الفنان رضا علي، تجربة فنية رائعة

الفنان رضا علي، تجربة فنية رائعة

جوزيف الفارس

عشت تلك الايام الجميلة في شارع الرشيد , وبالقرب من مبنى حافظ القاضي , وانا انعم بجمال بغداد وعمري لا يتجاوز العاشرة , وكالمعتاد كنت اذهب الى مطعم الشمس لابتاع منهم الكباب واعود الى دارنا , فحين انتظاري في المطعم ,

كان المذياع يصدح بصوت مطرب من مطربي بغداد الحبيبة , صوته مليىء بالشجن والحنية , وهو يغني بكلمات تعبر عن احاسيس الشجن والحب النابع من القلب , يغني باحدى اغانيه البغدادية والتي شغف لسماعها جميع البغداديون وحتى العرب من المستمعين , انا تعمدت على عدم ذكر اسم هذا الفنان كعنوان لمقالي هذا , وانما اكتفيت بكتابة اسماء بعض من اغانيه والتي اشتهرت بصوته وهو يغنيها بحنجرته التي اججت النيران في قلوب عشاق البغادلة وانا منهم.

انه المطرب الراحل رضا علي , هذا الفنان الذي اشتهر بالحانه وباغانيه التي اشتاقينا نحن هذا الرعيل من الحقبة الزمنية الماضية الى الاستماع اليها , لقد تغنى هذا الفنان بكلمات عاطفية صادقة نابعة من القلب وهو يتعايش مع ادائها متمايلا يمنة ويسرة ومع ايقاعات الجورجينا والتي كنا ننتظر حفلته الغنائية من على شاشة تلفزيون العراق من بغداد.

رضا علي هو من مواليد سوق حماده في جانب الكرخ من بغداد , تعلم في مدارسها , ومن ثم ساقته هوايته ومنذ الصغر ا ان يدخل معهد الفنون الجميلة , وقد اكتسب خبرة وثقافة اكاديمية اثناء دراسته في هذا المعهد , وبعد تخرجه انفتحت له ابواب الاذاعة والتلفزيون في الاربعينيات من ذالك الزمن الماضي , حيث بدأ الاحتراف الفني متاثرا بالمقام العراقي والتي اضافت الى ثقافته الاكاديمية تجربة وخبرة استطاع من خلالها ان يكيف بعض الايقاعات والتي اتسمت بالفرحة والبهجة في الحان اشاعت الفرحة والبهجة لدى سماعها من قبل المستمع البغدادي والعراقي اضافة الى المستمعين من العرب.

لقد عمد هذا الفنان الى تطوير الاغنية العراقية , معتمدا على تطوير الموروث الفلكلوري للاغنية الشعبية , وكما اعتمد هذا الفنان المطرب على الالحان والتي اتسمت بالبساطة في التلحين , الامر الذي جعلت اغانيه تدخل القلوب وتتردد على السنة جميع المستمعين مثل اغنية سمر سمر , وتدري شكد احبك احبك , واغنية شدعيلك يللي حركت كلبي , ومن هنا انطلق هذا الفنان المطرب الاصيل بالحانه وادائه الجميل والتي استقطبت معظم الفنانات والفنانين العرب من امثال نرجس شوقي وفائزة احمد وسميرة توفيق وفهد بلان , حيث كانت له دراسة باصوات من يمنحهم الحانه , ولهذا هو نجح في جميع الالحان والتي اداها المطربون والمطربات العرب , اضافة الى المطربين والمطربات العراقيات منهم زهور حسين , ومائدة نزهت , واحلام وهبي , وعفيفة اسكندر , وهيفاء حسين ---- الخ.

كانت تجربة هذا الفان الرائد رائعة اضافها الى مسيرته السابقة في الالحان الاحترافية في الاربعينيات والخمسينيات من العقد الماضي , وهو يعتبر من الفنانين الرواد والذي ساهم في تطوير الاغنية العراقية , لقد تميز هذا الفنان بالاصالة والابداع والتالق في الحانه والتي اداها بصوته وبصوت جميع الفنانات والفنانين العراقيين والعرب , حيث لقب انذاك بسفير الاغنية العراقية حيث منح هذا اللقب اثناء مشاركاته في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الموسيقية العربية والدولية , ولهذا لقب بسفير الغناء العراقي.

لقد بدأ التلحين وبشكل احترافي حينما سجلت له في عام 1949 اغنية حبك حيرني , ولقد اضاف الى هذه الاغنية اغنية اشتهرت وعلى نطاق واسع , وكانت هي السبب في دخوله باب الشهرة الا وهي اغنية سمر سمر , وبعدها جائت اغنية تفرحون افرحلكم , واغنية على باب الحلو جينا واجينا --- الخ.

كانت اغاني الفنان رضا علي تتردد على السنة كل عراقي في الحفلات العائلية والاحتفالات الشعبية من قبل معظم الفنانين والفنانات , والتاكيد على صحة هذه المعلومة هي كثرة الرسائل والتي ترد الى الاذاعة والتلفزيون في برنامج مايطلبه المستمعون , لقد اشتهرت اغانيه وبالحانه منها (مكدر اكلك مع السلامة روح والتي غنتها المطربة سميرة توفيق , واغنية جيرانكم يهل الدار , والجار حكه على الجار , وسمر سمر , و صايد كلبي , واغنية حك العرفتونا وعرفناكم , واغنية الردته سويته , واغنية تعالي ياحنينة , واغنية تدري شكد احبك احبك , واغنية اني بهوى الحلوين , واغنية اسالوها لاتسالوني اسالوه والتي غنتها المطربة مائدة نزهت , واغنية اتدلل عليا اتدلل ----- الخ.

لقد اشتهر هذا الفنان باغانيه وبالحانه في البلدان العربية منها لبنان , وسوريا ومصر , وتناقلت اخبار فنه ومسيرة حياته الفنية في الاوساط الاعلامية العربية , ومن هنا بدأ التعاون الفني معه ومع جميع المطربين والمطربات منهم فائزة احمد , سميرة توفيق , نرجس شوقي , انصاف منير , نهاوند , وغيرهم , كانت مسيرته الفنية تتجدد وعلى مضي الايام بالحانه الجميلة , واغانيه التي سجلت له حضورا حافلا كاغنية (بياعين جيتو تشوفوني بياعين جيتو , واغنية كلب كلب والتي غنتها المطربة عفيفة اسكندر , وموشح قيل لي قد تبدل , والتي غنتها ايضا المطربة عفيفة اسكندر ,واغنية حمد ياحمود والتي غنتها المطربة مائدة نزهت , واغنية يابنت البلد لزهور حسين , واعنية يابا يابا شلون عيون عندك يابا واهل البلد مايدرون والله يابا والتي غنتها المطربة نهاوند.

لثقافته المسرحية في التمثيل كان ينتقي كلمات اغانيه والتي تعتمد على الحدوته او القصة والتي يبدأها وينهيها بقفلة درامية او ميلودراما والتي تتضمن الفرح والحنين المأساوي والمعاناة من خلال كلمات يتاثر بها ومن ثم يلحنها بالحان تتفق مع ملكة حنجرة كل مطرب ومطربة , كان يدرس امكانية حنجرة من يكلفه بالغناء , لكي ياتي اللحن وفق قدرة ومواصفات حنجرة المطرب او المطربة , ولهذا تجح في الحانه الجميلة , وكذالك هو الوحيد الذي استطاع ان يغني ويلحن الاوبريت , حيث مثل ونجح في تمثيله مع المطربة هيفاء حسين في فيلم ارحموني , وقد زاد رونق هذا الفيلم بالاستعراض الغنائي والذي عنوانه (وادي الرافدين) والذي تناول فيه جميع الالوان الغنائية الجميلة من شمال العراق وحتى جنوبه.

لقد توفي هذا الفنان في يوم الاربعاء من عام 2005 حيث رحل هذا العملاق من عمالقة الاغنية العراقية , وترك ارثا من العطاء في تطوير الاغنية العراقية , وعلى نطاق الوطن العربي , ولهذا استحق لقب سفير الاغنية العراقية.