المرقد الحسيني الشريف كما يصفه صحفي سنة 1913

المرقد الحسيني الشريف كما يصفه صحفي سنة 1913

إبراهيم حلمي العمر

صحفي عراقي رائد

إن الذي يجلب المسلمين إلى كربلاء هو وجود قبر الحسين بنت رسول الله وأخيه العباس بن علي رضي الله عنهما وقبور أصحابه واعوانه الذين استشهدوا معه في واقعة الطف أو يوم عاشوراء سنة 61هـ 680م

وبذلك أصبحت كربلاء مقدس المسلمين ومزارهم فيأتي إليها كل سنة لزيارة التربتين - تربة الحسين وتربة العباس - من كل حدب وصوب زرافاتٍ زرافات وجماعاتٍ جماعات قادمين إليها من ديار قاصية وربوع نائية كديار العجم وربوع الهند وآسيا الوسطى حيث يكثر الشيعة ولهذا ترى كربلاء لا تخلو من غرباء يعدون بالألوف للغرض نفسه.

وها نحن نصف للقراء ما في مرقد الحسين من الأبنية الضخمة والتزيينات الفاخرة التي هي من أفخر ما يجود به الشيعة في تدينهم وحبهم لآل البيت مستغنين عن وصف مرقد العباس لقرب المشابهة بين الجامعين إن وضعاً وإن زخرفاً فنقول:

مرقد الحسين من الاماكن الرائقة البديعة الصنع، الفائقة الحسن وهو من أعظم المساجد في العراق شأناً، وأتقنها هندسة وصناعة، وأبدعها حسناً وبهجة، وهو عَلَى شكل مستطيل طوله قرابة 70 متراً في عرض يقارب 55 متراً وللمرقد 6 أبواب فخمة جميلة الوضع وعلى كل باب طاق مرتفع معقود بالحجر القاشاني وكل باب ينتهي بك إلى حي من أحياء المدينة، وفناء المسجد كله فضاء واسع فسيح الأرجاء مفروشة أرضه بالرخام البيض الناصع وكذلك جداره فإن وجه أسفله مغشى بالرخام إلى طول مترين، وما أقول ذلك مبني بالقاشاني الجميل القطع والنحت، ويحيط بفناء الصحن جدار يحصنه قد أقيم عليه طبقتان وفي الطبقة السفلى قرابة 65 غرفة جميلة أمام كل غرفة إيوان قوسي الشكل معقود بالحجر القاشاني.

في وسط فناء الصحن الروضة المقدسة وهي من أعجب المباني وأتقنها وأبدعها شكلاً، وفي حظها بالمحاسن، وأخذت بكل بديعة بطرف يدخل إليها من عدة أبواب ليس هنا محل ذكرها وأشهر أبوابها الباب القبلي وهو من الفضة النفيسة الصياغة وفي جوانبيه سهوات محكمة البناء بديعة الشكل عَلَى هيئة النجاريب مرصعة بقطع من المرائي تأخذ بمجامع القلوب، أمامها صفة مفروشة أرضها بالرخام وكذلك جدارها الأدنى فإنه مؤزر به إلى مترين مرصع كله بزجاج ترصيعاً هندسياً يقل نظيره وسقف هذه الصفة قائم عَلَى دعائم محكمة من الساج وهذا الباب ينتهي من الداخل إلى رواق يحيط بالحرم - الروضة - من شرقيها أو جنوبيها أو غربيها وعن يمينك تجد قبر حبيب بن طاهر وعليه مشبك من الشبه فتدخل باستقامة إلى باب آخر من الفضة الناصعة العجيبة الصياغة إلى مقام محكم الصنع ملون بألوان زاهية بديعة، وهو الروضة أو الحرم الذي فيه قبر الحسين وطوله 10 أمتار و40 سنتيمتراً وعرضه 9 أمتار و15 سنتيمتراً وفي داخله من أنواع التزاويق ورائق الصنع ما يحير العقول وأكثر ذلك مغشى بالذهب الوهاج فهي تتلألأ نوراً وتلمع لمعان البرق، يحار بصر متأملها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها، ومما زادها بهجة وزخرفة وجود الجواهر النفيسة، وقناديل ذهب وفضة، وغير ذلك من المعلقات الغالية الثمن عَلَى القبر الشريف التي أهداها إليه ملوك الفرس وسلاطين الهند في عصور مختلفة مما يعجز قلم البليغ عن وصفها والإحاطة بكل ما هنالك من نفائس المجوهرات ونوادر الآثار.

وفي أقصى الحرم مصطبة نفيسة تحتها رمم الإمام، والمصطبة بديعة الصنع والنقش والحفر عجيبة الصبغ والتلوين ترى من وراء مشبك من الفضة الناصعة وهو ذو أربعة أركان وفي جانب الطول منه 5 شبابيك وعرش كل شباك منها 80 سنتيمتراً ويتفرع من وسط الجانب الشرقي منه مشبك صغير من الفضة أيضاً عَلَى ضريح ابنه علي الأكبر الذي قتل معه - وهو غير علي زين العابدين الذي فقيد مع الأسرى إلى الشام - وطول مشبك الحسين 5 أمتار ونصف المتر في عرض 4 أمتار ونصف متر وارتفاعه 3 أمتار ونصف متر وطول مشبك الابن متران و60 سنتيمتراً في عرض متر و40 سنتيمتراً، وفي أعلى مشبك الحسين 16 آنية مستطيلة الشكل كلها من الذهب الإبريز وفي كل ركن من المشبكين رمانة من الذهب يبلغ طولها قرابة نصف متر وسماء ذلك الحرم مغشاة بقطع من المرئي عَلَى شكل لا يقدر أن يصفه واصف.

وفي الزاوية الجنوبية من الحرم قبر الشهداء وهم ملحودون عَلَى ضريح واحد وعلى وجه تلك الزاوية مشبك من الفضة الناصعة طوله أربعة أمتار و80 سنتيمتراً وهو عبارة عن 4 شبابيك عرض كل واحد منهم 75 سنتيمتراً وارتفاعه متر و70 سنتيمتراً، ويغطي الحرم كله قبة شاهقة مغشاة من أسفلها إلى أعلاها بالذهب الإبريز، وفي محيطها من الأسفل 12 شباكاً عرض كل شباك متر واحد من الداخل ومتر و30 سنتيمتراً من الخارج ويبلغ ارتفاع القبة من أسفلها أي من سطح الحرم إلى أعلاه قرابة 15 متراً.

وفي هذا المرقد ثلاث مآذن كبيرة يناطحن السحب صعدت في الهواء اثنتان منها مطليتان بالذهب الوهاج وهما حول الحرم والثالثة مبنية بالقاشاني وهي ملتصقة بالسور الخارجي من الجانب الشرقي وهناك أيضاً ساعة كبيرة مبنية عَلَى برج شاهق يراهما المرء من مكان قصي، وصفوة القول أن الكاتب مهما أوتي من البلاغة والفصاحة والإجادة في الوصف لا يمكنه أن يصف كل ما في هذا المسجد الضخم من الأبنية والأروقة والتزيينات وما كتبناه ليس إلا ذرة من جبل أو نقطة من بحر زاخر.

وصف خزائن الأئمة في كربلاء

يوجد في كربلاء والنجف خزائن قديمة العهد فيها آثار ذات قيمة لا تثمن نذكر منها خزانتين للحسين والعباس رضي الله عنهما في كربلاء وخزانتين للإمام علي كرم الله وجهه وقد حوت هاتان الأخيرتان من الآثار التاريخية النفيسة ما لا يمكن وصفه لأنهما بقيتا بعيدتين عن أذى الوهابيين إبان حملتهم عَلَى العراق في أوائل القرن التاسع عشر، وأما خزائن الحسين والعباس فقد أتلفها يد الضياع وذهب أكثر ما فيها أثناء الغارة الوهابية عَلَى كربلاء.

وأما خزانة العباس فهي أغنى الخزائن بعد خزانتي الإمام علي وهي عبارة عن مستودع أسلحة هو عبارة عن غرفتين مملوءتين أسيافاً ذات غرارين قامته ذات حدٍ واحدٍ، والذي يؤسف له إهمال ولاة الأمر هذه الأسلحة القديمة التي أصبحت أثراً بعد عين، وفيها صناديق عديدة مشحونة بأنواع الشالات الثمينة وأستار من الحرير المقصب، ومسارج شمعدانات ذهبية فاخرة، وسيف ذهبي فاخر مرصع محلى بالنقوش الدقيقة، وإبرة كبيرة من الألماس ذات قيمة غالية، ومسرجة شمعدان فاخرة مرصعة بالحجارة القديمة قيل أنها تساوي ألف جنيه، هذا عدا السجاد الجميل المزدان بأبدع التصاوير وأغرب النقوش، منها سجادة مصنوعة من الحرير دقيقة الصنع أهداها إلى الخزان الشاه عباس وقد كتب عَلَى حاشيتها كلب أستانة حضرة عباس أي كلب عتبة حضرة العباس.

أما خزانة الإمام الحسين فلم يبق منها عَلَى ما علم شيء جدير بالذكر، وكل ما هناك 16 إناءً مستطيلاً كلها من الذهب الإبريز وهي الآن موجودة في أعلى مشبك الحسين وقد مر ذكرها، وسبب فقر خزانة الحسين ناشئ من وقوعها بين أيدي الوهابيين.اظنك تتعجب من غنى هذه الخزائن ولكن لو علمت أن كربلاء عَلَى اتساعها وكثيرة سكانها لا يوجد فيها اليوم مدرسة ثانوية لازداد عجبك، ولو طفت قرى كربلاء واحدة بعد أخرى لرأيت كلها - عدا النجف الأشرف التي هي اليوم مقر العربية وموطن أدبائها وفضائلها - وفي أسوأ حال بل: لرأيت الجهل متفشياً بن أبنائها، عَلَى أني أقول ما أقول لو أن أهل الحل والعقد في العراق يؤلفون جمعية يثق بها الناس لبيع هذه الآثار في أسواق أوربا ويشترون بأثمانها عقارات أو يشقون جدولاً أو يفتحون بها مصرفاً زراعياً أهلياً يساعد الفلاحين عَلَى قضاء حاجاتهم، وترويج مصالحهم، وينشئون مدرسة عالية في النجف أو كربلاء

مجلة (المقتبس)في 1 ـ1 ـ1913 / العدد 84