من ذكريات الشباب في منطقة العرصات

من ذكريات الشباب في منطقة العرصات

عبد الكريم الحسيني

اواخر الاربيعينيات من القرن الماضي قررت الاوقاف استثمار ارض منطقة العرصات التابعة لها باسلوب (المساطحه) اي بتأجير الارض لمة 30 سنه على ان يستثمرها المؤجر ببناء دار سكن فيها وعلى ان تعود الابنيه الى الاوقاف عند انتهاء العقد تم تقسيم المنطقه الى 600 قطعة ارض تتراوح مساحاتها بين 700 م والى 1400 م

وبعض القطع القليلة وصلت مساحاتها الى 3000 م على ضفاف دجله بدأ العمران فيها اوائل الخمسينات وهي منظمة بشكل شارع وسطي بعرض 20 م و3 شوارع فرعية بعرض 20 م وازقة بعرض 12 م تربط المنطقة مع الكراده خارج والمسبح.

بدأت العرصات (كلمة العرصات تعني باللغة العربية هي الارض الخالية) بالازدهار لاسباب عديده اهمها انها ضمت النخبة من المجتمع العراقي ومن المتحررين من العادات والتقاليد الاجتماعية ولذلك كانت تمثل عراقا صغيرا بكل طوائفه واديانه وقومياته وكانت تمتاز بالنظافة والحداثة والخدمات الممتازة قياسا بالمناطق الاخرى وفيها الكثير من الاجانب والدبلوماسيين والاطباء والمهندسين والتجار والصناعيين وكانت تحظى برعاية بلدية جيده وفيها خدمة التوصيل المجاني لبعض الامور..

كان شباب العرصات يختلف عن غيره للاسباب التي ذكرتها وكان ميله وتطلعاته نحو التقدم في اوربا وامريكا ويحاول ان يقلدها...

وهذا لايعني انه كان شبابا هامشيا بل كان مشارك في كل الفعاليات الوطنية والقومية ومتفاعل معها بقوة,, فيها نوع من الانفتاح الاجتماعي بين العوائل وبين الجنسين بالرغم من تضييق المجتمع لهذا في تلك الايام فكان العديد من الشباب من المناطق الاخرى يخشى الدخول الى العرصات خجلا من ان لايكون متوافقا في ملبسه او تصرفه او كلامه ولي في ذلك تجارب عديدة مع اصدقاء رفضوا القدوم معي الى العرصات لهذه الاسباب..

اشتهرت عرصات الهندية في منتصف الستينيات بعد حادثة عرضية سوف اتطرق لها والتي جعلتها قبلة الشباب فى كل عام في عيد راس السنة الميلادية حتى وصل الامر ان تتدخل الجهات الامنيه في الموضوع لاحقا..

كنا مجموعه من الاصدقاء لاتزيد عن 10 شباب من عوائل مختلفة ماديا ودينيا ومذهبيا وكانت العرصات تضم اكثرية مسيحية ولم نشعر يوما باي حرج او خلاف بل كنا متعايشين بشكل يفوق التصور وكانت الفعاليات مشتركة والبيوت مفتوحة والعلاقات على احسن مايكون.

من العوائل التي كانت في هذه المنطقه (بيت مبارك,تجار مواد غذائية - بيت علاوي, تجار وصناعيين - بيت الخضيري,تجار وصناعيين - بيت حمره,تجار , الجميلي ,صناعيين - محمد على عبود طبيب مشهور- الحاج خليل الهنداوي,صناعي - السبتي ,مقاولون - بوتاني ,تجار - بيت رومايا ,تجار بيت بابان ,الدكتور المشهور سلوان جمال بابان- بيت الطالباني ,, حسن الطالباني عم المام جلال - بيت عاصم فليح - بيت الرسام - بيت البير - بيت الاورفلي واخرون كثير يضيق المقال بذكرهم جميعا)..وهكذا من هذه النخبة الخيرة.

كانت فعاليات الشباب متنوعه منها صيفا السفر الى لبنان وشتاءا في الدراسة وارتياد النوادي والمكتبات ومعاهد اللغات والسباحة وركوب الخيل وقيادة السيارات وغيرها وكانت اهم فعالية هي الاحتفال بعيد راس السنه الميلادية..

واذكر في عام 1963 فازت السيده (سميرة قرمة) بلقب ملكة جمال بغداد في حفل بهيج في نادي الاوبرج في بارك السعدون وكان احتفالا لكل الشباب وفي العام الذي يلي 1964 وفي عيد راس السنه (ليلة 31 \ 12 على 1\1 1965) اقامت الملكة سميره حفلا في دارها وارسلت خبرا للشباب بانهم غير مدعوين الا من كان بصحبة فتاة (كبل) وتعرفون ان هذا شرط تعجيزي في تلك الايام واصابتنا الحيرة واثناء جلوسنا عند الحلاق (انترانيك) دخل علينا احد الاصدقاء (فاروق) وهو صاحب مطعم الافريقي مقابل سينما سميراميس وهو شاب اشقر جميل المحيا وهو من الاخوه المسيحيين فراودتنا فكرة ان نجعله يمثل دور فتاة وفعلا وافق واجريت له المكياجات اللازمة وتهيأنا وكانت العادة ان نرتدي نحن اقنعة ودخلنا نحن 4 مع فتاة واحدة (تقليد) ونجحنا في الدخول على اساس اننا ضيوف من منطقه اخرى ولكن افتضح امرنا عندما تناول احدنا المشروب واضطر لرفع القناع وعند ذلك صرخت احدى الفتيات (هؤلاء شباب العرصات!!) خرجنا على اثر ذلك الى الشارع وكانت الساعة تقارب الواحد ليلا وتجمهرنا في وسط المنطقة وتوقفت بعض السيارات العائده من الاحتفالات وترجل منها بعض الشباب والصبايا حتى اصبحنا مجموعة وشاءت الصدف ان تقف سياره (فان) فيها فرقة موسيقية والاتها وتم انزال الالات الى الشارع وبدأ العزف وبعض الفتيات نزلن ورقص الجميع حتى اصبحت جمهورا كبيرا واستمر هذا الحال حتى الرابعة فجرا..

بعد ذلك شاع الخبر في كل بغداد واصبح تقليدا سنويا يؤديه الشباب الى سنين متتالية حتى الت الى من هم اصغر منا سنا وباشكال مختلفة حيث يحضر التقليد مئات من الشباب من جميع مناطق بغداد وفي بداية السبعينات لم يكن هناك احد يؤدي التقليد والشباب يتقاطر على المنطقة من كل انحاء بغداد وعندما لم يجدوا شيئا والمنطقه خاليه هاجموا المحلات ورموا البيوت بالزجاجات الفارغة واضطرت الشرطة الى تفريقهم واعتقال البعض منهم..