مصرع الملك غازي.. لغز وشبهات

مصرع الملك غازي.. لغز وشبهات

نجدة فتحي صفوة

الواقع ان مقتل الملك غازي من القضايا المحيرة التي اختلفت فيها الاراء والروايات وسهر الخلق جراءها واختصموا ولعلها ستظل في ضمير الغيب او قد يظهر في مستقبل الايام دليل يلقي الضوء او تكشف وثيقة جديدة كانت مفقودة او مخبأة فتحل هذا اللغز وكم في التاريخ من احداث بقيت اسبابها سرا دفينا وكم فيه من الحقائق التي اكتشفت بعد اجيال او قرون كان جوابي الذي اكرره في كل مرة انه ليس من شأن هذا الحادث ان يذكر في وثيقة رسمية

وليس من شان الوثائق المفتوحة وتلك التي لم تفتح ان تلقي أي ضوء على هذه القضية وحتى لو افترضنا ان الملك غازي قتل بتدبير بريطاني فليس من الممكن ان تكون هنالك أي وثيقة رسمية تدل على ذلك. فما نوع الوثيقة التي يمكن ان توجد عن هذه القضية.. اننا لن نجد مهما بحثنا كتابا او برقية من وزارة الخارجية الى سفيرها في بغداد تقول:

نظرا لموقف الملك غازي المعادي الى بريطانيا وضرورة التخلص منه فقد تقرر قتله بطريقة تبعد الشبهات عن حكومة جلالته يرجى اتخاذ مايلزم في هذا الشان واعلامنا..

ولم نجد مطلقا برقية من السفير تقول.. لقد تم تنفيذ عملية اغتيال الملك غازي يرجى اعلامكم..الخ...

والواقع انه حتى لو كان مقتل الملك غازي مدبرا فمن المستبعد جدا ان تنفيذ العملية بواسطة السفارة واغلب الظن ان السفير يفاجأ كما يفاجأ الكثير من الناس.. فامثال هذه العمليات لاتمارس بواسطة السفارات لانها في حالة اكتشافها تكون فضيحة ولا ترغب أي دولة في تحمل نتائجها وانما بواسطة اجهزة اخرى قد تعمل بعمل السفارة او بمعزل عنها تماما.ولو دبرت الحكومة البريطانية مثل هذه العملية فانها لم تكن لتفعل ذلك عن طريق المراسلات والتقارير وانما بتعليمات شفوية عن طريق رجالها وعملائها الذين كانوا منتشرين في شتى مرافق العراق في ذلك العهد.. ان السفير البريطاني الذي كان في تقاريره يؤكد الضغط على الملك غازي او التخلص منه وهو السير موربس بيترسون وقد اشار الى ذلك في مذكراته التي نشرها فيما بعد بعنوان (جانبا الستار) ولكن لهذا السفير تقارير سرية بعث بها الى وزارة الخارية بنفس المعنى وبصراحة اكثر ولم تدون على هذه التقارير أي اشارات او تعليمات تدل على الاجراءات التي اتخذت بشأنها وقد نقل هذا السفير الى مكان اخر قبل ثلاثة اشهر وكان يقضي اجازة في مكان ما عند وقوعه وهنالك تقرير سري من القائم بالاعمال في السفارة (هيدسون بوزيل) عن كيفية سماعه بالحادث وما قام به في منتصف الليل والتقرير موجه الى وزارة الخارجية ولايمكن ان يغالط القائم بالاعمال فيكتب الى مرجعه تقريرا كهذا لو كان له علم سابق بالامر. او لو نفذت العملية بمعرفة السفارة لذلك فاذا كان مصرع الملك غازي قد تم بتدبير بريطاني حقا واذا كانت هنالك عن الحادث وثيقة ما فانها لم تكن محفوظة بين وزارة الخارجية او مجلس الوزارة او أي وزارة من وزارات الاحدى عشرة التي تفتح بعد مرور ثلاثين عاما عليها ولو وجدت مثل هذه الوثيقة فانها تكون محفوظة بدائرة الاستخبارات العسكرية البريطانية وثائق هذه الدائرة ولا ترسل الى مراكز حفظ السجلات العامة ولذلك لاتفتح مع غيرها من الوثائق بعد مرور المدة التي يقررها القانون. ومن المعروف ان الدكتور سندرسن كان قد استدعي الى قصر الزهور الى اثر وقوع الحادث وهو يشير في مذكراته الى ذلك فيقول:انه طلب حضور الدكتور صائب شوكت ايضا لانه أراد ان يكون معه طبيب عراقي دفعا للشبهات والتقولات في مثل هذا الحادث الخطر وقد حدثني الدكتور صائب شكوت قبل بضع سنوات..فقال انه رأى في راس الملك فجا كادت يده الضخمة ان تدخل فيه لسعته ولما ذهب الى محل الحادث شاهد العمود الذي اصطدمت به سيارة الملك وكان العمود مثبتا بكتلة كونكريتية ضخمة ولكنه كان قد اقتلع من اساسه والتوى باتجاه معاكس باتجاه السيارة من شدة الصدمة او هكذا قيل له وكان الدكتور صائب شوكت في حديث معي جازما في اعتقاده ان مثل هذا الاساس الكونكريتي المتين لايمكن ان تقلعه سيارة مكشوفة من طراز 1937 او 1938 وانه لايؤمن بوقوع الحادث قضاءً وقدراً.

من كتاب (احاديث في التاريخ)