مراجعات في المنجز اللغوي لعبد الحق فاضل

مراجعات في المنجز اللغوي لعبد الحق فاضل

حمزة حسان الأعرجي

برع الأستاذ عبد الحق في علم (التأثيل) في اللغة، وهو حقل صعب لاكتشاف الحقائق التي أفلتت من ذاكرة التاريخ، و قد نجح بتفوق في هذا المجال، إلا إنني أختلف معه في عدة مواضع من كتابه (قصص من اللغة) مثلا في (ص 5)عن كلمة (بَس) التي تعني فقط و التي قال إنها فارسية. لكنني وجدتها عربية، وردت في كتاب (تأثر العربية باللغات اليمنية القديمة) للأستاذ هاشم الطعان في (ص33) التي يقول عنها:

((وهذهِ الكلمة تقال في زجر الدابة (بَس – بَس) – بالفتح – وهي من كلام أهل اليمن)). و ثمة اختلاف آخر جاء في (ص 156) يقول فيها: ((في بداية الترجمة عندنا عن اللغات الأوربية في العصور الحديثة، صادف احد المترجمين المصريين في الفرنسية , وترجمته بالدقة:(طريق الحديد (Chemin

ويظهر إن صاحبنا المترجم كان ضعيف- والصحيح ضعيفا- في اللغة تغلب عليه العامية، فما كان منه إلاّ أن وضع كلمة (سكة) بدل طريق فصار التعبير (سكة الحديد).)). غير إنني وجدت أن كلمة سكة ليست عامية ! فقد وردت في كتاب (نقائض جرير و الفرزدق) ص113 و ص732مانصه: ((و دار إسحاق بن سويد ألعدوي في سكة المربد.. و في أيام معاوية بن أبي سفيان اشتهر مسجد بني قيس في سكة المربد)). و في ص127 من الكتاب نفسه يقول: ((و واضح أن أثل (السحر) العربية من (شحيرو) وهي ((الشعرى)). و الصحيح أن كلمة ساحر مصرية قديمة مركبة من (سا) أي (ابن) و (حر) أي (شمس) و كان الساحر في عهد الفراعنة يدعى (ابن الشمس).

لقد كانت كتابات العلامة عبد الحق فاضل هي رَدّ منطقي على جهود يائسة بذلها الغربيون و أتباعهم للقضاء على اللغة العربية، فقد حاول الفرنسيون إحياء لغة البربر في الجزائر و المغرب العربي، و حاول الانجليز دعم فكرة الفرعونية بدعوة وليم ولكوكس إلى ترك اللغة العربية و حروفها و استبدالها بالحروف اللاتينية، وقد أفشل هذه الدعوة الأستاذ المرحوم أحمد كمال بمحاضرة ألقاها في مدرسة المعلمين الناصرية بالقاهرة عام 1914، قال فيها: ((إعلموا أيها السادة إن كثرة مطالعتي في اللغة المصرية القديمة منذ كنت في الثامنة عشرة من عمري إلى أن بلغت الستين، اكتشفت أن اللغة العربية و اللغة المصرية القديمة من اصل واحد..)) و على هذا الأساس بدأ احمد كمال في كتابة معجمه العربي المصري وأخرجه في 22 جزءاً، و يتضمن كل جزء احد الحروف الهيروغليفية، و عندما طلب من وزارة المعارف طبعه على نفقتها رفض العالم الفرنسي (لاكو) مدير مصلحة الآثار المصرية آنذاك الموافقة على طبعه وهكذا قضي على هذا المعجم وطواه النسيان !

إن الغرض من محاربة اللغة العربية هدفه خلق صراع بين عناصر الأمة وتمزيقها.. ويذكر الأستاذ رجاء النقاش في كتابه (أدب وعروبة) ص 123-127مانصه: ((كما تعالت أصوات نشاز بالدعوة إلى الفينيقية كقومية منفصلة عن الوطن العربي، فيقول (اودونيس) علي احمد سعيد، ويسمي نفسه حيناً آخر (مهيار الدمشقي) تيمناً بمهيار الديلمي، يقول في إحدى نثرياتهِ: ((بلادي امرأة من الحُمّى / جسر من الملذات يعبره الفراعنة / وتصفق لهم حشود الرمل..)). بهذه العبارات يتشكى اودونيس من دخول الفرعون وجيوشه سورية عام 1287 ق. م، و هي السنة التي وقعت بها معركة (قادش) بالقرب من نهر العاصي بين الجيش المصري بقيادة الفرعون (رمسيس الثاني) وجيش الحثيين بقيادة (موتللي) الذي استولى على معظم الأراضي السورية و استعبد أهلها، فانتصر عليه المصريون وتم تحرير سورية من قبضته. أما في لبنان فقد اصدر الشاعر (سعيد عقل) جريدته (لبنان) بالحرف اللاتيني و باللهجة المحلية في مطلع الحرب اللبنانية عام 1975، فسخر منها القراء و أهملوها، ثم تبعه شاعر اخر هو (يوسف الخال) صاحب مجلة (شعر) الذي رد عليه الفنان منصور الرحباني في جريدة (النهار) بقوله: ((إنها عامية رديئة تفوق رداءة العامية التي يكتب بها سعيد عقل..)). علماً ان المؤرخين القدماء و المعاصرين قد اجمعوا على ان الحروف الفينيقية هي ام جميع الحروف اللاتينية و العربية، ويذكر المؤرخ الإغريقي هيرودتس: ((إن قدموس الفينيقي قد جاء إلى بلاد الإغريق و علمنا الكتابة وحروف الألفا بيتا وعلمنا صناعات و حرفاً أخرى)). كما يجمع مؤرخو اللغات أن اللغة العربية (القرشية) هي اقرب بل تطابق اللغة الفينيقية – الكنعانية – القديمة ! يقول الأستاذ (مفيد عرنوق) مترجم كتاب (اللآلئ) لكبير كهنة اوغاريت (أيلي ميلكو) ص12: ((إن اللغة الكنعانية تعتبر اصل اللغات السامية، أي اللغة الأم التي تفرعت عنها باقي اللهجات..)).

وهنا أودّ أن اذكر كلمة نشرتها مجلة (الكاتب) المصرية بعددها السابع في أكتوبر – تشرين أول – من سنة 1961 ص 190: ((إن المستشرق الأمريكي (جان فان أس) قد دفعه حبه للغة العربية إلى تأليف كتاب في قواعدها، وكتب في إحدى مقالاته عنها:((إن اللغة العربية تحتوي على عظمة اللاتينية، وتنوع الانجليزية وجمال الايطالية و رقة الألمانية، ومرونة اليونانية، و فتنة الروسية، و الذي يحسن العربية يتوسع بأفكارهِ أكثر من أي لغة غيرها ويقدر أن يعبرّ عن أية ألفاظ عصرية بدون أن يستعير حرفاً واحداً من غيرها، و إن الأولين الذين ابتدعوا فأتقنوا وكّملوا هذا اللسان البديع يستحقون الإكرام الأبدي..)).

و ختاماً أودُ أن أقول: رحمك الله يا عبد الحق فاضل، ورحم الله كل من يحب لغة القران.

نص المحاضرة التي ألقيتها في ندوة قسم اللغة العربية في كلية الآداب - جامعة الموصل بتاريخ

13/ 5/ 2009.