بين محمد الموجي وعبد الصاحب شرّاد

بين محمد الموجي وعبد الصاحب شرّاد

ثامر العامري

ي اوائل عام 1952 انطلق من الاذاعة صوت غنائي ريفي جديد.. صوت لشاب تميز بجمال صوته الطروب وطابعه الريفي الخاص.. انه المطرب عبدالصاحب شراد الذي اصبح في ما بعد من المع مطربي الغناء الريفي فهو مطرب اذاعي وتلفزيوني ناجح

لقد كان يعمل عاملا في شركة الغزل والنسيج العراقية.. فقد بدأ في هذه الشركة كعامل واصبح برادا في شعبة النسيج.

اقامت شركة الغزل والنسيج في مطلع عام 1952 حفلة ترفيهية لعمال المصنع برعاية الاستاذ اديب الجادر وزير الصناعة الاسيق والذي كان انذاك مديرا عاما للشركة.. ورشح بعض العمال ليقوموا بالتمثيل والغناء وكان عبد الصاحب شراد واحدا من بين اولئك المغنين.. وفي تلك الحفلة غنى اول مرة امام جمهور كبير من العمال واصدقائهم وكان بعض المطربين والمطربات الاذاعيين مدعوين الى تلك الحفلة منهم المطربة راوية وكبير المذيعين يومذاك – محمد علي كريم – وكان احد المصريين هو السيد عبدالرحمن المصري الذي سمعه فشجعه كثيرا وقال له بعد الحفلة:

صاحب ان صوتك جميل جدا وصالح للاذاعة.. فلماذا لاتغني؟ وكان قوله هذا خير مشجع له.. وقدمت له بعد الحفلة هدية وهي كاس فضية قدمها له الجادر المدير العام تقديرا لمساهمته في تلك الحفلة التي ظهرت فيها موهبته كمطرب ريفي جديد وفعلا تقدم الى الاذاعة للعمل كمطرب فيها في نفس العام ووافقت لجنة القبول باغلبية الاصوات، باربعة اصوات مقابل صوت واحد هو صوت (حضيري ابو عزيز) العضو الوحيد الذي عارض في قبوله كمطرب.. غير ان رأي الاغلبية قرر اعتباره مطربا اذاعيا وفعلا خصصت له ثلاث حفلات غنائية حية في كل شهر.

كما غنى من التلفزيون بناءا على رغبة المدير العام – انذاك- المقدم عبدالستار رشيد وفعلا بدأ يغني في ركن الريف.. ثم انتقل الى تقديم حفلات غنائية في كل شهر اربع حفلات بمصاحبة فرقة التلفزيون الموسيقية

زار الملحن المصري المعروف محمد الموجي بغداد، ضمن جولة تسويقية شملت عدة بلدان عربية، اذ انشأ في حينها شركة انتاج مع السيد بدير والمخرج السوري نذير عقيل، وكانت تربط الموجي علاقة حميمية بمدير اذاعة بغداد انذاك، وحسب قول مدير الاذاعة: دخلنا ذات صباح انا والموجي الى استوديو الموسيقى فسمع مطربا شعبيا اسمه عبد الصاحب شراد يسجل احدى اغنياته. ادهشه صوته بنقائه وقوته، وجلس الموجي ينصت بكل جوارحه، الى ان انتهى شراد من غنائه، فقال: اريد ان التقي بهذا المطرب، لقاء عمل، وبالفعل حصل اللقاء، فقال له: اسمع اعرض عليك ما يلي: تأتي معي الى القاهرة وتقيم على نفقتي الخاصة، على ان تتفرغ لألحان سوف اضعها لك واقوم بتدريبك عليها. ساطلقك بعد ستة اشهر في سماء الغناء العربي، بعد ان اعلمك فن الظهور والتصرف بنجومية. شرطي الوحيد ان توقع معي عقد احتكار لمدة خمسة اعوام اتقاسم فيها معك كل ما سوف تحصل عليه من المال

اعجاب الموسيقار محمد الموجي بالمطرب الريفي عبد الصاحب شراد، وتبني موهبته ليطلقه نجما في سماء الاغنية العربية، هذا العرض كان مطمح وغاية كل مطرب، لا سيما انه صانع النجوم وكان في اوج عظمته في صياغة الالحان الخالدة، بعد ان غنت له كوكب الشرق ام كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وكبار المطربين العرب.. ما تتوقعون ان يرد شراد على الموجي؟

لنعود الى القصة: لم يصدق عبد الصاحب شراد ما سمع. حتى ان الفرحة اخرسته فلم ينبس ببنت شفة. وخرج ولم يقل له ولو كلمة شكر عابرة!.

وقبل ان يسافر الموجي دعوت المطرب المذكور لمقابلته. فاعتذر، ورفض العرض، وقال: انني راض عما انا فيه الان، فلماذا اغترب واغامر وقد افشل واعود بعد ذلك لابدأ من جديد.

فتفوت على مطربنا صاحب شراد فرصة ذهبية، لا تأتي الا للذي له حظ كبير، ولتغيرت حياته رأسا على عقب، ولانتشلته من القاع الى مصاف النجوم العرب، لكنه زهد بشهرة كبيرة طرقت بابه. بسبب روحه التي يغلفها الخوف من امتطاء صهوة المغامرة، وعدم وعيه باهمية الفرصة المواتية.