متخصصون:  البلاد لم تشهد خلال السنوات الماضية  مشاريع إستراتيجية

متخصصون: البلاد لم تشهد خلال السنوات الماضية مشاريع إستراتيجية

بغداد/ علي الكاتب
أكد عدد من المتخصصين في الشأن الاقتصادي أن الفترة الماضية والسنوات الثمانية الأخيرة لم تشهد انجاز أية مشاريع إستراتيجية مهمة، لاسيما في مجالات البنى التحتية وقطاع الخدمات، بالرغم من تخصيص موازنات مالية ضخمة الدنانير لتنفيذ مثل تلك المشاريع في عموم المحافظات بالشكل التي تتطابق فيه مع المواصفات الهندسية والفنية المعتمدة في العراق.

وقال الدكتور حافظ العلواني التدريسي في جامعة النهرين إن هناك الكثير من المشاريع المنفذة خلال السنوات الماضية خصصت لها ميزانيات مالية كبيرة كونها مشاريع إستراتيجية وحيوية، إلا أن واقع تنفيذها لا يدعو لذلك، إذ أن عدد من مشاريع التبليط والبناء وشبكات المياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف الصحي والمجسرات وغيرها تحمل دلالات واضحة تشير بوضوح الى مستوى التردي في نوعية التنفيذ وبطئه ورداءة المواد المستعملة فيها ومخالفته للمواصفات الفنية القياسية العراقية، الأمر الذي يدعو الى تفعيل الجهات الرقابية الفنية منها الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية.
وأضاف ان ذلك من أسبابه السماح بدخول البضائع المستوردة منها مواد البناء كالأسمنت من النوعيات الرديئة التي لا تتطابق مع المواصفات العراقية، مما يعكس واقعا غير ملموس حول قلة الملاكات الهندسية والفنية المتخصصة في الإشراف على تنفيذ مثل تلك المشاريع، فضلا عن قلة الخبرات المكتسبة لدى الكثير منهم، إلى جانب أن بعض تلك الملاكات تشارك او تدير عددا من المشاريع في آن واحد، الأمر الذي لا يتيح لها المشاركة الحقيقية وتحقيق الكفاءة في العمل او الإدارة المطلوبة للمشروع وضمان تحقيق شروط سيطرة نوعية في التنفيذ.
وأشار إلى إن رداءة التنفيذ في كم كبير من المشاريع المنفذة حاليا وتدني مواصفات الجزء الباقي منها من التي تم تنفيذها خلال السنوات الأخيرة، له مؤشرات لمستوى الفساد الإداري والمالي الذي تغلغل إلى معظم تلك المشاريع، من خلال التقارير التي تصدر من المختبرات الإنشائية في إصدار التقارير النهائية لمشاريع لا يطابق تنفيذها مواصفات الجودة والكفاءة، وكمثال على ذلك في عقد المقارنة البسيطة بين مواصفات طرق المرور السريع التي أنشئت قبل أكثر من عشرين عاما، مع غيرها مما أنشئ مؤخراً.
فيما قال الخبير المهندس علاء الشروفي أن إحالة مقاولات ومشاريع لمنفذين غير كفوئين ومن دون خبرات سابقة، مما يؤشر وجود مؤشرات لتفشي الفساد مما أدى بالتالي إلى خلق خلل جوهري في تلك المشاريع، لاسيما أن التوقف عن تنفيذ مشاريع متردية المواصفات يعد في الوقت الحاضر ضمان لثروات البلاد، لحين تحقق إجراءات فعالة وضامنة لضبط تنفيذ المشاريع بالمواصفات المعتمدة.
وأضاف: أن ضبابية الأسس التي تسبق تنفيذ المشروع كدراسة الجدوى الاقتصادية ومراحل التنفيذ ومواصفاته تؤدي بنحو كبير إلى نتائج سلبية، في حين أن الكفاءة الهندسية والخبرة العملية متوفرة في العراق من خلال تراكم الخبرات ووجود ملاكات فنية وهندسية، لكن إحالة الكثير من الأعمال الإنشائية لجهات غير كفوءة، مع سوء إدارة المشاريع ومخالفة المواصفات وتجاوزها وما يرافقها من حالات الفساد المالي والإداري نتجت عنها مشاريع فاشلة، وواقع خدمي متردٍ.
وتابع أن من أهم الحلول الناجعة لهذه المشكلات العمل على الاستفادة من خبرات أعداد كبيرة من مهندسي مؤسسات الدولة خلال الحقبة الماضية، من العاملين في مشاريع هيئة التصنيع العسكري المنحلة لما يمتلكونه من خبرة هندسية تنفيذية طوال عقود من الزمان، والاستفادة كذلك من الكوادر الهندسية والفنية الحديثة من الحاصلة على شهادات علمية عالية في مجالات اختصاصاتها،وفي ذلك تحقيق مصالح مشتركة في رفع مستوى الأداء في تنفيذ المشاريع والقضاء على البطالة وتشغيل الأيدي العاملة وتوفير فرص العمل لمخرجات الجامعات والكليات والمعاهد.
وقال حسين الفكيكي المدير المفوض لشركة النخيل للمقاولات الهندسية والإنشائية إن المشاريع المنفذة حاليا تفتقر لكونها مشاريع إستراتيجية كبيرة تهدف إلى تحقيق التطوير في البنى التحتية برغم تخصيص مبالغ مالية كبيرة لها، فضلا عن افتقار المشاريع لمواصفات الجودة، حيث من المهم هنا الرجوع لقاعدة البيانات التي تصنف المقاولين العراقيين بحسب خبراتهم وكفاءتهم من جهة، والى طبيعة وحجم المشاريع التي تم تنفيذها في الفترة الماضية. ولفت إلى أن الفساد بجميع أشكاله والذي استشرى إلى أغلب مراحل التنفيذ في عدد كبير من المشاريع، من دراسة الجدوى وإعلانها وإحالتها ومتابعة تنفيذها، ناهيك عن أن بعض المشاريع تقاس بالمقاس لشركات معينة أو لمقاول بذاته، كشكل من إشكال الفساد الذي أبعد شروط كفاءة المشاريع المنفذة ورصانة المواصفات العراقية التي تعتمد على جداول المواصفات الفنية.
وأشار إلى أهمية الخبرات العراقية في التعامل مع المواصفة الصحيحة، لاسيما أن العراق يتميز بالرغم من الأزمات الاقتصادية المتكررة بسبب الأحداث غير المستقرة التي رافقت السنوات الأخيرة، والتي تعد مؤشرات لتحديات تواجه اقتصاديات الكثير من البلدان التي تعاني من ظروف مشابهة، إلا أن سوء الإدارة التنفيذية وتأثير الفساد الإداري والمالي، وغياب الشفافية في إحالة المشاريع وتنفيذها، أفرزت واقعا مريرا بانعدام وجود المشاريع الإستراتيجية الكبيرة، فضلا عن انعدام وجود المشاريع الناجحة، إذ لا يوجد مشروع خدمي ناجح بشكل متكامل وان بدت بعض ملامح النجاح في بعضها، وخاصة ما نشاهده على ارض الواقع من فشل ورداءة في التنفيذ مثلا في مشروع خدمي لآخر.
فيما قال الخبير الاقتصادي أمير فوزي إن ممارسات الفساد الإداري والمالي التي تسببت بهدر أموال طائلة من ميزانية الدولة، أعاقت كثيرا تنفيذ مشاريع خدمية في مختلف المجالات، مع الغياب الواضح للحلول لتلك الأزمات الخدماتية وعلى رأسها أزمة الكهرباء بسبب كثرة الوعود التي يطلقها المسؤولون في تلك الوزارة.
وأضاف أن عدة عوامل تسهم في عرقلة تنفيذ المشاريع الإستراتيجية وتنفيذها على وفق المواصفات العراقية، منها ظاهرة الفساد التي تسببت بهدر أموال طائلة خلال السنوات الماضية، كما أعاقت انجازها مشاريع خدمية في مختلف المجالات، فضلا عن وجود أشخاص كوسطاء في المعاملات التجارية والاقتصادية التي تكون الدوائر الحكومية طرفا فيها على الصعيدين الداخلي والخارجي، والذين يجنون أموالا طائلة من دون مقابل.
وأضاف أن تراجع ثقة الجهات التجارية الدولية والشركات الأجنبية، بالوفود التجارية والاقتصادية العراقية الرسمية، حيث أن الوفود العراقية التي تذهب إلى الخارج بهدف التعاقد مع شركات أجنبية لشراء معدات أو مواد غذائية أو إنشائية أو عمرانية، تطلب من الشركات الأجنبية نسبة عمولات قبل توقيع عقود معها، الأمر الذي أدى إلى تراجع إنجاز المشاريع وتدني جودة المواد المختلفة المستوردة لصالح البلاد.
وأشار إلى أهمية معالجة هذه الظاهرة بشكل سريع،لاسيما أنها أصبحت صفة تلازم الصفقات والعقود التجارية والاقتصادية والتي نجمت عنها انفتاح الأسواق بشكل كبير على المنتجات والسلع المستوردة غير الجيدة بفعل استشراء الفساد المالي والإداري، لاسيما في ظل تصريحات أعلنت عنها الجهات الحكومية عن إنفاق نحو 300 مليار دولار طوال السنوات الأربع الماضية على قطاعات الدولة المختلفة، خصص منها بنحو 20 مليار دولار لقطاع الكهرباء، إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن البـــــــــــــــــــلاد لا تزال تعاني من أزمة حادة في مجال الطاقة تنعكس سـاعات تقنين طويلة بالتيار الكهربائي في فصل الصيف الحالي.