عبد الرزاق الحسني: 30 حزيران ثورة إتحد فيها كل العراقيين بوجه الاستعمار

عبد الرزاق الحسني: 30 حزيران ثورة إتحد فيها كل العراقيين بوجه الاستعمار

حوار: رشيد الرماحي

هذا الحوار اجري مع المؤرخ الراحل عبد الرزاق الحسني قبل اشهر من وفاته وفيه يسلط الضوء على ذكرياته عن ثورة العشرين.* قلت له.. بعد ايام تطل علينا ذكرى ثورة العشرين الرائدة فما ذكرياتك عنها؟ اجاب:الثلاثين من حزيران عام 1920 من الثورات الوطنية الكبرى ضد الاستعمار البريطاني في العراق لان الحكومات السابقة كانت تمنع الاحتفال بذكرى هذه الثورة العظيمة عند حلول ذكراها وتقوم بتوقيف كل من يتحدث عنها.

ان ثورة العشرين علمت الانكليز في العراق شعبا لا يقهر وامة لا تدين بالاحتلال او الانتداب اوما شابه ذلك.وقد استطاعت القبائل العراقية برمتها من جنوب العراق الى وسطه وشماله ان تسهم في هذه الثورات الكبرى وتكبد قوات الاحتلال البريطانية ما لا يقل عن ثلاثة الآف اصابة بين قتيل وجريح ومفقود اضافة الى الخسائر المالية التي قدرت باربعين مليون باون. ومن الخطأ (يقول الحسني) ان يورد البعض في مؤلفاتهم عن هذه الثورة انها من بنات فريق دون اخر او منطقة دون اخرى لان هذه الثورة هي ثورة كل العراقيين وشارك فيها كل الشعب من جنوبه حتى شماله وشرقه وغربه واسهمت فيها كل الادمغة النيرة في العراق من خلال توجيهاته وتضحياتها ولكن يجب القول ان العبء الاكبر للثورة تحمله الفرات الاوسط لان بداية الشرارة انطلقت من هذه المنطقة بالذات ولكن هذا لا يعني ان بقية الشعب لم يشارك فيها فقد كانت الجيوش البريطانية تصطاف في جبال كرند على بعد 250كم عن شرق بغداد فعمدت قبائل العزة التي تسكن محافظة ديالى الى تفكيك السكك الحديد الممتدة بين بغداد وكرند فحالت دون تمكن الجيش البريطاني من العودة الى بغداد.كما قام المرحوم جميل المدفعي بقيادة الحركات القتالية في تلعفر وعلى اطراف الموصل والشرقاط مع زملائه مما زعزعت هذه الحركات الكيان البريطاني وادت الى اضطرابه وتكبيده خسائر فادحة في الارواح والاموال.* واذكر انني كنت ايام الثورة في محافظة النجف مع عائلتي وكانت منطقة النجف محاطة باسوار فيها اربعة ابواب تفتح نهارا وتغلق ليلا وفي صبيحة ثورة العشرين اغلقت الابواب والطرق وعندما سمعنا بالثورة اخذنا الحماس وبدأنا نكتب المناشير ونوزعها على المواطنين وكنت في تلك الفترة اعمل مدير تحرير جريدة الاستقلال لصاحبها المرحوم محد عبد الحسين الكاظمي وكانت هذه الجريدة تصدر في النجف مع جريدة اخرى هي (الفرات) لصاحبها المرحوم محمد باقر الشبيبي.

وماذا عن خسائر الانكليز في ثورة العشرين؟

ـ تكبد الانكليز باعتراف الجنرال هولدن قائد القوات البريطانية في العراق (2269) بين قتيل وجريح ومفقود اضافة الى اربعين مليون باون.اما ضحايا الثورة فقد قدرهم الجنرال هولدن نفسه بثمانية آلاف شهيد مستندا بذلك الى اجازات الدفن التي كانت تجري في المدن.محطات في حياته!

* قلت للحسني.. لنتوقف عند محطات في حياتك تعتز بها وعليك ان تختارها؟

اجاب:ـ تاريخ حياتي ولدت في سوق العطارين بالشورجة ببغداد سنة 1321هـ (1903) من أب وام عراقيين معروفين وعائلة تقرض الشعر وتتعاطى الادب وتمتهن (العطارة) لذا سميت بآل العطار. * متى بدأت بالكتابة والنشر؟ـ ولعت بالكتابة والنشر وانا ما ازال طالبا في دار المعلمين فكنت اقتني الجرائد اليومية، والمجلات الدورية، واقتبس منها بعض الكلمات والعبارات الملائمة، لانشئ خبرا محليا او نتفة ادبية، او قطعة شعرية، وكانت جريدة;المفيد& لصاحبها المرحوم ابراهيم حلمي العمر تنشر لي هذه الاخبار والنتف، تلطفا منها وتشجيعا، وما لبثت ان وضعت رسالة موجزة بعنوان المعلومات المدنية لطلاب المدارس العراقية استعنت على وضعها بما تيسر لدي من الكتب المدرسية المشابهة.وكان لاستاذ التاريخ في دار المعلمين العلامة الاثاري المغفور له عبد اللطيف الفلاحي، مطبعة معروفة اسمها مطبعة الفلاح فراجعته لطبع هذه الرسالة واذا به يشجعني على المضي في هذا التتبع المفيد، ويتبرع بكلفة الطبع متى يسرت له الورق، وكان عدد ما يطبع من الكتب يومئذ لا يتجاوز الخمسمئة نسخة عدا، شأن الصحف الادبية والمجلات الشهرية يومذاك، فكان من الطبيعي ان اهيئ الورق لرسالة لا يتجاوز عدد صفحاتها الـ56 صفحة بقطع الثمن، وهكذا اصبحت مؤلفا معروفا.* وما عدد المؤلفات التي انجزتها حتى الآن؟ـ ثلاثون كتابا انجزتها خلال ثلاث وستين سنة.* لا شك ان ابرزها (تاريخ الوزارات العراقية). * نعم وقد بدأت علاقتي بهذه السلسلة عام 1952 حين جرت انتخابات رئاسة المجلس النيابي وكان عبد المحسن السعدون يرأس الوزارة للمرة الثانية فرشح وزيره حكمت سليمان لرئاسة المجلس غير ان المعارضة المتمثلة بياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ومحمد رضا الشبيبي استطاعت ان تنتخب رشيد عالي الكيلاني لرئاسة المجلس فكان طبيعيا ان يستقيل عبد المحسن السعدون ووزارته وتؤلف وزارة جديدة حسب الطرق الدستورية.وعندئذ طلب لي ان اكتب مقالا عن كيفية تأليف الوزارات والمهام التي تقوم بها والظروف التي تؤدي الى استقالتها ونشرت المقال في مجلة (العرفان) التي تصدر بصيدا في لبنان ومنذ ذلك الوقت قررت تأليف كتاب عنوانه (تاريخ الوزارات العراقية) وقد تم نشره باجزاء متسلسلة غطت تاريخ العهد الملكي منذ انبثاقه في 23/آب/1921 حتى انقراضه في 14 تموز 1958 وقد طبع الكتاب عدة طبعات كلها نفدت وتحتاج الى طبعات جديدة.

وكتابك عن الثورة العراقية الكبرى سنة 1920؟

ــ لقد بذلت كثيرا في كتابة هذا الكتاب الجامع المانع لاحداث ثورة العشرين من ممهداتها الى انتهائها وما تمخضت به من نتائج جسيمة في تاريخنا الحديث. لقد اتصلت منذ وقت مبكر منذ اوائل الثلاثينيات بزعماء الثورة من علماء الدين ورؤساء العشائر والمثقفين في بغداد والنجف وكربلاء وغيرها لكي اصل الى الحقيقة بكل حيادية كاملة، فتوصلت الى نتائج كثيرة استعان بها الكتاب فيما بعد. لقد بحثت عن قضية خطيرة اشاعها بعض الكتاب ومنهم البريطانيين من الثورة كانت تاتيها الاموال من الخارج، وهذا ما نقضته بما اتصلت بهم من رجال الثورة او الشخصيات العامة. كما اني اول من فصل الحديث عن ارهاصات الثورة وتفجرها في بغداد والنجف وكربلاء قبل ان تندلع الثورة بشكلها المسلح في الرميثة في الثلاثين من حزيران 2920.

ج. الاتحاد 1999