ذكريات رمضانية من الجيل الماضي

ذكريات رمضانية من الجيل الماضي

إعداد: ذاكرة عراقية

أبــــو الـــــشوادي

كتب الاستاذ عزيز جاسم الحجية في بغدادياته:

من المشاهد التي تستهوي الصغار والصبيان في محلات بغداد وازقتها مشهد (ابو الشوادي) الذي يقود قردا بسلسلة حديد تطوق عنقه واعتاد اطفال بغداد ان يروا هذا (القرداتي) ينقر على دنبك _معلق في رقبته _ نقرات خاصة لايجيدها سواه....

اعلانا لمقدمه كما اعتادوا الا يروه الا ومعه (خيزرانة رفيعة) يستعين بها على ترقيص قرده بين الاطفال والصبيان المجتمعين حوله الذين دفع كل منهم اليه قطعة من النقود لاتتجاوز (البيزة --هي عملة هنديه كانت متداولة في العراق وهي تعادل الفلسا واحدا) الواحدة.والمعروف ان القرد حيوان مشهور بقابليته على محاكاة حركات الانسان وهو لن يكون صالحا للترفيه عن الاطفال الا بعد قيام صاحبه بتدريبه على بعض الحركات التي تؤنس المشاهدين.

يبدأ ابو الشوادي بالنقر على الدنبك والقرد واقف على رجليه وقد رفع يديه الى فوق كما تفعل الراقصة تماما ثم يقفز بالهواء قفزات بهلوانية وبعد ذلك يوعز له صاحبه بأيجاز بعض الحركات وفق اسئلة معدة لهذا الغرض منها:اشلون يمشي السكران؟ويكون جواب القرد عليه ان يمشي مترنحا ذات اليمين وذات الشمال وهو يتطوطح (يفقد توازنه)...اشلون الراعي ايسوك الغنم؟ وهنا يأخذ القرد عصا معلمه ويضعها خلف رقبته ممسكا بها بكلتا يديه ليقلد الراعي في سياسة غنمه ثم يسأله صاحبه: اشلون تنام العروس؟ او أشلون تنام العجوز؟ فينام القرد على الارض ويؤدي الحركات التي تعلمها من صاحبه على اربعة وعشرين حباية , والصغار حوله فرحون مستبشرين , وبعد ان ينتهي ابو الشوادي من تقديم الذي تتناسب مدته مع التقود المجموعة من الاطفال يغادر مكانه الى مكان آخر وعندئذ يركض خلفه الاطفال مصفقين يهتفون (شادي وراك الحية اركص ونطيك شاهية) ويعتقد البغداديون ان اصل القرد انسان مسخه الله قردا لانه (تمسح)برغيف خبز وقد ذكروه في امثالهم فقالوا (مثل الشادي تنطيه يخلي ايده على رأسه متنطيه يخلي ايده على عجيزته) مضروبا لمن يعيش على التكسب من اماديح الناس فان اعطى رضى وان لم يعط سخط والمعروف ان ابو الشوادي نفسه علم قرده ان يؤدي التحية امن يعطيه شيئا من النقود وان يضع يده على عجيزته عقابا لمن حرمه. وقالوا (الشادي بعين امه غزال) مضروبا فيما لروابط القربى من أثر في تحبيب القريب وهناك امثال كثيرة غير ماذكرنا كان للقرد فيها دور بارز.

أماسي رمضان

ذكر الأستاذ صادق الازدي الصحافي العراقي الرائد:

لقد كانت لرمضان عند أهل بغداد قدسية وحرمة خاصة، فترى معظم الناس يؤدون فرض الصيام وأغلب العوائل كانت تدفع أبناءها عليه، وكانت بعض الدكاكين تتحول إلى محال لبيع (الزلابيا والبقلاوة وشعر البنات) وأذكر أنه قبيل الإفطار كانت والدتي تطلب مني أن أسال عن الوقت، فأضطر للوقوف في باب دارنا أسأل كل من يمر، وقد لا يمر من يحمل في يده ساعة بعد ذلك كنا نذهب أنا وبعض الصبية من أبناء الطرف وكلٌ منا يحمل بيده (لفة) من الطعام الناشف لنقف في باب الجامع، نترقب مدفع الإفطار وصوت المؤذن فنبدأ بالتهام طعامنا، ونعود راكضين في الأزقة ندعو الناس للإفطار. وكم كان للطوب (مدفع الإفطار) وقع حسن في نفوسنا. حيث تتجمع العائلة حول مائدة الإفطار الذي يندر تعدد أصنافه في غير هذه المناسبات. أما أماسي رمضان فكانت جميلة وساحرة فتجد الكبار يقومون بلعبة (المحيبس) أو (الصينية) وكبار السن يذهبون إلى الجوامع لحضور المجالس الدينية أو لسماع القصص من كتاب يقرأه عليهم شخص يجيد القراءة.أما المحلات العامة فكانت كلها تغلق أثناء النهار ولا تجد من يفطر علناً وذلك احتراماً ذاتياً لمكانه شهر رمضان. أما أنا فكنت أقرأ على بعض أهل الطرف قصص عنتر بن شداد والزير سالم والمياسة والمقداد وشعر عبود الكرخي.

هل تذكرون أكلة (الرشده) ؟

يستعمل الناس غالباً في السحور مع (تمن على رشده) بدلا من المرق... هناك نساء مختصات بقص الرشدة لقاء ثمن تمرّ كل منهن على معميلاتها (زبوناتها) قبيل شهر رمضان فتضرب مع كل منهن موعدا لتلبية طلباتها فتهيئ ربة البيت الكمية المناسبة من الطحين والأدوات الخاصة بفك العجين كالتختة والشيبك وبعد أن تعجن الطحين تنتظره حتى يختمر بعدئذ تبدأ بعملها حيث تطوي كل قطعة عجين طيات خاصة بعد فكها بالشيبك وتقطيعها بالسكين على شكل شرائط لايتجاوز عرضها (1,5 سم) وبعد الانتهاء من قص الكمية المطلوبة تنشر تحت أشعة الشمس حتى تجف أما اليوم فقد استعاضوا عن الرشدة بالشعرية التي تنتجها معاملنا الوطنية..

استقبال شهر رمضان

يتوافد الناس على الجوامع في آخر يوم من شهر شعبان فمنهم من يصعد على سطح الجامع ومنهم من يقف في حوض المنارة لمراقبة هلال شهر رمضان مرحبين بقدومه بنغم لطيف مرددين:(مرحبا بك ياشهر رمضان مرحبا بك ياشهر الخير والبركات). جوقة الدمامات يدور في كل محلة بعد منتصف الليل جماعة من الناس يضربون على الدمامات لايقاظ النائمين في وقت السحور حيث تهيئ أم البيت تمن على رشده مع المريدة أو مع شربت (النكوع) كما توقظ جميع أفراد العائلة حتى الصغار الذين لاتشملهم فريضة الصيام وهؤلاء يوقظون للاستمتاع بليالي رمضان والتعود على تلك الصفات الحميدة منذ الصغر.

طعمة الجار

تختار أم البيت ثلاثة أو أربعة أنواع من الطبخات التالية في كل يوم تختلف عن اليوم الآخر،ومن عادة البغداديين هو (طعمة الجار) حيث تطبخ مادة من مواد الفطور بكمية كبيرة توزع منها للجيران، ومن العادات المعروفة في بغداد هي أن لايعيدوا ماعون طعمة الجيران فارغا فلابد من (طعمة بطعمة)،لذا فإن أم البيت تختار لفطور عائلتها ثلاثة أو أربعة أنواع من الأطعمة، وقبيل الفطور تتجمع في الصينية أنواع أخرى جاءتهم من الجوارين.