((كفاح الشعب)) الجريدة الشيوعية الأولى في العراق

((كفاح الشعب)) الجريدة الشيوعية الأولى في العراق

د, مؤيد شاكر الطائي

بعد سفر فهد الى موسكو، اخذ عاصم فليح على عاتقه تأسيس « جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار «. ففي 8 اذار 1935 وتلبية لدعوى عاصم فليح الموجهة الى شيوعيي بغداد والناصرية والبصرة، عقد الاجتماع التأسيسي في احد بيوت بغداد القديمة،

حضره ممثلو خلايا بغداد والجنوب. انعقاد المؤتمر السابع للكومنترن في موسكو في 25 تموز 1935 فرصة ثمينة امام الحزب الشيوعي العراقي للاشتراك في المؤتمر والوقوف على اوضاع الاحزاب الشيوعية الاخرى، والعمل على ربط الحزب الشيوعي العراقي بالكومنترن،او في اقل تقدير الحصول على اعتراف منه. في وقت كانت فيه الاحزاب الشيوعية العربية معترفاً بها وعلى علاقة قوية بهذه المنظمة الشيوعية. وقد اتخذت اللجنة المركزية لجمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار خطوة جريئة بتغيير اسمها الى « الحزب الشيوعي العراقي « بشكله الصريح وذلك في اجتماع لها اواسط تموز 1935. وفي نهاية الشهر نفسه اتخذت خطوة لا تقل اهمية وجرأه عن الخطوة الاولى،وذلك باصدار صحيفة سرية ناطقة بلسان الحزب، بأسم « كفاح الشعب «، التي اصر عاصم فليح على ان تحمل صفة الناطقة بلسان الحزب، مخالفاً في ذلك رأي عدد من اعضاء اللجنة المركزية الذين عدوا هذا الاجراء خطوة سابقة لأوانها وتزيد من ملاحقة رجال الشرطة لهم. والواضح ان عاصم فليح كان يخطط لحضور اجتماع الكومنترن وهو يمثل تنظيماً حزبياً شيوعياً متكاملاً يساعد في الحصول على اعتراف سريع به.

اصدر الشيوعيون جريدة « كفاح الشعب « في اواخر تموز 1935، وصدر منها حتى ايلول 1935 ثلاثة اعداد فقط، اذ توقفت بعد اعتقال رئيس التنظيم عاصم فليح،فقد صدر العدد الاول في اواخر تموز 1935، والعددان الثاني والثالث في شهر اب 1935. ويبدو ان اعتقال عاصم فليح قد اثر كثيرا في مستوى التنظيم، لاسيما في استمرار صدور جريدة « كفاح الشعب «. الا ان اصراره وهو داخل السجن على وجوب الاستمرار في اصدارها ليثبت للشرطة بأنه ليس زعيماً للتنظيم، كما ذكر في التحقيق، قد دفع بقية الاعضاء وفي طليعتهم زكي خيري الى اصدار العدد الرابع في تشرين الاول 1935، ثم العدد الخامس في تشرين الثاني 1935،اذ اعتقل بعدها بقية اعضاء الهيئة المؤسسة، فأصدر التنظيم الشيوعي العسكري العدد السادس والاخير في كانون الاول 1935.

كانت جريدة « كفاح الشعب « متواضعة، جاءت في(8 -12) صفحة بنصف حجم الجرائد اليومية الصادرة في بغداد. وكان غلافها قرمزي اللون من الورق الخفيف، مطبوعة بالآلة الكاتبة. وقد اوضح زكي خيري الطريقة التي كانت تطبع بها بقوله:» كانت الجريدة تكتب بالآلة الكاتبة على الورق الشمع وتستنسخ بآلة الاستنسال «. وكان عدد النسخ المطبوعة حوالي (500) نسخة للعدد الواحد، وبسعر عشرين فلسا للنسخة الواحدة. وكتب عليها « كفاح الشعب جريدة تصدرها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي»،وحملت على غلافها صورة المطرقة والمنجل وتحتها النجمة البلشفية الحمراء. وتحت اسم الجريدة كتب «لسان حال العمال والفلاحين»، وفي الجانب الايمن من الجريدة كتب عبارة « تصدرها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي «، وفي الجانب الايسر كتب نصاً من البيان الشيوعي الصادر عام 1848 «فلترتعش الطبقات الحاكمة امام الثورة الشيوعية، فليس للبروليتاريا ما تفقده سوى قيودها واغلالها وتريح من ورائها عالماً باسره «، ونص اخر» وما الحكومة الا خديم تحرس على مصالح الطبقة الرأسمالية بسحق الطبقة العاملة واستغلالها «. ولم يظهر الشعار الشيوعي « يا عمال وفلاحي العالم اتحدوا « وشعار شيوعيي العراق « يا عمال وفلاحي العراق اتحدوا « الا في العدد الثاني من الجريدة.وابتداءاً من عددها الرابع الصادر في تشرين الاول 1934 كتب عليها» لسان حال العمال والفلاحين والجنود».

ميزت الجريدة نفسها عن باقي الجرائد في عددها الاول بعدم تقديمها برنامج ووعود لا يمكن تحقيقها وليس لها من الاهمية سوى خداع الشعب للوصول الى كرسي الحكم، واوضحت ان اهدافها تسير على وفق خطة منظمة بحسب ما تبتغيه المصلحة والظروف السائدة. واعلنت تبنيها القوة والعنف في طرد المستعمرين وسحق المستثمرين. وان القوة والعنف هذه تتمثل بسواعد العمال والفلاحين وجميع الطبقات المسحوقة .

ضمت الجريدة موضوعات متنوعة سياسية واقتصادية واجتماعية، فضلا عن التعليمات التنظيمية التي كانت اللجنة المركزية تصدرها الى الشيوعيين والاهداف التي كانوا يسعون الى تحقيقها،وكانت تكتب على الصفحة الاخيرة من الجريدة.

كان ابرز ما تناولته الجريدة من موضوعات سياسية، هجومها على وزارة ياسين الهاشمي الثانية، اثر اعتقال عاصم فليح، فقد وصفتها بانها وزارة تجسس ورجعية سوداء،اذ انها تسخر رجال الشرطة وتصرف الاموال للتجسس ومراقبة العاملين ضد سياستها من الاحرار .

من جانب اخر شجبت الجريدة طريقة اجراء الانتخابات النيابية في البلاد ووصفتها «بالمهازل الانتخابية التي تزيد من جرم الحكومة وظلمها «. وعارضت التجنيد الاجباري، موضحة ان معارضتها ليس لفكرة التجنيد بحد ذاتها لانها من مقتضيات الاستقلال، وانما المعارضة لتطبيقها في وقت يخضع فيه العراق للنفوذ والاحتلال البريطاني، مما جعل هذا الجيش اداة بيد المستعمر واعوانه من البورجوازية والاقطاع فاصبح الجيش جيش قمع لا جيش ردع كما حدث ابان الحركات العشائرية.ونددت الجريدة بالوجود البريطاني في العراق، وطالبت بالغاء المعاهدة العراقية – البريطانية لعام 1930 مع بريطانيا، ومصادرة ما يملكه البريطانيون من مصارف وحقول نفط وسكك حديد .

اما بشان السياسة العربية، فقد احتجت الجريدة بأسم عشرات آلاف عمال وفلاحي العراق على سياسة بريطانيا الاستعمارية تجاه شيوعيي فلسطين بالتضييق على نشاطهم واعتقالهم وعدم تنفيذ مطاليبهم باطلاق سراحهم بممارسة النشاط السياسي العلني، على الرغم من اضرابهم في السجن .

وعلى صعيد السياسة الدولية هاجمت» كفاح الشعب» الحكم النازي الالماني والفاشي الايطالي، فكلاهما تبعا لوجهة نظرها،كان حكماً ارهابياً فرض قسراً على الالمان والايطاليين بقوة السلاح. ونددت بالغزو الايطالي للحبشة. وهاجمت سياسة الاستعمار البريطاني في العالم المبنية على اساس سياسة « فرق تسد» وما آلت اليه من قيام حرب اهلية، كما حصل في الهند بين الهندوس والمسلمين. وفي الوقت الذي هاجمت فيه السياسة البريطانية،اثنت على السياسة السوفيتية بعد قيام الثورة البلشفية (ثورة اكتوبر 1917) التي حررت الاقليات القومية والشعوب الضعيفة التي كانت تحت الحكم القيصري حتى اصبحت جمهوريات عمال وفلاحين سوفيتية مساوية لروسيا نفسها، مثل تركمانستان وارمينية واذربيجان واوزبكستان.واثنت على السياسة السوفيتية في الاهتمام في بناء المشاريع الصناعية في الجمهوريات المستقلة .

في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، تحدثت الجريدة عن حتمية الصراع بين العمال ومستغليهم الرأسماليين. وانتقدت نظام الاقتصاد الرأسمالي وما الت اليه الاوضاع الاقتصادية ابان الازمة الاقتصادية العالمية (1929-1933) من تدهور في معظم دول العالم لنهجها الرأسمالية، ماعدا الاتحاد السوفيتي الذي احرز تقدماً كبيراً على الرغم من ظروف الازمة،وعللت ذلك بمحاسن النظام الاشتراكي. وتحدثت عن سوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعمال والفلاحين وباقي فئات الشعب المسحوقة فأشارت الى طول ساعات العمل بالنسبة للعامل العراقي مع قلة الأجور، واوضحت ان سبب ذلك، عدم وجود قانون يحمي ويضمن حق العامل الذي اصبح كالآلة حينما تعطل ترمى خارج المعمل متى اراد صاحب العمل.وقد طالبت برفع اجور عمال السكك الحديد العراقية التي لا تتعدى ال (40) فلسا للعامل،وهذا الاجر لا يتناسب مع العمل الشاق الطويل الذي يبذله العامل العراقي مقارنةً مع ما يتقاضاه الموظف البريطاني صاحب الراتب والمخصصات الضخمة. واستنكرت اسلوب معاملة عمال هذه المنشآت بطردهم عند مرضهم او انقطاعهم عن العمل.وعدم دفع اجور معالجتهم عند المرض. وحثت العمال على الاضراب العام كي ينالوا حقهم، على ان تقود هذه الاضرابات لجنة من العمال انفسهم معروفة باصرارها ونزاهتها، وان تجعله اضراباً يشمل كافة عمال السكك.

لم يكن اهتمام الجريدة بالفلاحين يقل عن اهتمامها بالعمال. فكتبت عن ظلم الشيوخ وقسوتهم واستغلال جهد الفلاح،واستمرار معاناة الفلاح من امراض الملاريا والبلهاريزيا والجدري والكوليرا .وطالبت بالغاء السركلة وتوزيع الاراضي الاميرية على فقراء الفلاحين، والغاء قانون واجبات الزراع، والافراج العام عن جميع المشتركين في الحركات العشائرية، وتخفيض الضرائب المفروضة على الفلاحين بشكل يتناسب مع انتاجهم، والغاء قسم من الديون المتراكمة منذ سنين طويلة التي تكبل الفلاحين واولادهم حتى الممات.

على الرغم من هذه الجوانب الايجابية فإن الجريدة لم تخل من بعض المآخذ ابرزها هجومها القاسي على رئيس الوزراء ياسين الهاشمي والانتقاص من قيمته واتهامه بالفساد الاخلاقي الأمر الذي دفع الحكومة الى مطاردة الشيوعيين والقاء القبض على عدد من قياديهم كما سبق القول،الامر الذي يكشف اندفاعهم وقلة خبرتهم في ممارسة العمل والنشاط السياسي.والواضح ان الجريدة عكست حقيقة التبعية للاتحاد السوفيتي من خلال نشر بيانات الاممية الشيوعية واهتمامها الواسع بمقررات مؤتمرها السابع عام 1935، التي عدتها واجبة التنفيذ كخطوط عامة لمسيرة الحزب الشيوعي العراقي، فضلا عن تمجيدها التاريخ الشيوعي وماركس وانجلس، بينما لم تظهر اي اشاره الى التاريخ العربي الاسلامي والى القضايا العربية المصيرية. وفي سياق القضايا الداخلية جاء انقلاب بكر صدقي ووزارة حكمت سليمان عام 1936 ليكشفا موقف الحزب من تلك القضايا، بكل ما انطوى عليه ذلك الموقف من نقاط ضعف ونقاط قوة يمكن تأشيرها في ضوء ما يرجح انه سياق تاريخي عام لا خاص.

عن رسالة (الحزب الشيوعي العراقي 1935ــ 1949)