لنتذكر الفنانة شوقية العطار..

لنتذكر الفنانة شوقية العطار..

حيدر شالكر الحيدر

الكتابة عن الفنانة شوقيه العطار فيه الجمال والإبداع الذي لا نجده عند بقية الفنانات اللواتي عاصرتهن شوقيه بحياتها الفنية الطويلة التي امتدت لسبعة عقود زمنية بمتغيراتها وبأفراحها وأحزانها إلا أنها صمدت بوجه كل تلك المتغيرات التي صادفتها بحياتها الفنية الغنية بالإبداع الحقيقي

ولتثبت ان المرأة الفنانة العراقية قادرة أن تكون رمزاً للذائقة الغنائية للثقافة عموماً ربما يتبادر إلى ذهن القارئ من أين ابتدأت هذه الفنانة موهبتها الغنائية ومن وقف مع تلك الإنسانة ورافقها بمشوارها الفني والعائلي , وهل هي من أسرة فنية تعشق الغناء؟ لابد لنا أن نكون دقيقين ونحن نكتب عن عالم شوقيه العطار او شوقيه البصري التي ولدت بثغر العراق بمدينة البصرة وفي جو عائلي يعشق الثقافة الغنائية وخاصة الأب الذي كان يؤدي أغاني المطرب صالح عبد الحي ومن كان يحضر اسمه بدنيا الغناء بتلك الفترة , أما الأم فهي سيدة تؤدي الغناء الديني هكذا كانت تأثيرات الأم والأب على ابنتهم شوقيه التي أدركت ان طريق الفن الغنائي هو طريقها لذلك نجد ان موهبتها بدأت مذ كانت طالبة في المرحلة الابتدائية ليستمر هذا التألق لديها إلى مرحلة الدراسة الثانوية , فقد كانت الأنشطة المدرسية لا تخلو من نشاط شوقيه الطالبة المميزة فنياً عن زميلاتها.

يعد العام 1959 عاماً هو البداية الحقيقية بمسيرة هذه الفنانة حيث كان اللقاء الفني مع حميد البصري الذي لحن لها عمل غنائي وطني بذلك العام يتغنى بثورة عبد الكريم قاسم.

بعد هذه النشاطات تزوجت من الفنان حميد البصري لتشاركه الحياة الزوجية ولتتوافق الآراء السياسية بينهما ولتكون عضوة بفرقة او جماعة تموز للاغنية السياسية.

كان العقد الستيني لا يخلو من النشاط الغنائي لهذه الفنانة على الرغم من المسؤوليات الحياتية البينية ألا إنها كانت تقدم الفن الغنائي ضمن فرقة جماعة تموز

ليأتي العام الأهم في حياة شوقيه حيث تقف بمسرح قاعة الخلد ببغداد لتؤدي بصوتها الأغنية الوطنية الخالدة التي يتذكرها المجتمع العراقي (يا عشكَنه) ضمن اوبريت بيادر الخير الذي كتبه علي القصب ولحنه حميد البصري واخرجه قصي البصري ذلك الاوبريت الذي تفاعل معه الشعب العراقي من شماله الى جنوبه حيث اللحن والأداء والأسماء الحاضرة التي أتت لبغداد من البصرة الفيحاء لتقدم عملاً لن يتكرر حتى إعداد هذه السطور فكان حقاً إبداع للمسرح الغنائي عموماً.

حينما نتحدث عن هذه الإعمال وشوقيه نتذكر الراحل فؤاد سالم الذي كان ببداياته الفنية وهو يؤدي الدويتو عشكنه مع شوقيه , نعم انه زمان جميل الذي لن يتكرر هكذا كان العام 1969 على موعد مع ذلك الجمال الغنائي المميز ليأتي العام 1970 وعمل آخر بأوبريت جديد أيضا لفناني البصرة وفناني نقابة العمال بعنوان (المطرقة) الذي لحنه طالب غالي وكتبه نفس الشاعر علي القصب ولنفس المخرج قصي البصري.

شوقيه العطار التي تخرجت من إعدادية الفنون المنزلية وعملت في النشاط المدرسي لتربية بغداد الكرخ وتأملت إكمال دراستها الأكاديمية للموسيقى والغناء بمعهد الدراسات النغمية وكان ما أرادته فقد تم قبولها في المعهد العريق إلا أن ظروفها والتزاماتها حالت دون إكمال دراستها فقد كانت فرقة الإنشاد العراقية والتزامها الوظيفي بتربية الكرخ قسم النشاط المدرسي حال دون إكمال دراستها في المعهد حيث كان زوجها حميد البصر احد أساتذة المعهد ومن مؤسسيه , هكذا كانت شوقيه تمارس النشاط الغنائي والتربوي.

الحديث عن فرقة الإنشاد العراقية التي أسست في العقد السبعيني كإضافة مهمة بمسيرة الغناء العراقي التراثي له أكثر من قصة إبداعية مع الأصوات النسائية كشوقيه العطار وأديبه إضافة لمي اكرم وسهام وأخريات حيث كانت تلك الفرقة صورة وضاءة بمسيرة الغناء العراقي وحاضرة في الكثير من المهرجانات العربية وبعدة دول منها مصر وتونس والجزائر والخليج العربي.

إذا هي محطة مهمة لشوقيه العطار مع هذه الفرقة , الجزء الأول من حياة هذه الفنانة نستطيع أن نحدده في العام 1959 حتى العام 1979 هو حقاً كان بناء فني كبير وتجربة ساهمت ببناء الإبداع الفني لشوقيه.

غادرت شوقيه العراق عام 1979 إلى جمهورية اليمن بصحبة زوجها وأولادها بسبب مضايقات الدولة آنذاك لانتمائها اليساري فوجدت في اليمن السعيد مكاناً لانطلاق محطة جديدة من محطات حياتها فقد عملت بدائرة الإذاعة والتلفزيون اليمني حيث لها من الأعمال الغنائية بين الأغنية الوطنية والشعبية والاوبريت تضاف لمسيرتها الفنية الغنية بالانجاز , نذكر من هذه الإعمال التي وثقت للتلفزيون اليمني اوبريت عودة بلقيس من الحان احمد فتح واوبريت البحر والثورة لحميد البصري وبالمقابل كان حبها الأداء الموشحات لم ينقطع عن مسيرتها الغنائية.

وقفت هذه الفنانة على مسارح لبنان وأوربا ولها أكثر من عمل غنائي من أغانينا التراثية بالحان حميد البصري وفي العام 1985 شهد انتقال شوقيه وأسرتها إلى سوريا التي قدمت بهذا البلد نشاطات غنائية أولا ومن ثم عينت بوزارة الثقافة السورية وقد استمر نشاطها الغنائي على مسارح سوريا وإثناء مكوثها هناك ساهمت بمهرجان العريش بمصر ومهرجان الجزائر وأقامت حفلات بفلسطين ولبنان والسفر لموسكو لإقامة حفلات جلها للغناء الوطني والغناء التراثي العراقي.

في العقد التسعيني غادرت شوقيه سوريا بعد رحلة إبداع لهذه الفنانة لتلتحق بزوجها حميد البصري بمملكة هولندا وليتم لم شمل الأسرة وفي هولندا استمر نشاطها واشتركت بمسرحية غنائية من الحان ابنها رعد خلف الموسيقار العراقي الذي يسكن سوريا حالياً تلك هي مسرحية نابليون كما لحن لها رعد خلف مجموعة من الأغاني القصيرة واستخدمت كمقدمات لبعض من المسلسلات التلفزيونية حينما حينما كانت تسكن سوريا قبل الذهاب إلى هولندا.

حياة عامرة بالإبداع والتألق لهذه الفنانة أو لعائلة الفنانة عانت من قسوة الغربة بين ذلك البلد وهذا لا لسبب يستحق سوى الانتماء الفكري إلا أن الوطن وارثه ظل هو الأسلوب الذي أحبته شوقيه وعبرت عنه بصوتها الحنون وأدائها المعبر الآتي من ارض البصرة وطقوسها.

هذه السطور قد لا تكون إلا جانب من جوانب الحياة الفنية لمبدعة عراقية هي نخلة أخرى من نخيله وسفيرة حقيقية للصوت النسائي العراقي الرصين.

من كتاب (الأصوات الغنائية النسائية العراقية) المعد للنشر وقد قدم مؤلفه الفاضل بعض من هذا الكتاب المهم لملحقنا.