في ذكرى رحيله..90 عاما على مشاركة القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية

في ذكرى رحيله..90 عاما على مشاركة القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية

إعداد: رفعة عبد الرزاق محمد

في اليوم الثاني من نيسان من عام 1989 توفي الفنان العراقي الكبير محمد القبانجي رأس المدرسة البغدادية الجديدة في أداء المقام العراقي وأبرز مؤديه في القرن الماضي، فضلا عن نجاحه الكبير في تجديده ودفعه الى الأمام وجعله فنا موسيقيا فاخرا تجتذب إليه قطاعات واسعة من الجمهور.

ولد محمد عبد الرزاق الطائي في بغداد عام 1904، وعمل مع والده في سوق الشورجة في مهنة القبانة حتى لقب بالقبانجي واشتهر بها، غير أن أباه كان عارفا بالمقام ويجالس قراءه، فاخذ ابنه محمد منه حب المقام ومعرفة أصوله، فضلا عن ارتياده مقهى قدوري العيشة في الشورجة وكانت ملتقى أهل المقام ومحبيه. ولم يصرفه العمل التجاري عن الفن، فأجاد قراءة المقام وهو ما زال شابا، فذاع صيته في العشرينات، وهو أول من سجلت له شركات التسجيل ما أبدع به من قراءة وغناء. وترأس الوفد العراقي لمؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932. لقد أضاف محمد القبانجي الشيء الكثير الى القراءة البغدادية للمقام وابتكر بعض المقامات ومنها مقام اللامي. ويعد تجديده لأداء المقام العراقي نقلة كبيرة في مسيرة الموسيقى العراقية، واستطاع رغم مخالفيه من أنصار القديم ان يخلق مدرسة مقامية واضحة الملامح، واستطاع تلامذته من الحفاظ عليها حتى أصبحت طريقته المثلى لدى القراء، ومن تلامذته الفنانون يوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن خضر. إن اسم محمد القبانجي ظل لامعا الى يومنا، لا يدانيه اسم آخر في سماء الفن العراقي.

ان المدرسة القبانجية في تاريخ المقام العراقي اصبحت هي المدرسة السائدة في اداء المقام للأسباب عديدة في مقدمتها تهذيب ألفاظ غير العربية المصاحبة الى عدد من المقامات العراقية واعتماد الاصوات المناسبة للقراءة فلا يصح ان يؤدي المقام صوتً غير مناسب بذريعة معرفة اصول المقامات ولا سيما القديمة. لقد ترك لقارئي المقام من بعده تراثاً فنياً جديراً بالتفكير والتنويه.ومن الطرائف في هذا الصدد ان يتوفى الرعيل الاول من مقلدي الاستاذ القبانجي وهو على قيد الحياة، أمثال ناظم الغزالي ويوسف عمر وعبد الرحمن خضر و عبد الرحمن العزاوي وسواهم.

مؤتمر الموسيقى العربية 1932

الاستاذ سعدي السعدي الباحث الموسيقي المرموق، وضع كتابا مهما عن الاستاذ القبانجي، ومما ذكره في الكتاب عن مشاركة القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة سنة 1932:

في اول خبرعن المؤتمر ذكرت جريدة العراق الصادره في 25/1/1932 وتحت عنوان:( مؤتمرللموسيقا العربيه يمثل فيه العراق) نصه:

ذكرت زميلتنا البلاغ المصريه،انه سيعقد في شهراذارالقادم مؤتمرللموسيقى العربيه في مدينة القاهره يحضره مندبون يمثلون العراق وسوريا وفلسطين ومراكش والجزائر وتونس واليمن وسيقوم هذا المؤتمر بالابحاث الخاصة بالموسيقى العربيه والاقطار الشرقيه وتحضرة عدة فرق موسيقيه عربيه من البلاد التي ستشترك فيه لتعزف الات موسيقاها.

الى جانب دعوة اكثرمن عشرين شخصية من اقطاب الموسيقا العالميه ومنهم د هنري فارمر من انكلترا و د هاينتز من المانيا والاستاذ بلا بارتوك من المجر والاستاذ رؤوف يكتابك من تركيا و......

ولندع كل التفاصيل وما تناولته الصحف في بغداد وقتها من مواقف واقاويل مثيرة للجدل... سافرالوفد يوم 10 اذار 1932و الذي ترأسه فريد عصرنا القبانجي وفرقته الموسيقية المكونة جميعها من يهودالعراق . عزوري هارون عود - يوسف زعرور قانون - يوسف بتو سنطور - صالح شميل جوزه - ابراهيم صالح رق - يهودا موشي طبله.

المؤتمر استمرمدة اسبوع للفترة من 28 اذار- 3 نيسان 1932 والذي حضر حفل الافتتاح الملك فؤاد وشارك العراق بنخبة من المقامات والاغاني ونشيد عراقي من تاليف الشاعر خضرالطائي والحان واداء القبانجي مطلعه:

ملك النيل سلام لك ماغنى حمام

وشدا في الروض طير وسرى في الدهرعام..

فاستحسن الملك فؤاد هذا النشيد ايما استحسان كماصرح بذلك القبانجي عند عودته للعراق...

وايضا مارش جلالة الملك ( رمزالاخوة بين العراق ومصر) ومقام بهرزي واغنيه نالت اعجاب المشاركين وانتزعت التصفيق من قبل الملك فؤاد وجمهور الحاضرين...

ي حفلة اخرى الفصل الاول:

قدم الاسطورة استاذنا الكبيرالقبانجي فيها سمفونية المقامات العراقيه (الابراهيمي) مع بستة تراثيه / ما دار حسنه بشمر وايضا اغنية جديده من كلمات والحان واداء القبانجي والاخيره لم تسجل على الاقراص.

الفصل الثاني: مقام بنجكاه مع اغنية ايضا من كلمات والحان وغناء القبانجي: خالي العشك بطران ايضا لم توثق مع الأسف.

وما ان انتهى القبانجي من فقراته حتى نهض د محجوب ثابت فألقى جملة بلهجة الحزم كما تقول الصحافة المصريه قائلا ( هكذا يلقى الشعر خذوا عن هذا المطرب يااخواني...)

بعدها انصرف الاسطورة القبانجي وفرقته المتألقه لتوثيق نخبة من المقامات العراقيه والاغاني فكانت حصة العراق هي الاعلى رصيد من بين جميع الدول المشاركه وقد بلغت 31 قرص بعض المقامات سجلت على 3 اقراص وبعضها 2 واخرى 1

منها للقبانجي 24 و7 اقراص للفرقة عزفا منفردا وقامت بالتوثيق شركة جرامفون الانكليزيه تحت اشراف الاستاذ منصور عوض بينما بقية البلدان من 3-4 اقراص.

جوائز المؤتمر: حقيقة لم تكن هناك جوائز كما ثبتها الشاعر عبود الكرخي بجريدته الكرخ الاسبوعيه وانما جائزة ذات مغزى فني وموسيقي ومقامي كون القبانجي هواول استاذ مقام استطاع وبموهبته المتفردة ايصال هذا الفن النبيل الى اسماع المشاركين في المؤتمر وكان موضع احترام وتقديروحظي بالتكريم...

وهنا لا بد من الاشاره ان الاستاذ القبانجي لم يغن نغم اللامي وانما سجله عزفا وعلى اداة العود عزوري هارون على قرص برقم ج.س 36

المقامات التي وثقها القبانجي بصوته في المؤتمر 9 هي:

رست - ابراهيمي - منصوري - مخالف - بهرزي - بنجكاه - حسيني - مدمي - شرقي دوكاه .

ماذا قال المشاركون عن القبانجي؟:

المجري بيلا بارتوك

(لم يقدم اي فنان عربي سواه من الالوان الريفيه او لون المدينه اداء عظيما مملوء بكل المقومات الدراماتيكيه، وحتى استطيع القول بأن المؤدي العراقي ارتفع الى مستوى الذروه في الاداء الموسيقي).

اماالمستشرق الالماني د هاينتز فقال: العراق هو الحجر الثمين في المؤتمر.

وللشاعرالمصري الكبير احمد شوقي رأيه: هذا تراث عظيم وانت ياعراقي فنان كبير.

وماذا قالت سيدة الغناء العربي ام كلثوم:

اتمنى وجود استاذي ابوالعلا محمد ليسمع هذا الصوت الذي لم نسمع مثله قط.

الحقيقه وللتاريخ ان من يستمع لمقامات والاداء المذهل لسيد المقام العراقي ورمزه الشامخ القبانجي ان الذي ادى في مؤتمرالقاهره سنة 1932 هو غير القبانجي الذي غنى في بغداد سنة 1925 بداية انطلاقته المقاميه...