البطـالــة وآليــات التأثــير عليهـــا

البطـالــة وآليــات التأثــير عليهـــا

محمد عبد الأمير عبد
تعتبر البطالة ظاهرة ذات أبعاد مختلفة، فهي ظاهرة اقتصادية تبين وجود خلل في النشاط الاقتصادي، كما تعتبر في نفس الوقت ظاهرة اجتماعية لما لها من آثار اجتماعية على تركيبة المجتمع. و لعل البعدين الاقتصادي و الاجتماعي للبطالة يزيدان من تعقيدها و يفرضان اعتماد وسائل تحليل متعددة لفهم طبيعتها و آثارها و من ثم محاولة تحديد آليات التأثير عليها.

و لعل الغالب في تحليل ظاهرة البطالة هو اعتماد المقاربات الاقتصادية و الاجتماعية من أجل فهم و تفسير الظاهرة. و لذلك نجد العديد من الدارسات الاقتصادية تحاول فقط فهم الظاهرة من وجهة نظر محددة دون محاولة فهم العلاقات المعقدة و السببية التي تؤثر في البطالة و كيفية تغير الظاهرة نفسها في حالات عامة و خاصة أو حالات نمطية.
وانطلاقا من هذه التحليل فإنه يبدو من الضروري لفهم طبيعة البطالة أن يتم اعتماد مقاربتين مختلفتين، و اعتماد في نفس الوقت التحليل العام و الخاص لهذه الظاهرة. فمحاولة فهم الظاهرة وفق أبعاد مختلفة يساهم في دقة التحليل كما يؤدي إلى معرفة العلاقات المسببة لظاهرة و كيفية تغيرها، و من ثم أمكن طرح بعض التصورات النظرية و الواقعية للبطالة انطلاقا من تحليل معمق.
و لعل تزايد معدلات البطالة في البلدان النامية و العربية خصوصا يؤكد هذا الطرح، فرغم كل السياسات التي وضعت عبر العقود الماضية. إلا أنها لم تمكن من تخفيض معدلات البطالة، بل التوقعات المستقبلية تتوقع تزايد معدلات البطالة بنسب كبيرة حوالي 3% سنويا في المنطقة العربية حسب منظمة العمل الدولية.
فالتوقعات المستقبلية تشير إلى منحى تصاعدي في معدلات البطالة، و هذا رغم المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تحققها بعض البلدان العربية كارتفاع معدلات النمو، و زيادة معدل الاستثمارات، و انخفاض معدلات التضخم. و رغم كل البرامج و السياسات التي تطبق من أجل تسهيل خلق مناصب عمل للفئات التي تعاني أكثر من غيرها البطالة، إلا أن معدلات البطالة لم تنخفض بصورة من شأنها أن تدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
هذا الأمر يؤكد أن السياسات الموجهة لتخفيض معدلات البطالة تنطلق من مقاربات تفترض أن البطالة ترتبط ارتباطا مباشرا مع النمو، فكل زيادة في معدلات النمو لا بد أن تتوافق مع انخفاض نسب البطالة، فتحليل الدراسات القياسية للعلاقة بين النمو الاقتصادي و البطالة لا يشير عادة إلى وجود اتجاه عام و موحد، كما لا يمكن إيجاد علاقة ذات اتجاه واحد بين النمو و البطالة، أي أن زيادة النمو يؤدي إلى تخفيض في نسب البطالة بطريقة آلية. و الدليل الواقعي هو أنه رغم أن متوسط النمو المحقق في البلدان العربية كان في حدود 5.6 في المائة سنوياً في السنوات العشر السابقة، إلا أن هذا الأمر ارتبط بانخفاض يكاد يكون دون اثر فعلي في نسب البطالة للسنوات العشر الماضية بحيث انخفضت من 14.9% إلى ما نسبته 13.4% وهي نسبة انخفاض ضئيلة جداً.
و كذلك فإن معدلات النمو المحققة في بعض البلدان العربية البترولية و إن كانت مرتفعة إلى حدا ما إلا أنها لم تتمكن من تخفيض البطالة بنسب كبيرة، و الملاحظ أن حتى ما تم تحقيقه استلزم وقتا طويل مابين 7 إلى 10 سنوات مقابل تخفيض بحوالي 3% إلى 5% في نسب البطالة.
في نفس المجال تؤكد دراسات البنك الدولي أن نسب النمو المحققة و المتوقعة بالنسبة للدول العربية تعتبر غير كافية لتحقيق انخفاض معتبر في معدلات البطالة و خلق مناصب عمل تتناسب مع زيادة عرض العمل في السنوات القادمة. و يفترض البنك الدولي أن تخفيض نسب البطالة يجب أن يتوافق مع تحقيق معدلات نمو اقتصادي حقيقية ما بين 6% إلى 7%سنوياً على المدى الطويل.
لهذا فإن محاولة فهم كيفية التأثير على البطالة يجب أن ينطلق من فهم طبيعة العلاقة مع المتغيرات الاقتصادية الأخرى كالنمو، الاستثمار، معدل الأجور و نسبة التضخم. و بما أن العوامل السابقة تتداخل في ما بينها و ترتبط كلها بالتغييرات الحاصلة في البنية الاقتصادية، فإن تحليل التغيير ينطلق أساسا من ربط البطالة بالتغيير الحاصل في قدرات الاقتصاد على التغيير أي مع النمو الاقتصادي باعتباره أهم مقياس للتغيير الاقتصادي الكمي. ولهذا تعتبر السياسات الاقتصادية الداعمة للنمو هي نفسها سياسات القضاء على البطالة.