العرفتونة وعرفناكم, جيرانكم ياهل الدار والجار حكه على الجار, سمر سمر, مركب هوانة من البصرة جانا, سلمنا يا ريح الهاب, داد لك داد هذا الحلو شراد, يا ورد الورود يا ورد…..والكثير غيرها.

لحن أغنية أسألوه لا تسألوني, وغنتها مائدة نزهت على أثر خلاف بينها وبين زوجها وديع خوندة (سمير بغدادي) وحاول رضا علي أن يدخل طرفاً بالصلح بينهما بصفته صديقاً مقرباً لهما, ولحن لها وقتها أغنية (بيا عين جيتوا تشوفوني).

ولطالما أكد الفنان كاظم الساهر على رغبته بالتعاون اللحني مع رضا علي, وأعاد الفنان سعدون جابر مجموعة من ألحان الفنان الراحل بتوزيع موسيقي جديد.

إنقطع الفنان الراحل عن التلحين منذ سنوات قبل وفاته, إلا أن الناقد الموسيقي عادل الهاشمي أقنعه في المشاركة بأمسيات فنية كان آخرها أمسية في قاعة نادي الفنون التشكيلية عام 1993, ثم إحتفلت به نقابة الفنانين العراقيين في أمسية قدمها الفنان الراحل عارف محسن وشارك فيها الكاتب طارق حسون فريد.

تم تكريمه من قبل وزارة الثقافة والاعلام قبل نهاية التسعينات, وكان ذلك على قاعة مسرح الرشيد, وحيث أنني كنت ضمن الحضور فقد التقيت يومها بعدد من الاعلام العراقيين والعرب هناك, ولن أنسى أنني التقيت الدكتورة نوال السعداوي لأول مرة وتعرفت عليها عن قرب حيث كانت ضمن الحضور..

كان رضا علي خير من مثّل الغناء العراقي في مهرجانات لبنان بمعية فريد الاطرش, ووديع الصافي, وفيروز, فضلا عن دوره التربوي في النشاط المدرسي وتلحين عشرات الاوبريتات واغاني الاطفال (قضى 30 عاماً مشرفاً تربوياً في وزارة التربية).

وكان فناناً من طراز خاص, لاندماجه بمفهومية التراث العراقي وسعيه الجاد في تطوير البستة المقامية دون هجر ايقاعاتها الاصيلة منها – الجورجينا – وتعرف في بنائها النغمي وفق ما يعتقده في رؤية التطوير والانتشار النوعي في صفوف الجماهير.. وتمسك باداء المقامات الفرعية في حفلات المجتمع الاسري كالدشت, والاوشار, والهمايون, والمرمي باسلوب مختصر وتحمل قسوة المتشددين الذين يرفضون بالكامل اي طروء على المقام العراقي..

البداية كانت ناجحة عندما لحن وغنى اغنية سمر سمر وهي من مقام السيكاه, ايضا غنتها زهور حسين وأدت قبلها تفرحون أفرحلكم – على الاوشار –

تعرض رضا علي الى انتقادات لاذعة وتهديدات قاسية عام 1951

ثم تدفقت الحانه الناجحة, والتي باتت تتوج مناخات الاسرة العراقية, منها يبا يابا اشلون عيون عندك يابا، هله هله، اليوم يومين الولف مامر علي، الله من هجرانكم، يدرون لو ما يدرون، مركب هوانا للبصرة جانا، اسألوه لا تسألوني، سلمنا يا ريح الهاب، يا اعز الناس عندي، ادلّل علي ادلل، غنوا يا اطيار، هاليلة ليلة من العمر، على باب الحلو جينا، حاصوده.

وفي السبعينيات انتهى عطاء رضا علي, وفي عام 1992 قدمت له دعوة لاعادة نشاطه, وحضوره, وتعزيز مجده, ثم سجلت له حلقتين في برنامج المقام العراقي (على ضفاف التراث),

فشعر بسعادة عالية, وطلب منه ان يلحن تواشيحا والحانا دينية, فقدم اكثر من عشرة ألحان, وجدت طريقها الى حناجر الشباب في البرامج التفزيونية, كما حلّ ضيفا عزيزاً مكرما في اماسي المتحف البغدادي 1994, 1995 وامتلأ المتحف بالفنانين والمتذوقين وادى جميع مطربي بيت المقام عشرة الحان له, فضلا عن مشاركة مقلده المطرب جواد المصور.

بعد هذا التاريخ عاد رضا علي الى العزلة والابتعاد عن الوسط الفني ليتفرغ بالكامل الى دينه وربه, وسافر الى احدى الدول الاوروبية وعاد بعد أن أجرى عملية جراحية خطرة.

لو كان رضا علي قد عاش حياته في مصر لاعتبروه الفنان الأول ورائد الموسيقى العربية, ولكن لكونه في العراق فقد توفي بعيداً عن الاضواء الاعلامية.