في ذكرى رحيل الفنان حسن زيرك

في ذكرى رحيل الفنان حسن زيرك

ما اكثر المطربين والمغنين الذين نستمع الى أصواتهم يوميا في كل مكان، ولكن ما أندر المبدعين منهم الذين لايمكن نسيانهم، والمطرب حسن زيرك رائد الاغنية الفلكلورية الكوردية من الفنانين الكورد الذين نالوا إعجاب عشاق الغناء الكوردي في حياته ورحيله. فعشاق صوته كثيرون جدا وهم من مختلف الطبقات ومن مختلف المستويات الثقافية، الذين يهتزون طربا لصوته الشجي.

وعندما ودع عالم الغناء والالحان لم يتزعزع موقعه في قلوب محبي صوته الذي كلما حملته امواج الاثير الى مسامعنا نحلق في الاجواء الكوردستانية الخلابة، وتنشي نفوسنا مع الفرح الفطري في لحظات حالمة مع ذوات الحسن والدلال والمتبخترات في اغنية (لوركي لوركي) كما نرحل مع اغنية (كاكي جوتيار) الى اجواء الحقول والسنابل الملائ بالحبوب والبيادر. وما يرافق هذه الاعمال من تعب وارهاق وافراح وامال بجني الحاصل. وهو الذي يملاء قلوبنا بالحزن النبيل الصادق النابع من المشاعر الانسانية الخالصة التي نشعر بها عندما نفراق الاحبة والبعاد عن الوطن. او تحطم القلوب الذابلة الذاوية الالمكلومة المكبوتة بالصدر او برحيل الاحبة.والتفاوت الاجتماعي الذي يقف حائلا امام العشاق المعدمين لانه كان يعني من اعماق قلبه الصادق ويصور العواطف والمواقف الانسانية بصدق.

حياة قاسية:

ولد حسن زيرك في مدينة بوكان سنة 1926 يوم كانت قصبة صغيرة، من أسرة فقيرة وعاش حياة قاسية ذاق خلالها الجوع والحرمان، وعاش حياة التشرد والبطالة.فاضطر للرحيل والتنقل بين المدن والقرى المختلفة طلبا للعمل وبحثا عن الرغيف. منذ ايام صباه عاملا في المقاهي والمطاعم والفنادق وزاول اعمالا ومهنا مختلفة فعمل كمساعد سائق بين المدينة والريف.ولكن كل هذه الاعمال المرهقة لم تسبب له الياس والاحباط بل زادت من حدة ذكائه وتوقد ذهنه ورهافه احساسه، مما يدفعنا للقول… لقد كانت لمعاناته دور كبير في خلق شفافية حسية لديه، ساهمت في نمو موهبته. اذ كان يدندن مع نفسه بالالحان الفلكلورية الشائعة، كتنفيس عن معاناته، ولان الاغنية كانت دوما وسيلة للتعبير عن المعاناة والاحزان والافراح، وهو الانسان الذكي النابغ الذي اوتي مواهب فطرية في الحفظ والاداء ونظم الشعر ولم يتعلم في صباه في اية مدرسة. ولكن تعلم فيما بعد بجهوده الخاصة وبمساعدة زوجته(ميديا زندي) التي كانت معلمة واقترن بها عام 1956 كما استفاد من رحلاته وجولاته بين القرى والارياف سواء خلال بحثه عن العمل او في جولاته الفنية قيما بعد ان اشتهر واصبح معروفا بين الناس فكانت حصيلته من جولاته الكثيرة عددا هائلا من الاغاني والالحان الفلكلورية الشعبية الاصيلة، والكلمات المعبرة وهو المعروف بسرعة الحفظ وحضور البديهة.

وكانت العادة السائدة انه اذا حل مطرب ضيفا على قرية ما يجتمع حوله شباب القرية وهواة الغناء احتفاء بمقدمه ولعرض مهاراتهم الغنائية. من اجل ان يالف الضيف تلك الاجواء وتسري روح المنافسة بين المغنين، ومن اجل ان يزول عن الضيف الخجل والتردد.ولذا يمكن القول انه تعلم من الناس ثم اخذ يؤدي ماتعلمه من الاخرين مضيفا اليه من روحه وموهبته وابداعه الشيء الكثير وهذا مما ساعده ليكون رائد للاغنية الفولوكلورية الكردية، ومازلت اتذكر انه عندما زار الراحل منطقة بن كورة في ناحية قورتو سنة 1957 وحل ضيفا في قرية كاني ماسي وكان يصحبه محمد جيران فزارا عدة قرى اخرى، وبعد رحيله عن القرية ظل الناس يتحدثون عنه وعن صوته لمدة طويلة لذا ليس غريبا ان يتمتع بهذه الشعبية الواسعة نظرا لكثرة معجبيه وعشاق صوته الكثيرين حتى قبل انتشار اجهزة الراديو وظهور التلفزيون في القرى.وبهذه الوسيلة اي بواسطة الاتصال المباشر بينه وبين الفلاحين توطدت العلاقة بينه وبينهم واكسب سمعة عريضة في كردستان. لقد برز حسن زيرةك بعد جيل الرواد امثال سيد علي اصغر كوردستاني وكاويس اغا وعلي مردان. ولكن الشيء الذي يميزه عنهم ان اؤلئك الرواد كانوا يؤدون المقامات والاغاني الكلاسيكية وكلمات اغانيهم كانت من دواوين الشعراء الكلاسيكيين من امثال (مولوي وكوردي ونالي وغيرهم)، وكانوا احيانا يؤدون بعض الاغاني الفلكلورية والبستات كفاصل او وصلات غنائية بين المقامات. بينما امتاز حسن زيرك بطريقته الخاصة وصوته المتميز وكان احيانا يؤلف اغنية في الحال عند اعجابه بحسناء شاهدها. لذلك يعتبر مدرسة في الغناء اذ نقل اغاني الارياف الكوردستانية والحانها الاصلية الى المدن.

وغنى المقام ايضا وكانت سنة 1953 سنة حاسمة في حياته اذا سجل اغنيته الاولى للاذاعة الكردية في بغداد. وكان يعمل حينذاك في فندق شهرزاد ببغداد والذي كان معظم روادة من الكرد. وكان الرئيس مام جلال طالباني انذاك دور رئيس في ايصاله الى الاذاعة الكردية، بعدما استمع الى صوته واعجب بادائه وتوسم فيه النبوغ والوموهبة فبذل جهوده لايصاله الى الاذاعه ليسجل اغانيه وليشتهر بواسطتها وسطع نجمه اكثر فاكثر بعد مشاركته مع مجموعة من الفنانين الكرد عندما شارك في الحفلة التي احيتها فرقة (مولوي) الموسيقية على قاعة اعدادية السليمانية للبنين فابدع اثناء الحفلة ولا سيما انه كان وسط جمهوره الكردي فابدع خلال الحفلة المذكورة وطار صيته في الافاق، وظل يواصل الغناء حتى سجلت له اكثر من سبعين اغنية في الاذاعة الكردية في بغداد وعشرات الاغاني في الاذاعة الكردية في كرمانشاه حيث كانت زوجته ميديا الزندي تعمل مذيعة وتساهم في بعض التمثيليات بالاضافة الى تسجيلاته في محلات التسجيل الاهلية، ومعظمها اغنيات فلكلورية اصيلة لذا يمكن ان نعتبر ماتركه هذا الفنان القدير ثروة قومية لشعبنا الكردي يمكن للمعاهد الفنية الكوردية الاستفادة من تلك الالحان الاصلية ووضع النوطات الموسيقية لها وتعليمها للاجيال القادمة ورغم ان هذا المطرب الموهوب لم يعش طويلا اذاوافته في 26 حزيران سنة 1972 ودفن في مقبرة(ناله شكينة) التي غنا لها اغنية كردية شجية. وسيظل خالدا في قلوب وضمائر الناس وعشاق الالحان الاصيلة والانغام الجميلة.