عبدالاله عبدالقادر
في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كان نجيب سرور يتربع على عرشين يتكابران به، ولا يتعالى بهما، هما الشعر والمسرح.
لم يكن شاعراً بسيطاً أو سطحياً في أفكاره وقصائده، ولم يكن أيضاً إلا كاتباً ومخرجاً طليعياً.. شهدت له المسارح في مصر.
نجيب سرور كان يستعير حكايات التاريخ لا فلسفته، ليعيد صياغتها وليتحدث عن حياة الناس البسطاء، عن كل الشرائح الاجتماعية وكل أحلامها وأمانيها ومآسيها، وحياتهم وصراعاتهم.
لم يعش طويلاً فقد قتلته الكلمة التي كان يطلقها كسلاح ضد كل اضطهاد، أو ظلم، حتى استطاعوا أن يحيلوا الكلمة إلى صدره ليموت مذبوحاً بالقهر.
ولد عام 1932، درس الإخراج المسرحي ثم بدأ بالعمل منذ عام 1964 حتى عام 1972 حينما مرض، وظل يصارعه حتى صرعه.. وكان قد كتب وهو في المستشفى مسرحية «منين أجيب ناس» وكانت أنشودة مطرز بالتراث المصري الغني، وحينما تقرأ هذه المسرحية تشعر وكأنه يريد أن يودع الذين أحبوه، أو يعاتبهم لأنهم لم يذكروه، أو بالأحرى لم يؤبنوا وفاته وهو حي.
أصل الحمام عمره ما ينسى
حنينه، ولا ينسى أسيّة
طب واحنا ليه دايما ننسى
زوروني.. لسة الروح فيّه
لقد أثرى نجيب سرور مكتبتي الشعر والمسرح خلال فترة قصيرة، عاشها مبدعاً، فقد صدرت له مجموعة شعرية باسم التراجيديا الإنسانية عام 1967، ومسرحيته الشعرية ياسين وبهية عام 1965، وآه ياليل يا قمر، رائعة مسرحية أصدرها عام 1968، ثم قولوا لعين الشمس، ومنين أجيب ناس، إضافة إلى دراسة نقدية عن المسرح، وأعمال كثيرة لم تنشر حسبما معروف عنه، إذ سبقه المرض، ثم الرحيل قبل أن يلملم أوراقه ليسلمها للأجيال من بعده، كما لم يهتم أحد على جمع هذا التراث الأدبي ـ الفني.
كان نجيب سرور إضافة إلى كونه شاعرا حساسا وكاتبا مبدعا فهو مخرج أكاديمي، درس الإخراج ومارسه في إخراج روائع المسرح العالمي.
نجيب كان أحد الأعلام المبدعين، ومسرحيا مفكرا يتحسس آلام قومه، ليس المسحوقين والناس التي تحت فحسب بل وعلى مستوى قضايا قومية، ومواقفه الوطنية إزاء الاحتلال البريطاني أو التدخل الأجنبي عموماً، لذا نجد معظم مسرحياته ملاحم شعبية نادراً ما تجدها عند غيره فهو صاحب مدرسة متخصصة ومتميزة في الكتابة المسرحية.
(كله كلام وبس / سكتك يا بوزيد مسالك/ دنيا ماشية بظهرها/ وشها أصبح قفاها/ وقفاها وشها/ يبقى نعمل زيها../ نمشي برضو بظهرنا/ بس مين.. مين اللي يفهم) وحينما مات في منتصف السبعينات، كانت ميتته تراجيدية، ولكنها هزت أوساطاً كثيرة، وبلا شك ندم العديد من المسؤولين الذين لم يدعموا نجيب سرور في إبداعه، وحياته، وكتاباته، فمات مقتولاً بكلمته وفكره ووطنيته وإنسانيته.