من تاريخ التعليم في العراق..المدارس الرشدية العسكرية في العهد العثماني

من تاريخ التعليم في العراق..المدارس الرشدية العسكرية في العهد العثماني

د. لمى عبد العزيز مصطفى

ظل التعليم الديني متمثلاً بالكتاتيب والمدارس الدينية، ومدارس الارساليات التبشيرية هو التعليم الوحيد حتى ستينات القرن التاسع عشر اما التعليم الحديث فلم تعرف الولايات العراقية اية مـدارس رسمية باستثناء اشارة واحدة وردت في احـد المصادر التاريخية اذ اكـدت وجود مدرسة ابتدائية ـ احتوت على صفوف ابتدائية ورشدية ـ افتتحت في سنة1278 هـ/ 1861 م في ولاية الموصل.

ومع مجئ مدحت باشا (1869 ـ 1872م) ، الذي عد اول وال عثماني وضع العديد من الاصلاحات مرحلة التنظيمات موضع التنفيذ في العراق، حيث عدت مدَة ولايته على الرغم من قصرها بداية لسياسة تعليمية حديثة ومخططة. اذ ابتدأ ولايته بتاسيس العديد من المدارس الرسمية في العراق، ليتواصل افتتاح هذه المدارس في العقود التي اعقبت ولايته .

كانت الخطوة الاولى التي اتخذتها الدولة العثمانية، عندما أقدمت على تاسيس المدارس الرسمية إعطاء الاولوية للمدارس الرشدية على المدراس الابتدائية، تاركة المدارس الاخيرة تعمل على وفق تعليمات المؤسسات الدينية القديمة والمتمثلة بالكتاتيب وتحت اشرافها.

وقد عزت المصادر التاريخية اسباب ذلك الى حاجة الدولة السريعة والملحة الى عدد ليس بالقليل من خريجي المدارس الرشدية (الملكية والعسكرية) للعمل في الدوائر المختلفة. فضلاً عن فقدان الامكانيات الفنية والمالية اللازمة لفتح المدارس الابتدائية. وانقسمت المدارس الرشدية الى صنفين هما: -

أ - المدارس الرشدية الملكية (المدنية ب- المدارس الرشدية (العسكرية.

لمدارس الرشدية (العسكرية):

حظي التعليم العسكري بحيز كبير من أهتمام الدولة العثمانية، إذ هدفت من خلاله تدريب الشباب وفق الاساليب والنظم العسكرية الحديثة، لذلك بادرت الىتاسيس العديد من المدارس العسكرية (الرشدية والعسكرية) فضلاً عن المدارس العسكرية العالية قبل غيرها من المدارس المدنية في استانبول وبعض الولايات العثمانية الاخرى.

ففي سنة 1262هـ/1845م تم الايعاز الى مراكز الفيالق وبضمنها بغداد التي كانت مركزاً للفيلق السادس بضرورة تأسيس مدارس عسكرية فيها الاان ظهور مثل هذه المدارس تاخر الى سنة 1286هـ/1869م وتحديداً خلال ولاية مدحت باشا، اذ كانت فاتحة اعماله افتتاحه لاول مدرسة رشدية عسكرية حديثة في بغداد(*) وفي سنة 1300هـ/1882م جرى افتتاح مدرسة ثانية في بغداد، الاان المدرستين سرعان ما ادمجتا في مدرسة واحدة في العام نفسه، امام الصعوبات المالية التي واجهتها. فيما ارخت مصادر اخرى افتتاح مدرسة اخرى في قضاء السليمانية التابع لولاية الموصل في سنة 1310هـ/1892م.

اما عن شروط التقديم لهذه المدارس فيبدو انها إتسمت ببعض المرونة، فقد سمحت للمتخرجين من مدارس الصبيان (الكتاتيب) بالتقديم الى هذه المدارس، ثم بعد ذلك لكل من يجيد تلاوة القران الكريم واللغة التركية مع بعض الالمام بعلم الحساب. ويبدو ان وراء هذا التساهل جملة من الاسباب من بينها حاجة الدولة الى الملاكات العسكرية من اهالي البلاد خاصة وان بغداد كانت مقراً للفيلق السادس، فضلاً عن أفتقار الولايات العراقية الى المدارس الابتدائية الكافية لتخريج طلاب يلتحقون في هذه المدارس.

كانت مدة الدراسة في هذه المدارس ثلاث سنوات، ثم اصبحت فيما بعد اربع سنوات(*) فضلاً عن صفين تمهديين(**) اطلق عليهما الاحتياط تم تخصيصها للطلاب الذين لايجيدون قراءة اللغة التركية.

قسمت الدروس التي يتلقاها الطالب في هذه المدارس الى قسمين: -

القسم الاول ـ المحاضرات النظرية ـ اذ يتلقى الطالب دروساً في التاريخ والجغرافية والدين والحساب وحسن الخط فضلاً عن دراسة اللغة العربية والتركية والفارسية.

في حين ركز ـ القسم الثاني ـ من الدراسة على التدريب العملي مع الاهتمام البالغ بالرياضة البدنية وهذه المدارس عسكرية صرفة، حيث تولت قيادة الجيش السادس مهمة الاشراف الاداري على هذه المدارس ، وبالتالي شكل ضباط الجيش الغالبية من مدرسيها فضلاً عن المدرسين المدنيين، فعلى سبيل المثال ورد في احد المصادر الرسمية ان جميع معلمي المدرسة الرشدية العسكرية في بغداد والبالغ عددهم (11) مدرساً فضلاً عن مدير المدرسة هم من العسكرين. وارتفع عدد المدرسين العسكرين الى (20) مدرساً سنة 1907.

وفضلاً عن المدرسين العراقيين ضم الملاك التدريسي لهذه المدارس عدداً من المدرسين الاتراك، وفي اعقاب افتتاح دور المعلمين في عدد من الولايات العراقية، تولى العراقيين معظم مهام التدريس.

اتسمت الدراسة في هذا النوع من المدارس بالانتظام. فضلاً عن كونها داخلية ومجانية. وعد هذا احد الاسباب الرئيسية في زيادة اقبال العراقيين على الالتحاق بهذه المدارس، علاوة على ارتفاع نفقات التعليم في المدارس الرسمية من جهة وقلة هذه المدارس من جهة اخرى، وبالتالي عدم قدرة هذه المدارس على استيعاب اعداد الطلبة، فضلاً عن انخفاض المستوى المعاشي للاسرة العراقية، كما كان العامل الاجتماعي والمتمثل بالمركز الاجتماعي الذي يحتله العسكري انذاك حافزاً للكثيرمن الطلبة على الالتحاق بهذه المدارس

تفاوتت اعداد الطلبة المقبولين في هذه المدارس تبعاً للدعم المالي المقدم لها، وتبعاً لحاجة الدولة للعناصر العسكرية ففي الوقت الذي كانت فيه الخطط المركزية تشير الى احتياج كبير للضباط، تتوسع عملية قبول الطلاب في هذه المدارس، والعكس صحيح. فعلى سبيل المثال بلغ مجموع طلاب المدرسة الرشدية في بغداد (561) طالباً سنة 1317هـ/1899م ثم ارتفع العدد إلى (740) طالباً سنة 1318هـ/1900م، وبسبب قلة الدعم المالي للمدرسة إنخفظ العدد الكلي للطلبة المقبولين في هذه المدرسة الى (383) طالباً سنة 1325هـ/1907م، انخفض العدد الى (106) طالب سنة 1318هـ/1900م، ليرتفع العدد من جديد الى (138) طالباً سنة 1914. وقد استمرت الدراسة في المدارس الرشدية العسكرية حتى الاحتلال البرطاني للعراق.

عن رسالة: الخدمات العامة في العراق 1869ــ 1918.