هل تتحمل وزارة الداخلية مسؤولية حوادث الشغب؟ الشرطة وحوادث (الفرهود) سنة 1941

هل تتحمل وزارة الداخلية مسؤولية حوادث الشغب؟ الشرطة وحوادث (الفرهود) سنة 1941

د. قحطان حميد العنبكي

تحملت وزارة الداخلية ممثلة بمديرية الشرطة العامة،أعباء كبيرة بسبب الأحداث التي وقعت في بغداد يومي الأول والثاني من حزيران 1941،ففي اليوم الأول حصلت مشادة كلامية بين يهودي وعراقي مسلم أسفرت عن وفـــاة واحد وجرح ستة عشر آخرين من اليهود،

وقامت الشرطة بالقبض على الفاعلين وُعُد ذلك حدثاً عادياً. لكن حصلت مناوشات كلامية بين الطرفين عند انسحاب الجيش العراقي من ميادين القتال وبعد أن حأول بعض اليهود بث كلمات لا تليق بالجيش العراقي عند انسحابه من القتال،وتطور الموضوع إلى اقتتال لم ينته إلا بتدخل سيارات الشرطة المسلحة التي استطاعت الوصول إلى مكان الحادث وإعادة الأمن إلى نصابه وتهدئة الموقف.

وفي صباح اليوم الآتي تكرر الحادث عند انسحاب بعض القطعات العراقية من معسكر الوشاش في جانب الكرخ إلى معسكر الرصافة فتكررت استفزازات اليهود لها،فأثار ذلـك

بعض الشباب المسلمين فحدث اصطدام بين الطرفين وتطور فيما بعد إلى مصادمات دامية ثم تحول إلى عمليات سلب ونهب وقتل في شوارع العاصمة بغداد.

ومما يؤسف له إن الكثير من عمليات السلب والنهب كانت تجري تحت أنظار رجال الشرطة،يزاد على ذلك أنَّ قسماً من أفراد الشرطة والمفوضين قد اشتركوا في النهب والسلب والقتل،((وان متصرف بغداد كان يتجول في شارع الأمين ومعهُ مدير شرطة بغداد،فصادف بعض أفراد الجنود ومعهم رشاشاً وكانوا يطلقون النار على دور اليهود)) وانه أمر الشرطة لإطلاق النار في الهواء لتخويف الجنود إلا أنَّ الأخيرين ((ردوا على المتصرف ومدير الشرطة بصورة مباشرة فلاذا خلف جدار هناك..)). وهذا الأمر يثير الكثير من الاستفهامات حول نزاهة وحيادية الشرطة العراقية،ويبدو أنها لم تكن قادرة على كبت شعورها ضد اليهود على اعتبار أنَّ الشرطي هو عراقي ووطني قبل أن يكون موظف في الحكومة،لكن على الرغم من ذلك كان من الأفضل للشرطة ان تحافظ على سلامة المواطنين وممتلكاتهم وأرواحهم بصرف النظر عن الديانة أو الطائفة أو العرق. وهذا قد يشير إلى الروح الوطنية لرجال الشرطة لكنه يُعدّ تقصيراً في واجباتهم ومهامهم التي في مقدمتها حفظ الأمن والنظام وسيادة القانون.

وكان بعض أفراد الشرطة يَلِجُون البيوت ويطلبون من أهلها أجراً مقابل الحفاظ عليهم بينما كان فريق آخر منهم يساعدون الأهالي على السلب والنهب ويشاركهم في ذلك بعض طلبة المدرسة الثانوية العسكرية(4). وكان مدير شرطة بغداد يعتقد أنَّ بعض الجنود هم الذين يقومون بالاعتداء بينما كان وكيل أمر الفرقة الأولى يدعي أنَّ أفراد الشرطة هم الذين يقومون بذلك فاتفق الاثنان على الذهاب إلى شارع الأمين ومعهــم متصرف بغداد

ولما وصلوا إلى هناك وجدوا السيارات قد ذهبت بما فيها من الأمتعة وان بعض أفراد الجيش كانوا يخرجون من البيوت ومعهم الأموال المنهوبة. وبعد ذلك أخذت الجماهير تكسر الحوانيت وتنهب ما فيها والشرطة لا تتدخل بحجة نفاذ عتادها وانه لا يوجد آمر بإطلاق النار على المعتدي.

ومن الجدير بالذكر أنَّ حوادث النهب لم تكن قاصرة على بغداد والمناطق المجاورة لها وإنما شملت مدن أخرى مثل البصرة والفلوجة بعد نزول القوات البريطانية في المدينتين اثر أحداث نيسان –أيار. وتشير بعض الروايات إلى أن القوات البريطانية وبعد تكبدها خسائر كبيرة من الجيش العراقي والأهالي الذين انظم إليهم أفراد من شرطة العشار في البصرة أخذت تيسر لجنودها((كسر بعض الحوانيت في سوق العشار لحمل العشائر على نهب أموالها وإشغالهم عن قتال البريطانيين. كما أنَّ بعض اليهود فتحوا دورهم ومكنوا الجنود البريطانيين من كسر حوانيت اليهود من دون أن يعتدوا على احد منهم)) علماً بأنه سبق لليهود ان استقبلوا القوات الغازية التي أخذت تتدفق على البلاد بالزغاريد وأرسلوا لهم الهدايا من فواكه وغيرها بعدّهم جاؤوا محررين لهم(.

وانتقلت أعمال النهب والسلب من العشار إلى البصرة فعمت الفوضى الأسواق ودخلت المدينة عناصر الهدم والتخريب. وقد ساعد على انتشار هذه الفوضى انتقال أفراد شرطة البصرة إلى بيوتهم بعد سماعهم بانسحاب مدير الشرطة إلى القرنة وبادر بعض وجوه البصرة وأعيانها بالطلب من الحاكم العسكري للعشار لويد (Loaed) تسليمهم السلاح ومبلغ من أموال بلدية المدينة ليتولوا أمر حراسة المدينة وحفظ الأمن فيها،لكن الجانب البريطاني لم يلبِ الطلب.

وفي يوم 17 أيار قرر المجلس البلدي للمدينة تشكيل لجنة من بعض أعيان المدينة ووجوها عرفت باسم لجنة الأمن في البصرة لتتولى حماية الأمن والمحافظة على أرواح الناس وإدارة المستشفيات والسجون وظل الحال كذلك حتى عودة الحكومة العراقية إلى المدينة ورفع العلم العراقي على بناية المتصرفية يوم 26 آيار واستأنف الموظفون الدوام وعاد الهدوء إلى المدينة.

على أثر حوادث بغداد يومي 1و2 حزيران1941 تألفت لجنة للتحقيق بتلك الحوادث بقرار من مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 7حزيران1941،من السادة: محمد توفيق النائب رئيساً،وعضوية كلّ من ممثل وزارة الداخلية عبد الله القصاب،وممثل وزارة المالية سعدي صالح،وأجرت اللجنة اثنتي عشرة جلسةً للتحقيق عن الحوادث التي وقعت في يومي 1و2 حزيران،وأوصت اللجنة بسحب يد كل من مدير الشرطة العام حسام الدين جمعة،ومتصرف بغداد خالد الزهاوي ومديري الشرطة: إبراهيم الشاوي،وعبد الله عوني،ودرويش لطفي،وعبد الرزاق فتاح،والعقيد حميد رأفت،وآمر الانضباط مظفر إبراهيم،

ومعاونه،والضباط كافة،وأفراد الانضباط الذين كانوا تحت أمرته وقت الحوادث وسوقهم إلى المجلس العرفي العسكري.

تطورت أعمال السلب والنهب وأخذت السيارات والعجلات تمر وهي محملة بأنواع مختلفة من الأثاث والأمتعة وكلما كانت الشرطة تهجم على قسم من هؤلاء وتسترد الأشياء المنهوبة منه وتقبض عليه وتزجه في التوقيف كانت تأتي أفواج أخرى تجرف أمامها أفراد الشرطة من دون مبالاة بدوي الرصاص الذي كان يطلق فوق رؤوسهم وبين أرجلهم.

ومما يلاحظ أنَّ أفراد الشرطة والجنود كانوا يتهاونون في إطلاق الرصاص أو القبض عليهم. وكان مدير الشرطة العام حسام الدين جمعة-عضو لجنة الأمن الداخلي-برر تهاون الشرطة إزاء أعمال السلب والنهب بأن ذلك يتطلب استعمال القوة،وان متصرف لواء بغداد(خالد الزهاوي) غير موجود في مكتبه ليعطي الأمر اللازم باستعمال القوة بحسب السلطة القانونية المخولة له. وكان لامين العاصمة أرشد العمري دور ملحوظ في إشعار الوصي عبد الإله بخطورة الموقف وحراجته.

وإزاء تطور الأحداث تلقت متصرفية بغداد في الثاني من حزيران 1941أمراً تحريرياً من الوصي عبد الإله،يقضي بمنع التظاهرات وضرب كل من يشترك بها،بقوة السلاح اذا تطلب الأمر ذلك،فنزلت قوات كبيرة من لواء الخيالة والمشاة والسيارات المصفحة إلى مداخل وشوارع العاصمة الرئيسة،وأطلقت النار في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً على الناس فقُتل اكثر من مئة شخص وجرح العشرات منهم.

أما معأونوا الشرطة،ومأمورو المراكز،والمفوضون وأفراد الشرطة،فالذين قاموا بالنهب والسلب والقتل منهم،فقد أوقف قسم منهم وأجريت التعقيبات بحقهم،والذين لم يظهر بحقهم شيء من هذا القبيل فأن اللجنة لــم توجه أي مسؤولية على أحد منهم،وقد ثبت للجنة التحقيق بأن مديريهم هم الذين أوعزوا إليهم بعدم إطلاق النار على المتجهمرين بصورة مباشرة،ولأجل إظهار المجرمين منهم،اقترحت اللجنة تبديل جميع المعاونين، والمفوضين والأفراد الذين كانوا موجودين في بغداد في اليومين الأول والثاني من حزيران1941 إذ((لابد من وجود من اشترك في هذه الحوادث من هؤلاء وبقي أمره مكتوماً،وان كثيراً من المعتدى عليهم يحجمون عن الأخبار خشية نفوذهم،ولأنهم لا يقومون بالتحقيقات بصورة جدية لئلا تظهر جرائمهم،أو لئلا يوشي بهم من يقبض عليهم من شركائهم بالجرائم عند التحقيق معهم)).

وهذه إشارة واضحة توجه أصابع الاتهام بها إلى مؤسسة الشرطة حول التقصير وربما الاشتراك في حوادث السلب والنهب والقتل لليهود.