الموصل في مذكرات متصرفها عبد العزيز القصاب

الموصل في مذكرات متصرفها عبد العزيز القصاب

د. ابراهيم خليل العلاف

تولى المرحوم عبد العزيز القصاب متصرفية الموصل في بدايات تشكيل الدولة العراقية الحديثة.صار متصرفا بين 23 كانون الثاني سنة 1924 الى 26 من حزيران سنة 1926، وخلفه ناجي شوكت وسبقه جعفر العسكري بمعنى انه من الشخصيات العراقية الرائدة التي تسلمت ادارة الموصل والتي كان الملك فيصل الاول 1921-1933 رحمة الله عليه يقول عنها اي عن الموصل انها (رأس العراق).

اليوم اريد ان اتحدث لكم عن الموصل في عهد متصرفها عبد العزيز القصاب من خلال مذكراته الشخصية التي نشرها ولده الطبيب والفنان التشكيلي الدكتورخالد القصاب بعد وفاة والده.

والمذكرات هذه من أدق المذكرات التي كتبها السياسيون العراقيون في العهد الملكي واكثرها مصداقية.

يبتدأ الاستاذ عبدالعزيز القصاب حديثه عن عمله في الموصل فيقول أنه توجه الى الموصل بقطار المساء في 22 كانون الثاني سنة 1924 ، وبرفقته ولده عبد المجيد وطبخه مبروك وعند وصوله الصيرمون وهي قرية قريبة من الموصل تقع على مرتفع في الطريق من حمام العليل الى الموصل استقبله وجهاء الموصل ومدراء دوائرها الرسمية وموظفيها وذهب الى دار الشربتي على دجلة وراء دار الضباط عند جامع الخضر عليه السلام وهي الدار المخصصة لسكنه وكان يسكنها سلفه جعفر العسكري ولم يجد في هذه الدار غير غرفة صالحة للسكن والغرف الاخرى لاتصلح بسبب ان ابوابها وشبابيكها مهشمة وقضى في هذا الدار ليلة واحدة وطلب من رئيس البلدية ان يبحث له عن دار صغيرة ففعل وانتقل اليها في اليوم التالي.

يتحدث عن لواء الموصل فيقول انه كان يشتمل على تسعة اقضية هي زاخو ودهوك والعمادية وعقرة والزيبار وتلعفر وسنجار والشيخان ومدينة الموصل مركز اللواء وكان هناك عشر نواح ملحقة بالمركز مباشرة هي حمام العليل –الشورة – الشرقاط – تلكيف- القوش – برطلة – بعشيقة – قره قوش –الحميدات ولم يكن هناك معاون للمتصرف يكون مسؤولا عن الامور الادارية لهذه النواحي.

استغرقت خدمة عبد العزيز القصاب في لواء الموصل سنتين ونصفا من 27 كانون الثاني 1924 وحتى حزيران 1926 حيث عين وزيرا للداخلية وكانت مهامه في لواء الموصل في حقبة حرجة من تاريخ العراق الحديث تطلب منه كما قال “ عملا يوميا دؤوبا يبدأ من الصباح الباكر وينتهي بعد منتصف الليل وقد انحصرت معظم مهامه في مشكلة ضم الموصل الى العراق والتي تولتها عصبة الامم عندما ارسلت لجنة اممية للاستفتاء ولاجراء مسح عام للتوزيع السكاني والعرقي والديني برئاسة اي اف فرسن وهو دبلوماسي سويدي في 26 كانون الثاني 1925 ويسهب في شرح الحالة والمواقف بدقة وقد سبق ان قدمت حلقة عن مشكلة الموصل ويمكن لمن يريد ان يرجع اليها ان يدخل على اليوتيوب فهي متوفرة.

يتحدث عبد العزيز القصاب في مذكراته الموسومة (مذكرات عبد العزيز القصاب وقد نشرتها المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت سنة 2007 عن زيارة الملك فيصل الاول للموصل في 13 كانون الاول سنة 1924 يرافقه وزير الاوقاف الشيخ ابراهيم الحيدري ووزير المواصلات والاشغال صبيح نشأت وكورنواليس مستشار الداخلية ورستم حيدر سكرتيره الخاص وقد استقبل الملك فيصل استقبالا حافلا من الوجوه والاعيان ومختاري المحلات من الموصل وماجاورها.

وقال انه اقام مأدبة كبرى في سراي الحكومة دعى اليها اشراف الموصل ورؤساءها الروحانيين ومدراء الدوائر والجالية الانكليزية وعند الانتهاء من تناول العشاء القى خطابا رحب فيه بالملك فيصل وقدم عرضا لحالة الموصل وتحدث عن الامن والاستقرار ودر الشرطة وانشاء المخافر على الحدود وخاصة في زاخو والعمادية وقال ان الحالة المالية جيدة جدا والتحصيلات سائرة سيرا حسنا واعطى ارقاما عن واردات الموصل ومصروفاتها وتحدث عن حالة التعليم والزراعة وقال ان اللواء يضم (75) مدرسة منها ثلاثون في مركز اللواء وان عدد التلاميذ سبعة الاف وعدد التلميذات الفان وثلاثمائة وان العشائر شرعت بمراجعة المعارف مطالبة بفتح المدارس لابنائها وبناتها وختم كلامه عن دائرة الصحة وانها تسير بشكل حسن وعنايتها بالمرضى اوجبت توافد المرضى حتى من انحاء ولاية ديار بكر وامتدح عمل دائرة البلدية وقد مكث الملك فيصل الاول في الموصل ثمانية ايام غادر بعدها الى اربيل وكان لزيارته أثر حسن في نفوس أهالي اللواء كما قال المتصرف.

تعرض متصرف الموصل عبد العزيز القصاب الى ان اهل الموصل شكلوا جمعية الدفاع الوطني انتخبت هيئة ادارية بهدف تنشيط الحركة السياسية والثقافية وتأكيد صيرورة الموصل جزءَ من العراق وكان من اعضاء الهيئة الادارية لهذه الجمعية احمد الفخري ومحمد حبيب العبيدي ومصطفى الصابونجي وامين بك الجليلي وفتح الله سرسم وعبد الغني النقيب واصف ال قاسم اغا وناظم العمري والدكتور عبد الاحد عبد النور وارشد العمري وابراهيم كمال الغضنفري ورشيد العمري والمحامي محمد صدقي والشيخ علي خيري الامام وضياء شريف بك وكان لهذه الجمعية فروعا في الاقضية والنواحي ويقول المتصرف ان جهود تلك الجمعية كانت مفيدة وناجحة.

ووقف المتصرف متصرف الموصل عند الاستفتاء الاممي بشأن الموصل ومواقف الموصليين حولها وقال ايضا انه بذل جهودا كبيرة من اجل فتح مدارس في تلكيف والقوش واستعان بتبرعات الاهالي من اجل ذلك فضلا عن واردات البلدية كما فتح مدارس في قرى الموالي والشيخ ابراهيم والشرقاط والشورة وحمام العليل وزمار والعاصي وسميل وعمل مع مدير المعارف محمد امين زكي على فتح مدارس في عين سفني والشيخان وسنجار وباعذرة وبالتعاون مع زعماء اليزيدية الدينيين.

كما بذل جهودا مع البلدية لتبليط شوارع داخل الموصل والى عقرة وبين باعذرة وعين سفني التي اصبحت مركزا لقضاء الشيخان واتم فتح طريق من قرية فيشخابور الى رأس مضيق زاخو وجعله صالحا لمرور السيارات ومن غير الاستعانة بوزارة المالية وقام بتصليح طرق وقناطر وتشييد جسور جديدة على طريق الموصل – تلعفر – سنجار والموصل – دهوك –زاخو والموصل – شرقاط وطريق في كرسي مركز ناحية الشمال وبمساعدة الاهالي.

طبعا هذا كله تم في السنوات 1924-1926 وقد اشار ايضا الى انشاء دوائر حكومية في اقضية سنجار والزيبار وزاخو ونواحي المزوري وشرانش واصلح دائرة الحكومة في العمادية.

وقام ايضا بإنشء مخافر متعددة على النقاط الحدودية شمال الموصل وخاصة في قرية بارزان وانشأ دكاكين على رأس جسر زاخو وكذلك خان لايواء المسافرين والسيارات في عقرة وسوق مركزي في تلفر وكل ذلك تم من خلال واردات البلدية.

واخيرا ارفق متصرف الموصل عبد العزيز الصاب ما كتبه عن الموصل في مذكراته بتقرير عن ما اسماه (طوائف الموصل)، ووقف عند التركمان واليزيديون والاثوريين وعن ما قدمه.

حقا كان عبد العزيز القصاب من المتصرفين الكفوئين الذين تولوا ادارة الموصل وفي ظروف صعبة ومعقدة وحساسة لكنه استطاع وبفضل ما توفر لديه من ارادة ورغبة في الخدمة وهمة ان يقدم الكثير للموصل وها نحن نذكره ونشيد بجهوده الطيبة ونتمى ان يحذو حذوه كل من يتولى ادارة الموصل.