علي حسين
لوكيوس سينيكا، فيلسوف روماني ولد عام خمسة للميلاد في قرطبة ، أدرك إن واجب الفلسفة هو السعي لتنمية قدرات العقل، فاذا كانت الفلسفة ضرورية فهي لابد من السعي إليها وفي ذهننا الغاية العملية. وعلى الرغم من أن سينيكا ينتسب من الناحية النظرية الى الفلسفة الرواقية ومذهبها الحتمي، فإنه يؤكد إن لكل انسان بوصفه موجوداً عاقلاً، القدرة على أن يسير في طريق المعرفة لو انه فقط أراد ان يفعل ذلك.
خلال حياته، كان سينيكا قد شهد وواجه كوارث هائلة ومآسٍ شخصية، كان يهيئ نفسه كي يعمل في السياسة، لكنه في أوائل حياته أصيب بالسل، حيث بقى طريح الفراش، ما أدى الى تفرغه للقراءة وإطلاعه على كتب أرسطو فنراه يكتب”أدين بحياتي للفلسفة».
كان سينيكا قد رفع لواء العقل، فنراه يكتب لأحد أصدقائه طلباً منه نصيحة لمواجهة مشكلة كبيرة: حالما نتعامل بعقلانية مع ما سيحدث، حتى لو لم تتحقق رغباتنا، سندرك على نحو كبير إن المشكلات الضمنية أصغر من حالات القلق التي تولدها”. ويرى سينيكا أن الوصول الى الحكمة، هو ألا نحاول أن نصعب الأوضاع السلبية عن طريق ردود فعل من الغضب والاشفاق على الذات والمرارة والقلق، وأن نحاول تنمية قدرة العقل في كشف الواقع، ويرى سينيكا أن في استطاعة الإنسان أن يشعر بالسعادة حين يتمكن استخدام عقله في الوقت المناسب.
وقد استطاع سينيكا أن يرى بوضوح، وأن يؤكد، توقع اهتمام الناس بأهمية المعرفة ومكانة العقل مستقبلاً كتب سينيكا:”يجهل العديدون اليوم سر خسوف القمر. ولم يتم تعريفنا بذلك إلا حديثاً. وسوف يجيء اليوم الذي ينجح فيه الزمان ومثابرة بني البشر في إيضاح مشكلات تبدو مستغلقة الآن. نعم سيجيء يوم يُدهش فيه أخلافنا من جهلنا بأسباب ستبدو واضحة لهم”. قام سينيكا بالتوسع في الكلام عن أهمية العقل وإن الإنسان يستطيع أن”يحلق فيه بين النجوم».
يقول هيغل إن سينيكا:”صاحب أعمق وأوسع تأثير على عقلية عصرنا بصفة عامة، وعلى شكل ومضمون الفلسفة. إذ لم يلقَ أي كاتب روماني أو حتى إغريقي تقديراً كالذي لاقاه سينيكا»
وعلى الرغم من أن سينيكا ينتسب من الناحية النظرية الى الفلسفة الرواقية ومذهبها الحتمي، فإنه يؤكد إن لكل انسان بوصفه موجوداً عاقلاً، القدرة على أن يسير في طريق المعرفة لو انه فقط أراد ان يفعل ذلك.
يكتب سينيكا:” إن معرفتنا للأروع، العقل والخير والفضيلة تبدأ من المعرفة التي تعطينا إياها العينان، التمييز بين ما نراه ليلاً ونهاراً، قد هدانا، إلى معرفة الزمن وهذه الصبوة أوصلتنا الفلسفة، ولم يحظ الناس بنعمة أكبر من نعمة العقل هذه”. يصف ميشيل اونفري كتابات سينيكا بانها وصفة وجودية فعالة للحياة: “ لا يهم من أين أتت أو ما إذا كانت”. كان سينيكا، قد كتب أننا يجب أن نبدأ كل يوم من خلال التفكير بعمق في كل عذاب يمكن أن تلحقه الحياة بنا، وهو يطالنا بأن نفكر في كل شيء، ونتوقع كل شيء. خلال حياته، شهد سينيكا في حياته كوارث هائلة ومآسيَ شخصية، كان يهيئ نفسه كي يعمل في السياسة، لكنه في اوائل حياته اصيب بالسل، حيث بقى طريح الفراش، ما أدى الى تفرغه للقراءة واطلاعه على كتب ارسطو فنراه يكتب “ادين بحياتي للفلسفة”، وكان الفيلسوف الروماني يرى ان المشكلة ليست في قصر الحياة، بل في الاستعمال السيئ للوقت الذي نتوفر عليه، يكتب دو بوتون: “ يجب أن لا نغضب لأن الحياة قصيرة و لكن يجب عوضا عن ذلك أن نستفيد من كل الوقت المتوفر، أشار إلى انه يمكن لبعض الناس هدر آلاف السنين بنفس السهولة التي يضيعون بها سنوات حياتهم، وحتى لحظتها سيشتكون بأن الحياة هي قصيرة جدا. في الواقع الحياة طويلة بالقدر الكافي لنحقق الكثير من الأعمال إذا قمنا بالاختيارات المناسبة، إذا لم نضيعها في الأمور التافهة “ – عزاءات الفلسفة ترجمة يزن الحاج – .
إذن كيف يجب أن نقضي وقتنا حسب سيينكا؟، كان الهدف الأسمى للفيلسوف الشهير، هو العيش في ظل الفلسفة التي وجد فيها عزاءً في مواجهة المحن التي مر بها والتي انتهت باصدار الامبراطور نيرون امرا بان يقتل الفيلسوف المشاغب “ سينيكا “ نفسه على الفور. يخبرنا هيغل وهو يكتب مقالاً يبدي فيه إعجابه بالفيلسوف الروماني، ان سينيكا لم يرضخ للحظات الضعف المعتادة، اذ واجه الواقع عبر موته حيث اسهم في خلق ربط دائم بين جوهر كلمة “فلسفة” ومقاربة هادئة للواقع الكارثي الذي يحيط به..هكذا تتحول الفلسفة الى عزاء في اصعب المحن، وهو ما يؤكده دو بوتون من ان الفلسفة يمكن أن تساعدنا في النظر إلى العالم:” نحن الأنواع الوحيدة القادرة على فهم الكون، حتى ولو بطريقة محدودة، وأعتقد أننا سنفعل جيدًا للالتزام بهذا المنظور، إذا تمكنا من تحرير أنفسنا من نفسنا، فسوف نكون قادرين على تبني وجهة النظر هذه «.
في منتصف عام 65 للميلاد قرر نيرون ان يتخلص من معلمه سينيكا فارسل اليه مفرزة عسكرية الى المنزل، وكان الضابط المسؤول عليها يحمل تعليمات من الامبراطور تنص على وجوب ان يقتل الفيلسوف المشاغب “ سينيكا “ نفسه على الفور. كان نيرون هائجاً وقرر ان ينتقم من كل الذين يعيشون بالقرب منه، بعد ان كُشفت مؤامرة للتخلص منه، فاصدر أوامر بقتل الجميع وكان منهم معلمه سينيكا، برغم عدم وجود دليل يربط الفيلسوف بالمؤامرة، وعندما عرف تلامذة الفيلسوف الروماني بدأوا بالبكاء والعويل، لكن الفيلسوف طلب منهم الهدوء وقال لهم:”لم يكن احد غافلاً عن ان نيرون قاسٍ، اذ بعد ان قتل أمه وأخاه، لم يبق أمامه سوى قتل معلمه ومرشده.
يعتبر سينيكا من اشهر الكتاب والمفكرين الرومان الذين شرحوا في مؤلفاتهم المذهب الرواقي الذي كان سائدا في عصره وتضم اعماله ثلاث مجموعات: المجموعة الاولى تتكون من اثني عشر كتابا تحت عنوان المحاورات. ومنها “ عن الغضب “ و “ عن وقت الفراغ “ و “ عن الحياة السعيدة “. والمجموعة الثانية تضم اربعة اعمال نثرية. والمجموعة الثالثة تضم رسائله. وفي مجال المسرح لديه عشرة اعمال مسرحية ترجمت العديد منها الى العربية.
« عن الغضب “ – ترجمه الى العربية حمادة احمد علي – عبارة عن ثلاثة رسائل وجهها سينيكا الى لوكيوس أنايوس يجيب فيها سينيكا عن سؤال اخيه كيف يكبح الانسان غضبه؟ يتحدث في هذه الرسائل عن اهوال وعواقب الغضب وهل هو انفعال لا ارادي ام يتم بإرادة الانسان؟ ثم يناقش الفرق بين الغضب والقسوة ثم ينتهي بالاشارة إلى معايير تكبح الغضب لدى الشخص نفسه ولدى الآخرين. ونجده يقول ان الغضب لا ينجم عن انفجار جامح للمشاعر بل عن خطأ قابل للتصحيح في التفكير.واستخدم الابتعاد المعرفي وهو ما يطلق عليه تأجيل الرد عن طريق الخروج للتمشي او القيام بأي تغيير يعطيه استراحة من توتر الموقف السابق
وقد اعتقد سينيكا أن الغضب هو جنون مؤقت، وأنه حتى عندما يكون مبررا، يجب ألا نتصرف أبدا على أساسه، لأنه في حين قد “تؤثّر الرذائل الأخرى على حكمتنا، فإن الغضب يؤثر على رشدنا، تأتي الرذائل الأخرى في نوبات خفيفة وقد تمضي دون أن يلاحظها أحد، ولكن عقول الرجال قد تغوص فجأة في الغضب. …وشدّته لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع سببه، فهو قد يصل إلى أعلى المستويات من أكثر البدايات تفاهة».
من المثير للاهتمام أن كتاب عن الغضب لسينيكا وكتاب “ التأملات “ للفيلسوف ماركوس أوريليوس كانا قد هربا الى زنزانة الزعيم الافريقي نيلسون مانيلا الذي قال علمني سينيكا ان اؤمن ان كل الناس يرتكبون الاخطاء، وعلينا ارشادهم وهدايتهم دون ان يتملكنا الغضب