من أحداث الثورة..مصرع نوري السعيد يوم 15 تموز 1958

من أحداث الثورة..مصرع نوري السعيد يوم 15 تموز 1958

رياض فخري البياتي

عهد الى مجموعة من الضباط الاحرار بتوجيه احدى السرايا صباح يوم 14 تموز الى بيت نوري السعيد وجهت سرية عسكرية بأمرة الرائد بهجت سعيد صبيحة يوم 14 تموز 1958م الى دار نوري السعيد لاعتقاله، لغرض اعتقاله ثم التحق بتلك السرية المقدم وصفي طاهر، غير أن تلك المهمة قد باءت بالفشل، وبعد أن استطاع نوري السعيد الهروب من داره في الساعة الخامسة والربع صباحاً.

ذكرت احدى الروايات التي أفادت إن نوري السعيد قام بالهروب من داره صبيحة يوم 14 تموز 1958م بعدما شعر بالخطر المحدق به بسبب وجود قطعات عسكرية كثيرة في طرق بغداد، والطرق المؤدية الى داره، وانه اشعر بذلك من قبل احدى النساء التي كانت تقوم بجلب الخبز لعائلته.

وذكرت رواية اخرى ان المقدم وصفي طاهر هو من اسرَّ للخادمة التي تعمل لدى عائلة نوري السعيد بالهجوم الوشيك على دار نوري السعيد، وقد نقلت تلك الخادمة ذلك الكلام الى نوري السعيد،وان اقدام المقدم وصفي طاهر على ذلك العمل كان بسبب علاقته الوطيدة ومحبته لنوري السعيد منذ ان كان مرافقاً خاصاً له لعدة سنوات.

و أشارت رواية اخرى الى قيام المقدم وصفي طاهر بلقاء نوري السعيد في منزله، بعد ان تم ايقاظ الاخير من نومه، وقد اعلمه بحدوث انقلاب من قبل عبد الكريم قاسم والضباط الاحرار، وانه تم ارسال قوة عسكرية الى بغداد بقيادة عبد السلام محمد عارف، وأرسلت قوة لمحاصرة قصر الرحاب، وقوة اخرى تقوم بالهجوم على منزله لإلقاء القبض عليه، وقد نصحه بالهروب.

استقل نوري السعيد قارباً بعد أن اشهر مسدسه صوب اصحابه طالباً منهم نقله صوب الرصافة، لكنه غير رأيه وذهب متجهاً الى منزل صالح مهدي البصام الكائن في كرادة مريم والذي لا يبعد كثيراً عن منزله، وقد تلقاه مرتضى مهدي البصام شقيق صالح مهدي البصام وبعد أن ادخله الى المنزل اعلمه بسقوط الحكومة، مما دفع نوري السعيد الى البحث عن مكان قد يكون اكثر امناً، فترك الدار متجهاً بصحبة مرتضى مهدي البصام الذي قام بتهريبه, وبعد ان وضعه في صندوق السيارة الخلفي قاصداً دار محمود الاستربادي في الكاظمية والذي تربطه علاقة صداقة وثيقة بنوري السعيد.

امضى نوري السعيد ليلته الأخيرة في دار محمود الاستربادي والمصادفة ليلة 14 / 15 تموز وقد سمع هنالك بيان الحكومة حول دعوة الشعب الى القاء القبض علية حياً او ميتاً وتخصيص الحكومة مكافأة قدرها عشرة الاف دينار لمن يلقي القبض عليه، كما علم بمقتل العائلة المالكة، ومقتل ولده صباح ( قتل صباح نوري السعيد ظهيرة يوم 14 تموز 1958، حينما خرج مخموراً الى شوارع بغداد وقد حمل مسدساً في يده وقام بالصراخ قائلاً: ((اين هذه الثورة... اننا أسياد البلاد واولياء نعمته)) ثم قام باطلاق الرصاص من مسدسه دون وعي، فردت عليه الجماهير بإطلاق الرصاص عليه فاردته قتيلاً).

غادر نوري السعيد دار محمود الاستربادي ظهيرة يوم 15 تموز متنكراً بعبائة نسائية بصحبة (بيبية قطب) زوجة محمود الاستربادي وخادمتها، واستقلوا سيارة يقودها مظفر محمود الاستربادي، وقام الاخير بايصالهم الى دار هاشم جعفر زوج احدى بنات محمود الاستربادي اسرع هاشم جعفر الى وزارة الدفاع والتقى بعبد الكريم قاسم وابلغه بوجود نوري السعيد في منزله، وعلى اثر ذلك اوعز عبد الكريم قاسم الى المقدم وصفي طاهر بالتوجه مع مفرزة الى منزل هاشم جعفر والد عمر واعتقال نوري السعيد.

شعر نوري السعيد بالخطر الذي سوف يداهمه في حال بقائه في دار هاشم جعفر، إذ راودته الشكوك تجاه عمر هاشم جعفر بعد أن خرج من الدار, فخرج بصحبة بيبية قطب زوجة محمود الاستربادي واحدى الخادمات قاصداً دار محمد العريبي في منطقة البتاوين ولما استفسر نوري السعيد عن دار محمد العريبي عرفه صاحب أحد المحلات التجارية واخذ يصيح: ((نوري السعيد... نوري السعيد... امسكوه)).

تجمهر الناس على اثر ذلك حوله،وقد أخرج نوري السعيد مسدسه وقام باطلاق النار يميناً ويساراً، ثم تبادل اطلاق النار مع الجماهير وبعض الجنود الذين كانوا في مكان الحادث مما أدى الى مقتل نوري السعيد وبيبية قطب زوجة محمود الاستربادي فيما هربت الخادمة لتنجو بحياتها، ولما وصل وصفي طاهر مع مفرزته وشاهد نوري السعيد غارقاً بدمائه قام برميه بعدة أطلاقات نارية.

وترددت رواية اخرى افادت ان نوري السعيد لما اراد الذهاب الى دار محمد العريبي، بصحبة بيبية قطب زوجة محمود الاستربادي وخادمتها، لاحظ في الطريق قدوم مفرزة بأمرة المقدم وصفي طاهر، وقد أمر المرأتين بتركه وقد تركته الخادمة لتنجوا بنفسها، فيما ظلت زوجة محمود الاستربادي معه ظناً منها إن وصفي طاهر سوف يقوم بحماية نوري السعيد، فقام نوري السعيد باخراج مسدسه واطلق النار على نفسه منتحراً (، فاقترب منه المقدم وصفي طاهر وقد وجد ان انفاسه لم تتوقف فقام باطلاق الرصاص عليه، ولما قامت بيبية قطب زوجة محمود الاستربادي بالطلب من وصفي طاهر انقاذ نوري السعيد حينما اقدم على الانتحار، لكن وصفي طاهر قام باطلاق النار عليها معتقداً انها رجل بسبب خشونة صوتها، فارداها قتيله في الحال. هنالك شائعة افادت ان نوري السعيد سبق وان صرح قبل مقتله انه لن يتردد في اطلاق النار على نفسه إذ ما وجد نفسه لا يستطيع النجاة من الموت، ولذلك كان يحمل سلاحه الشخصي (المسدس) بصورة دائمة، وانه اقدم على الانتحار حين وجد نفسه لا يستطيع النجاة من الموت وبخاصه بعدما خصصت مكافأة قدرها عشرة الآف دينار ثمناً لمن يلقي القبض عليه حياً او ميتاً

وذكرت رواية اخرى أن نوري السعيد قد قتل على يد احد الجنود من منتسبي القوة الجوية إذ استطاع ذلك الجندي اخذ المسدس من يد نوري السعيد لما اراد الدفاع عن نفسه بعد أن تجمهرت الجماهير حوله وقام بإطلاق النار على نوري السعيد فارداه قتيلاً على الفور، وان المقدم وصفي طاهر قام بإطلاق الرصاص على جثة نوري السعيد بعد ان وجده قد فارق الحياة.

ونعتقد ان الرأي الأرجح حول مقتل نوري السعيد هو قيامه بالانتحار وما يدعم ذلك الرأي هو تصريح نوري السعيد قبل إقدامه على ذلك بمدة سابقة انه سيطلق النار على نفسه اذ ما وجد انه لن يستطيع النجاة من الموت، وذلك ما يفسر قيامه بحمل سلاحه الشخصي بصورة دائمة في المدة التي سبقت تلك العملية , وان المقدم وصفي طاهر قام بإطلاق الرصاص عليه بعد ان وجد نوري السعيد قد فارق الحياة , وقد يكون إقدامه على ذلك العمل طمعاً في الحصول على المكافأة المادية التي رصدتها الحكومة لمن يلقي القبض على نوري السعيد حياً أو ميتاً.

نقلت جثة نوري السعيد إلى وزارة الدفاع وقد شاهدها عبد الكريم قاسم وعدد من الوزراء وقادة الفرق، وبقيت هنالك حتى المساء، ولما خلت شوارع بغداد من حركة الأشخاص تم نقل الجثة إلى مقبرة باب المعظم ودفنت في تلك المقبرة.

وهناك رواية أخرى افادت ان جثة نوري السعيد بعد ان شاهدها عبد الكريم قاسم والضباط العسكريين في وزارة الدفاع ثم نقلها الى الطب العدلي، ثم نقلت الى معسكر ابي غريب ودفنت في ذلك المعسكر، لكن بعض المواطنين حينما علموا بمكان دفن نوري السعيد قاموا بأخراج الجثة وربطها بالحبال، وقام بعض الاشخاص بسحلها في شارع الرشيد ثم الوزيرية والاعظمية والكاظمية، بعدها قاموا بحرقها في منطقة الحيدرخانة، وقد علقت لافتة في المكان الذي قتل فيه نوري السعيد كتب عليها: ((هنا قتل الذي كان يقول ان الذي يقتلني لم يولد بعد)) .

عن رسالة (ظاهرة الاغتيالات السياسية خلال العهد الملكي)