من وثائق الحركة الوطنية في العراق..وثيقة نادرة عن ثورة العشرين في بغداد

من وثائق الحركة الوطنية في العراق..وثيقة نادرة عن ثورة العشرين في بغداد

رفعة عبد الرزاق محمد

كتب الكثير عن احداث الثورة العراقية الكبرى عام 192 وتاثيرها السياسي والاجتماعي في تاريخ العراق الحديث. حتى ان الكثيرين ذهبوا الى ان تأسيس الدولة العراقية كان من نتائج هذه الثورة، عندما اخذت بريطانيا تفكر جديا بتأسيس تلك الدولة، وعلى الاقل مظهريا وفق بعض من مطاليب الحركة الوطنية المشاركة في الثورة.

وما ان انتهت الثورة، حتى شرع الكتاب والمؤرخون يوثقون احداثها ورجالها وما الت اليه. غير ان فقدان الكثير من وثائق الثورة، اسوة بكل احداث التاريخ العراقي الحديث، ادى الى ان يجهد المهتمون بالامر بالبحث عن أي ورقة او رواية لها صلة بالموضوع.

وقد تمكن صاحب هذه السطور من الاتصال بوثيقة طريفة، لم تنشر سابقا،ولم يشر الى موضوعها مؤرخو الثورة العراقية الكبرى عام 1920، اما كاتبها فمجهول، غير انه يبدو من المتصلين بحادث الوثيقة اتصالا وثيقا، ولعله من المشتركين به اشتراكا فعليا. وقد اهديت هذه الوثيقة وسواها الى المركز الوطني لحفظ الوثائق في منتصف سبعينيات القرن الماضي، يوم كان الاستاذ سالم الالوسي مديرا للمركز، بحضور الاستاذ عبد الجبار العمر.

واليك نص هذه الوثيقة:

(صورة ما وقع من المذاكرة بين بوليس حكومة الاحتلال والوطنيين الثلاثة) . . . ارسل معاون مدير البوليس في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم السبت 24 رمضان (1338) الى ثلاثة اشخاص هم عارف حكمت افندي (1) والسيد سلمان الشيخ داود (2) وطه افندي محاسب المدرسة الاهلية (3) . يطلب حضورهم الى قسم التحقيقات الجنائية من دائرة البوليس الواقعة في خان دلة (4) يوم الاثنين 26 رمضان (5) في الساعة العاشرة صباحا. وقد انتشرت هذه الدعوة بين طبقات الشعب انتشارا كبيرا. وفي اليوم الثاني من الدعوة اغلق الاهالي الدكاكين والاسواق وكاد يحدث بعض الاخلال بالامن لولا ان الشيخ مهدي البصير خطب في جامع الميدان ليلة الاثنين حاثا الشعب على السكينة وأيد خطاب جعفر جلبي ابو التمن. فسكنت النفوس ولبت دعوة الشيخ البصير.

وفي صباح يوم الموعد ذهب المدعوون الثلاثة وعلى وجوههم امارات الحزم ودلائل الثبات وقد رافقهم قسم من الشبان الوطنيين (6) . وكان هناك جمع غفير من الناس مجتمع امام ادارة البوليس فهتفوا لهم هتافا عاليا. ولما حان الوقت دخل المدعوون خان دلة. وادخلوا في غرفة معاون مدير البوليس. وقال المعاون: لقد طرق سمعنا انكم انتم العاملون في اقفال الدكاكين يوم 21 حزيران في الوقت الذي ذهب فيه المندوبون (7) لمقابلة ممثلي الحكومة ونحن وان كنا لانتوقع حدوث شيء من هذه الاعمال من امثالكم الا اننا احبنا الاستفهام عنها لانها مما تخل بالنظام العام فنرجوا ان لا يتكرر الحال.

فأجابه عارف افندي: ان المظاهرات التي وقعت للمندوبين فقد اشتركنا بها نحن الثلاثة مع جمهور عظيم من الاهالي وان الاحتفاء بالموفدين امر مستحسن في جميع البلاد المتمدنة اما اغلاق الدكاكين والاخلال بالامن فهذا خلاف منهجنا ولا يتصور صدوره من امثالنا وثقوا بأن الاخبارات كاذبة لفقها الجواسيس.

المعاون: ليس لنا وقت واسع في استخدام الجواسيس في مثل هذه الامور التافهة ولكن الناس انفسهم يأتون لاخبارنا. . . ان اقل حركة تقع في السوق تحدث اضطرابا عند اليهود فيتركون اعمالهم ويختفون.

عارف افندي: لا فرق بين المسلمين والمسيحيين واليهود وان تربة العراق هذه – واشار بيده الى الارض – مشتركة بينهم، وكلنا جسم واحد اذا اشتكى منه عضو واحد تالمت الاعضاء الاخرى.

المعاون – متوجها الى السيد سلمان الشيخ داود وهو يضحك -: انك صغير السن كثير الحذر والخوف فقد علمت انك اضطربت من تذكرة الدعوة.

السيد سلمان: ان الخوف والاضطراب ليس لها محل في قلبي ويجب ان تثق بان ليس بين العراقيين من يخاف، وقد عجبت من اسنادكم اغلاق الدكاكين الينا، حيث ان ذلك عمل تافه يخالف موقعنا الاجتماعي اذ نحن نخدم امتنا بتحرير الجرائد والقاء الخطب وغير ذلك من الامور الشريفة العظيمة.

وفي الاخير كتب المعاون اسم عارف افندي في ورقة ثم قال مبتسما: اني سأدعوك لمعاونتي في غلق الدكاكين في المستقبل.

وهكذا انتهت الجلسة بطلب المعاون من المدعوين معاونتهم في استتاب الامن. ثم خرجوا فتلقاهم الوف من الاهالي بالهتاف الشديد والتصفيق الحاد.

الهوامش

عارف حكمت (1883-1963) ، ولد ببغداد والتحق بالحكومة العربية في دمشق. عاد الى بغداد واشترك في الحركة الوطنية الاستقلالية، وفر من بغداد متنكرا في اب 1920، فمضى الى النجف واشترك في الثورة المسلحة، وقبض عليه بعد انتهاء الثورة. دخل الوظيفة الحكومية حتى وصل الى درجة المتصرف ثم انتخب نائبا.

سلمان الشيخ احمد الداود (1897-1977) ، عين كاتبا في محاكم بغداد في عهد الاحتلال البريطاني، ثم نال الحقوق في السنوات التالية، فاشتهر محاميا وكاتبا صحفيا جريئا. شارك في الحركة الوطنية قبيل اندلاع الثورة المسلحة، ثم عمل في جريدة الاستقلال لسان الحركة الوطنية، ثم انصرف الى المحاماة والصحافة. وانتخب نائبا في دورات نيابية عديدة.

طه البدري، ذكر علي البزركان في كتابه عن الثورة العراقية ان محاسب المدرسة الاهلية رفع علما اسودا وتجول في ازقة بغداد بعد مقتل احد البغداديين لايغار صدور الاهالي.

خان دلة يعود لاحد تجار بغداد الكبار وهو عبد القادر دلة، اصبح مركزا للشرطة في عهد الاحتلال البريطاني، ولم يزل الى يومنا قائما في شارع السموال.

يصادف يوم 14 حزيران 1920

لاشك ان هؤلاء الشبان من الجناح المسلح لحزب حرس الاستقلال، ويرأسهم عبد المجيد كنة الذي اعدمته السلطة المحتلة فيما بعد.

مندوبو بغداد الخمسة عشر لمفاوضة السلطة المحتلة.