أيام سيد مكاوي الصعبة

أيام سيد مكاوي الصعبة

صادف،، 21 نيسان، الذكرى الرابعة والعشرين لرحيل الموسيقار الكبير سيد مكاوي (1928- 1997)، وهو رجل قادم من حارة شعبية في القاهرة، قبودان. فقير، وفاقد البصر، صعد على سلّم المجد والشهرة، في خمسينات القرن الماضي، بصبر وثبات..

وعلى الرغم من أن 99% من حياته، كما يقول في إحدى مقابلاته، كانت صعبة، فقد استطاع دخول عالم الفن المزدحم بالعباقرة، ووجد لنفسه فيه موطئ قدم، وأصبح نجماً كبيراً، وكانت ألحانه العذبة سبباً في تألق مطربين كثيرين. يفسّر سيد مكاوي، في مقابلة مع محطة “ماسبيرو”، هذا الأمر بكلمات قليلة، فقد كان ثمّة هاويان للنغم، محمود رأفت وإسماعيل رأفت، عندهما مكتبة يبلغ عدد الأسطوانات فيها 5000، كانا يجلسان برفقته ساعات طويلة يومياً، ويستمعون إلى أغاني المطربين القدامى. وكان يجيد الإنشاد الديني، وعنده طموحٌ لأن يعمل مطرباً، ولكنه كان يائساً من وجود فرصةٍ تحقق أحلامه، إلى أن أخذ بيده المخرج أحمد بدرخان، وأعطاه دور ملحن في فيلم “العروس الصغيرة”، فأخرجه بذلك من حالة اليأس. وبعد ذلك غنّى أغنيتين من ألحان عبد العظيم عبد الحق، وانتقل إلى عالم التلحين لنفسه ولغيره.

ويذكر سيد مكاوي إلى أن له أستاذين كبيرين؛ زكريا أحمد الذي يمثل مدرسة التطريب، وسيد درويش الذي لم يلتقه شخصياً لكنه استمع إلى كل أعماله، من المدرسة التعبيرية.. وهنا تجدر الإشارة إلى رفيق دربه الشاعر والفنان الكبير، صلاح جاهين الذي صادف أنه رحل يوم 21 إبريل/ نيسان نفسه 1986. تلاحم ذانك المبدعان في إبداعات ملأت الدنيا وشغلت الناس، من أبرزها الرباعيات الشعرية التي صدرت لصلاح عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (وتجاوزت مبيعاتها 125 ألف نسخة في غضون بضعة أيام)، لحّنها سيد مكاوي، وغناها الفنان علي الحجار، وحققت نجاحاً كاسحاً.. ومن أعمالهما الكبيرة فنياً، الملحمة الغنائية “الليلة الكبيرة” التي أبهرت الناس بكلماتها المغرقة في المحلية، وألحانها الشرقية التي تنساب وتتالى حتى تصل إلى أغنية “يا غزال يا غزال العشق حلال” التي اقتبس منها فهد بلان مقطعين، وحقق بهما نجاحاً طيباً. وللعلم، أعجب مكاوي بما كان يغنيه فهد بلان من ألحان عبد الفتاح سكر، وقدم له عدة أغان، منها “مال واحتجب” و”يابو الطاقية الشبيكة والحزام».

كان سيد مكاوي نجم الإذاعة المصرية بلا منازع. يذكر كاتب هذه الأسطر أن مسلسلاً إذاعياً مصرياً عنوانه “مذكرات المعلم شعبان”، أنتج في أحد رمضانات الثمانينات، وبلغ صيته بلادَنا، فكنا نهرع إلى إذاعة القاهرة في موعد بثه لنصغي إليه، وهو من تأليف الأديب الساخر محمود السعدني، والأغاني لصلاح جاهين، والألحان لسيد مكّاوي، وكنا نطرب، بشكل خاص، لمقدّمته الغنائية، ونندهش من وصف المعلم شعبان الكاريكاتيري الذي يُغَنّى بصوت محمد طه: بعد الصلاه ع الزين وكان يا ما كان، كان فيه أسدْ والاسم كان شعبان، طويل عريض لو دب بإيده الحيطة، يقدر يسلم بها ع الجيران، وله شنب توقف عليه هيليكبتر، مش صقر زي أبو زيد وغيره كمان.

وأما عن علاقة أم كلثوم بسيد مكاوي، فكانت ذات فصول مرحة، تعود إلى اقتراح أن يلحّن لها أغنية “أنساك”. يومها مازحته بقوله: إلك الفخر أن أم كلثوم تغني من ألحانها، فرد عليها: “معاكي حق، بس أنا مرة رحت البقال واشتريت حاجات، وعطيته بدل الفلوس “فخر” ما رضيش ياخد..”. وفي تسجيل نادر يظهر صلاح جاهين على المسرح مع علي الحجار الذي يلعب دور سيد مكاوي، ويلتقي بأم كلثوم، ويُسمعها لحن “يا مسهرني”، فيعجبها اللحن كثيراً، وتقول إن خفّة دم سيد مكاوي تظهر جلية في ألحانه..

أخيراً: يقول صلاح جاهين، حرفياً: سيد مكاوي بيقدر يلحّن كلام الجورنال، ويخليك تحبه.