منصور البكري..وداعاً

منصور البكري..وداعاً

ضياء الحجار

تلقيت فجر هذا اليوم خبراً صادماً ومؤلماً الى حد الفجيعة. من المانيا. هو خبر رحيل اخي وزميلي في مجلتي والمزمار واكاديمية الفنون الجميلة الفنان منصور البكري.. وما يزيد الخبر ايلاماً هو رحيله بعد خروجه بأيام قلائل من اقامة في المستشفى استمرت لاكثر من شهر تم خلالها التأكيد على سلامته وشفائه من قبل الاطباء.

ولربما حرصاً منه على ان لا يثير قلق اصدقائه ومحبيه لم يخبرنا منصور عن طبيعة مرضه ومم يعاني. كان يكتفي عند سؤاله عن سبب دخوله المستشفى بالقول بانه يخضع لفحوصات روتينية. وهذا ما كان يطمئن الاصدقاء عن حاله و لكن كان ما يطمئنهم أكثر هو مواصلته رسم البورتريهات التعبيرية المذهلة لاقطاب ومشاهير العالم من على سرير المستشفى باداء فني متصاعد وباستمرارية وحيوية ونشاط لا تشي باي متاعب صحية لمبدعها (و يشهد بذلك كل من كان يتابع اعماله المنشورة على الفيسبوك خلال الشهر الماضي) حتى اخر يوم له في المسنشفى حيث اعلن عن نهاية رحلته العلاجية ومعها انجزخلالها مايتجاوز الاربعين لوحة فنية حيث نفدت فيها كل الوانه وخامات أعماله.

أي عظمة كانت لدى هذا المبدع العراقي وهو يرسم من على سرير المشفى وأي حب وشغف كان يكنهما لفنه وهو يواصل ممارسته بارتقاء متعاظم حتى وهو على اعتاب الموت..؟!.زار منصور البكري بلده العراق مرتين وكانت زيارته الاولى على ما اتذكر في العام 2011 بدعوة من دار ثقافة الاطفال . و تلتها زيارة ثانية في العام التالي . في زيارته الثانية واثناء استضافتي له في بيتي قال لى بانه عازم على ان يترك من بعده بصمة فنية لا تمحى وانه لذلك يرسم ويرسم . ولا يكاد ان يفوت ساعة دون ان يستغلها في الرسم وانه بعد هجرته من بلده العراق اضطراراً فى اوائل الثمانينات التحق بالدراسات الفنية العليا هناك وانه كان مميزاً من بين طلابها واثيراً لدى اساتذته ومشرفيه وقد نال ما يعادل شهادة الدكتوراه فيها واراني بحثه الشيق عن الفتاة الصغيرة الحالمة. تزوج منصور من فتاة المانية ورغم علاقتهما الزوجية الطيبة الا انهما تطلقا. و قد طلق بعدها كل علاقاته النسائية وتفرغ تهائياً لفنه حتى اصبح راهباً من رهبان الرسم.

و قبل سنوات قلائل اختفى منصور من على صفحات التواصل وظل محتجباً لما يقارب السنتين وقد تناهى لأصدقائه ومحبيه في العراق بانه كان مريضاً ولما عاد بعدها استبشرنا بعودته وسألناه عن سر انقطاعه وحقيقة متاعبه الصحية ، فاجابنا باختصار بانه بخير ولا داعي للقلق وانه احتجب حزناً على رحيل بعض اساتذته واصدقائه الماناً وعراقيين. ثم عاد بحيوية ونشاط ليملاً الدنيا رسماً ومنشورات شيقة .. واليوم نكتشف ومن خلال منشور الدكتور خزعل الماجدي بان سبب المعاناة الصحية الدائمة لمنصور والتي دخل المستشفى على اثرها كانت هي ضعف قلبه . وعندما خرج من المستشفى سليما معافى اقام له اهله واصدقاؤه حفلاً بالمناسبة حضره فيمن حضراحد المصابين بكورونا فنقل له ولاخيه الاكبر طارق فايروس الوباء وبما ان قلب منصور كان في حالة نقاهة ومناعته ضعيفة . فلم يتحمل وطأة الوباء كما يبدو ففارق الدنيا ولازال شقيقه طارق يصارعه .كتب الله له السلامة.

ومنصور البكري آخر الاربعة الكبار الراحلين خلال سنة من نجوم مجلتي والمزمار في عصرهما الذهبي بعد صلاح جياد وبسام فرج والمصصم والخطاط فيهما الدكتور بلاسم محمد وكان الفنان مؤيد نعمه النجم الاول الذي سبق الجميع في رحيل مبكر عام 2005.

اعزي العراق برحيل منصور البكري هذه القامة الفنية الشامخة وخصوصاً الاجيال العراقية التي تربت على عطائه الفني المميز في مجلتي والمزمار وسلاسل الكتب التي رسمها واعزي اهل الراحل العزيز و وزملائنا في ثقافة الاطفال ومن كل الاجيال التي عملت فيها. نم يا حبيبنا يا منصور قرير العين فقد توسدتك القلوب قبل ان يتوسدك الثرى .. انا لله وانا اليه راجعون