حميد البصري.. شهادات

حميد البصري.. شهادات

‏“يا عِشِقّْنَا”

مارسيل خليفة

يطيب المقام العراقي في أغنية “حميد البصري” بلحظة البياض على العشاء السرّي بمنزله البغدادي. كان الشجن بصوت “شوقيّة العطّار” على بلاد نحبّها يصرخ برعشة الذروة بين دمع التَمرْ والغزل. قبل العبور إلى اليمن السعيد ومن بعد إلى بلاد الشام وصولاً إلى البلاد الواطئة. اتسع المدى وحمل حميد عائلته وهرّب الحنين في الأغنيات ليصّب على لهيب الهجرة رذاذ العيون المتعَبة.

اليوم يا صديقي أُكمل كتابة رسالة لك بدأتها من سنين وأهملت التتمّة. كيف اكتب لك من وحي الغياب “غيابا”،

غياب أخطأ موعده على عتبة الأغنية.

هل الزمن موجة مَدْ تنحسر؟ ركبت المتاهة كمن يركب البحر على صهوة موجة لا عنان لها في لعبة الجمر المطوّق بالكبريت. وأعرف بأنك تشتاق إلى ندى ليلك على شواطىء دجلة والفرات ينشر نوره السماوي. وتعلن في سرّك ما يفضح المجهول في صمتك. الفضاء رماديّ أمام حروف الرثاء. وبقايا الروح تنشد في خلاء لا يملأه غير صدى مسكون برائحة الغريب في مملكة بعيدة.

يا حميد، مازال الشعر يصلح للغناء فلماذا رحلت سريعاً؟

عشقت مداعبة أوتار العود والقانون حيث أَلِفْت الجمال في سجع المقامات. هل ضجرت وأنت المجبول على الترحال في الفيافي؟ هل الزمن لا يتسّع لسباحة ذهن يبحر في البعيد؟

سيضيف “رَعد” على وتر الكمان “نغمة” تنشر قوسها من دون جهر! وستغني “بَيدَر” مع “شوقيّة” يا عِشِقّْنا ويشكّل “خَلَف” مسرحه بمطرك الناعم. كلهم بين بداية ونهاية يقيمون على حدود متداخلة مع نُبلْ إنسان مجبول بالحب.

حميد البصري شكراً لك!

حميد البصري، وموسيقى الكون

محمد خضير

لطالما كانت الموسيقى تطابقاً هارمونياً مع نظام الكون. ولقد حاول الموسيقار «البصري» عبر موسيقاه (الأغاني الشعبية والأوبريتات) أن يقترب من هذا النظام، عبر دمج الجزء الفاعل من شخصيته في الكل المفعول من صورة العالم. لكن هذا التقارب/الامتزاج سيختلّ كثيراً برحيل الموسيقار «البصري» عن هذا العالم، كما لم يختلّ في أثر مسموع أو مكتوب. إنه افتراق سيضرّ كثيراً بمغزل الموسيقى الدائر حول مكان ما من العالم منذ عصر أفلاطون.

سيحتاج العالم/ العراقيون إلى أن يمزجوا بين الجزء والكلّ الكوني في موسيقى الرحيل. إنّ سيرةً من الكفاح اليومي والتضحية من أجل الحقيقة لن تحتويها هذه النهاية المفجعة بسهولة؛ لكن الموسيقى وحدها ستنسج حول القبر الكوني أسطورةً جديدة من الكفاح/ الغربة/ الرحيل إلى ذرى الكون الممتدة على نوتة لا نهائية.

هكذا اكتشفني

حميد البصري

سيتا هاكوبيان

نعت الفنانة سيتا هاكوبيان في صفحتها في فيسبوك الفنان حميد البصري الذي غيبه الموت الاربعاء الماضي قائلة (سمعت خبرا أليماً جدا، إنتقل الموسيقار الكبير الاستاذ حميد البصري الى الجانب الاخر من الحياة بعد ان قدم الكثير من الاعمال الفنية التي ستبقى في ذاكرة تاريخ ألفن الغنائي العراقي.في عام 1968 كنت قد دعيت الى بغداد من قبل نادي الشبيبة الارمنية للمشاركة في الحفل السنوي الذي يقام على مسرح قاعة الخلد بأغنية الكبيرة فيروز (اعطني الناي وغني).وفوجئت بالاستاذ حميد حميد البصري (الذي قدمني مع الفرقة الموسيقية البصرية لإذاعة بغداد وكانت تذاع من تلفزيون بغداد قبل بدأ البرامج) فوجئت به يطرق باب بيت خالتي وقال (هناك برنامج الوجوه الجديدة وانا لحنت لك اغنية الوهم للكبيرة نازك الملائكة ويجب ان تحفظيها بسرعة لتقديمها في التلفزيون العراقي)، وهكذا قدمني الفنان حميد البصري الى الجمهور. وتوالت اعماله معي بأغنية مشغول للشاعرة نازك الملائكة ومن بعدها قدم اول اوپريت عراقي بعنوان “بيادر خير”، ودوري في هذا العمل الكبير كان الارض.رحم الله ابا نديم وألهم زوجته ورفيقة دربه الفنانة شوقية العطار وأبنائهم جميعًا وكل محبيه الصبر والسلوان.

مغني الاحلام العربية

محمد المقري

هل تتذكّرون فرقة الطريق التي مرّت على عدن وصارت مقامها ومنطلقها؟

لقد مات فنّان الفرقة وملحن أغانيها العراقي حميد البصري، حسب نعي نُشر من مارسيل خليفة.

أمس رحل في هولندا، حيث أمضى سنوات عمره الأخيرة وهو المنفي أبداً،

مات مغني الأحلام العربية في الحرّية والاشتراكية والحب والسلام، بعد أن شهد الخيبات الكبرى لكل الشعارات الجميلة.

كان منشداً لتطلّع بغداد وبيروت ودمشق وعدن منحازاً لهوى الفقراء وأولئك الذين قالوا لا لكل سلطات الاستبداد العربي،

لتنم روحك بسلام أيّها الفنّان.