ماذا أضاف إيمانويل كانط للفسلفة الحديثة؟

ماذا أضاف إيمانويل كانط للفسلفة الحديثة؟

محمد خليفة عفان

إن كتاب نقد العقل المحض، للفيلسوف الألماني الكبير إيمانويل كانط يعد دون شك أحد أعظم الأعمال الفلسفية على مر العصور. وأشهر كتبه بالتأكيد، لكن كتابه عن الأساس الميتافيزيقي للأخلاق لا يقل عظمة على الإطلاق. إن رؤية كانط للأخلاق كانت شديدة الوضوح والرصانة، في النقاط التالية سوف تقرأ –مع أمثلة مبسطة- أهم الإضافات التي تحسب لكانط في فلسفة الأخلاق. والتي يعد من أهم روادها على مر العصور:

متى نكون أخلاقيين؟

إن النقطة الفارقة عند الفيلسوف الألماني في هذه المسألة هي في ما يتعلق بالدافع، ما يسميه أغلب الباحثين بال”motive”، فكلما كان الدافع نابعا من غريزة ما، أو من مصالح على المدى البعيد، فالفعل ليس أخلاقيا على الإطلاق، بل نفعي فقط. ومنه يرى كانط أن المتدين حين يقوم بعمل خيري ما، وينتظر في المقابل حياة أخرى يلبي فيها شهواته وغرائزه فهو انتهازي لا أكثر.

إن كانط يرى أننا يجب أن تقوم بالعمل الأخلاقي لذاته فقط. وفي هذا يمكن أن نعتبر مثالا بسيطا لبائع في محل تجاري، يتصرف بأمان مع الزبائن، ليس لأنه يرى فعل الأمانة خيرا، وإنما لكيلا تتضرر سمعته وبالتالي يفلس المحل. هنا يرى كانط أن الفعل غير أخلاقي لأن هذا العامل بالذات لو أتيحت له فرصة مضمونة للغش دون عواقب فسينتهزها في الغالب. فالأمانة يجب أن تعتمد لذاتها كعمل أخلاقي قبل أن ننظر لعواقبها. وفي النقطة ذاتها يرى جون ستيوارت ميل أننا نتصرف بأمانة لأن “المجتمع سيكون أسعد بوجود الثقة في المعاملات، وبالتالي فالمصلحة العامة تقتضي أن نكون أمناء”، كانط يعترض هنا أيضا، ففي حالات معينة قد نجد المصلحة تقتضي الإضرار ببشر آخرين، وهذا ما يجب أن يكون مرفوضا من حيث المبدأ.

كيف نميز بين الأخلاقي وغير الأخلاقي؟

مكانة كانط في الفلسفة الحديثة لم تأتي من فراغ على الإطلاق، فنظرياته في الأخلاق وضعت الأساس الفلسفي الرصين لما يسمى بالفكر “الإنساني”، واحترام الإنسان ك”غاية” بغض النظر عن خصائصه

هنا يقول بفكرة “التعميم”، أي أن تتصور الجميع يقوم بنفس العمل، ثم شكل المجتمع، أو العالم حينها. فإعطاء وعود كاذبة عمل غير أخلاقي، لأنه لو تبناه الجميع ستصبح الكلمة بلا قيمة. هنا ينظر كانط للمصلحة العاملة، ليس كسبب للقيام بالعمل الأخلاقي، وإمنا كمعيار لقياس مدى أخلاقيته في البداية.

ربما يرى الكثيرون هذا المبدأ حالما أكثر من اللازم، وأن كانط كونه ينتمي لعصر الفلسفة المثالية الألمانية، قد وضع أساسا غير عملي لقياس الأخلاق. عكس المعيار الديني على سبيل المثال، والذي يعد واضحا وصريحا، ويسهل فهمه بالنسبة للعامة. إن كانط يجيب على هذه النقطة بنسفه فيرى المعيار الديني للأخلاق أكثر غموضا، كونه لا يعتمد على أسس واضحة إطلاقا، فأنت دائما تحتاج لمفتي من نوع ليملي عليك ما هو أخلاقي، وليس من المستبعد أن يستغلك هذا المفتي كوسيلة لتحقيق هدف ما، وليست كل الحروب الدينية وما صاحبها من إبادات وجرائم إلا نتيجة لذلك. والكارثة هنا أن المسيحي مثلا حين يغزوا إفريقيا باسم الرب ثم يقتل الرجل في وطنه ويعود بزوجته سبية إلى روما، يرى الأمر أخلاقيا لمجرد أن البابا يرى ذلك. فهنا تم تبرير القتل والاغتصاب والسرقة بجرة قلم من رجل دين.

الفرق بين الحب والاحترام:

هنا يرى كانط أن الحب هو شعوري فردي بالدرجة الأولى، وليس من المعقول أن يحب الشخص مجتمعات بالمجلة، أيا كان الرابط المشترك معهم، ولك كامل الحق في أن تحب/لا تحب شخصا ما، لكن الاحترام حق طبيعي، يولد مع الإنسان ويموت معه. لا علاقة له إطلاقا بلون الشخص أو أصله أو دينه. وهنا يرى كانط نفسه تفوق على الأديان بمراحل كون المتدين الملتزم أو ما نسميه الأصولي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن “يحترم” ديانة مختلفة، وأي خطاب غير ذلك هو مجرد ديبلوماسيات تتبناها الرموز الدينية. فالأخ في جميع الأدبيات الدينية هو “الأخ في الدين”، وغير ذلك هو شخص غريب يمكن نعتبره إنسانا من الدرجة الثانية –في أحسن الأحوال-.

إن مكانة كانط في الفلسفة الحديثة لم تأتي من فراغ على الإطلاق، فنظرياته في الأخلاق وضعت الأساس الفلسفي الرصين لما يسمى بالفكر “الإنساني”، واحترام الإنسان ك”غاية” بغض النظر عن خصائصه أو أفكاره، وهذا من ما يجعلنا نحترم كانط كفيلسوف وكإنسان. في النهاية لتقرأ كانط، حاول أن تتجنب الأعمال المعقدة في البداية، كنقد العقل المحض أو الكتاب الذي كان بين أيدينا، وابحث عن أعمال تشرح أعماله وهي متوفرة بكل اللغات تقريبا وفي أغلب المنصات الرقمية.

عن موقع حكمة