كوركيس عواد وكتابه (خزائن الكتب القديمة في العراق)

كوركيس عواد وكتابه (خزائن الكتب القديمة في العراق)

د. محمد نزار الدباغ

ان كتاب كوركيس عواد الموسوم (خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة 1000) للهجرة وهو موضوع هذه الورقة، يعد من أوائل الكتب التي عنيت بالبحث والتدقيق عن خزائن الكتب والمكتبات في العراق،

وهو أول كتاب يصدر باللغة العربية يتناول بالحديث مكتبة آشور بانيبال، وانتهاء بخزانة ابن الثردة وهي من خزائن القرن الثالث الهجري/القرن التاسع الميلادي، وقد صدر الكتاب بطبعته الأولى سنة 1948، ثم أعيد طبعة ثانية سنة 1986 عن طريق دار الرائد العربي في بيروت وبواقع (353) صفحة وعلى الطبعة الأخيرة كان اعتمادنا في إعداد هذه الورقة.

قدم كوركيس عواد في كتابه (خزائن الكتب القديمة في العراق...) وصف واستعراضاً وتوثيقاً تأريخياً لما يربو على المائة وسبعة وستين مكتبة وخزانة كتب، عامة كانت أم خاصة، لخلفاء وملوك وسلاطين ووزراء وقضاة وأدباء وشعراء ومؤرخين وفقهاء ومحدثين ولغويين وفلكيين ومنطقيين وغيرهم الكثير.افتتح كتابه بمقدمة ذكر فيها دواعي تأليف كتابه مبيناً أن الإنسان العراقي عرف باهتمامه بخزائن الكتب وعنايته بها ومما جاء في مقدمة كتابه حول سبب تأليفه لهذا السفر الكبير قال: ((فرأينا أن نستقصي ما انتهى إلينا من أخبار تلك الخزائن مستندين في كل خبر نورده أو إشارة ندونها إلى أوثق المصادر وأثبتها))، وقسم الكتاب إلى أربعة أبواب، ضم كل باب عددا من الأقسام وصلت أحيانا إلى خمسة أقسام وهذا ما نلاحظه في الباب الرابع من الكتاب والمعنون بخزائن كتب العراق في العصر الإسلامي والذي شغل أكثر من ثلثي الكتاب، ورتب ذكر المكتبات وخزائن الكتب تاريخياً منذ القديم فالأحدث إذا ما كان الكلام عن الخزائن العامة أو خزائن الملوك والقديمة منها على وجه الخصوص وهكذا، وان كانت الخزائن ضمن عصر معين أو حقبة تاريخية معينة وكانت تتعلق بالعلماء رتبها حسب سنة وفاة العالم، جاء الباب الأول بمباحث تمهيدية عن أنواع الخزائن بين خاصة وعامة، والكلام عن الوراقة والوراقون والمتضمن عملية نسخ الكتب وبيع أدوات الكتابة وتجليد الكتب وبيعها وشرائها، ووقف الكتب ومصائرها ما بين حرق الكتب وغرقها أو دفنها وكذلك غسل الكتب وهو أسلوب آخر من أساليب إبادة الكتب.أما أبواب الكتاب الأخرى فقد ذكر فيها خزائن الكتب مرتبة وفق التسلسل التاريخي أو الزمني، كذلك نجد أن هذه الخزائن قد تنوعت من حيث أماكن وجودها سواء كانت في القصور الملكية وهو ما ينطبق على خزائن الكتب القديمة في العراق كخزانة الملك آشور بانيبال، وأحيانا أخرى نجدها موجودة في المساجد أو الجوامع والمدارس ودور العلم والحال ذاته في الكنائس والأديرة وربما أننا نجدها في أماكن اصغر نسبياً كالمراقد والمشاهد والربط وإذا ما ارتبطت خزانة الكتب بذكر احد العلماء نجدها تشكل حيزاً من بيته أو انه قد خصص لها مكاناً في غرفة من غرف البيت.يبدأ التوثيق التاريخي عند كوركيس عواد في ذكره لخزائن الكتب بذكر مسمياتها والتي ربما يكون لها أكثر من اسم، ثم يذكر موقعها ضمن أي تشكيل عمراني تكون هل هي في مسجد أو جامع أو دير أو بيت، ثم يأتي على ذكر الإشارات التاريخية للخزانة حسب ما أتت على ذكره المصادر والمراجع مع ذكر اسم منشئها أو لمن تعود وذكر شيء من أخباره وعمله.

ومما يبين دقة المؤرخ كوركيس عواد انه كان يهتم بذكر التفاصيل الدقيقة لخزائن الكتب فكان يذكر أحجامها ما بين كبيرة أم صغيرة والعاملين عليها إن لم تكن إدارتها من قبل صاحبها، وما تقدمه الخزانة والقائمين عليها من خدمات للعلماء وطلبة العلم الوافدين إليها، ولا غرو أن نجد اهتمام كوركيس عواد بذكر بعض المخطوطات والكتب والرسائل والأوراق التي كانت موجودة في بعض الخزائن كون أن البعض منها يعد نفيساً لجمال خطه وزخرفته وتلوينه وتجليده أو كون البعض منها يعود تاريخ نسخه وكتابته إلى قرون متقدمة، وربما يكتسب المخطوط الموجود في خزائن الكتب عند كوركيس عواد أهميته من موضوعه الذي يعالجه وربما لندرة المخطوط نفسه وهو بذلك قد أفادنا بذكر عناوين للكثير من المخطوطات والكتب وأعلمنا بوجودها، كون أن العديد منها هو الآن بحكم المفقود أو الضائع وربما لم يعد موجوداً في نفس الخزانة التي وثقها كوركيس عواد ونقل إلى مكان آخر أو أصابه الضياع أو التلف لو تعرض للسرقة والكلام ينطبق على مخطوطات المساجد والأديرة وينتهي كوركيس عواد من توثيقه للخزانة بذكر مصيرها وما آلت إليه.ونجد أن كوركيس عواد قد ذكر في نهاية كتابه الموسوم ب(خزائن الكتب القديمة في العراق) مجموعة من الملاحظات والاستدراكات جاء بعضها بعد طباعة الكتاب وهذا إن دل على شيء فيدل على متابعة كوركيس عواد لأخبار هذه الخزائن حتى بعد إخراج كتابه منبهاً إلى أهم الدراسات والبحوث التي عثر عليها بعد طباعة سفره القيم.وأُختتم الكتاب بمجموعة من الفهارس سهلت على الباحث العثور على أي معلومة يحتاجها سواء كانت متعلقة بعَلم من الأعلام أو مدينة أو خزانة، فابتدأ بفهرس أعلام الناس وتلاه فهرس الأقوام والملل وفهرس الأمكنة والمواضع وفهرس خزائن الكتب وفهرس أسماء الكتب والرسائل من مطبوعة ومخطوطة والمقالات والجرائد والمجلات وقد ذكرها مختصرة مقصورة على لقب المؤلف وكتابه أو ذكر اسم الكتاب فقط كونه قد جاء على ذكر المعلومات النشرية للكتاب كاملة لدى ورودها لأول مرة في هوامش صفحات الكتاب، وذكر فهرساً للألفاظ الدخيلة والمصطلحات وما إلى ذلك واختتم فهارسه بذكر فهرس محتويات الكتاب.لقد كان كوركيس عواد من أهم المفهرسين في العراق بلا منازع، وقد حصر جل اهتمامه في هذا المجال.توفي رحمه الله سنة 1992.ويقينا أن ما تركه من منجزات تجعله يحتل مكانة مرموقة ليس في ساحات التاريخ الثقافي في العراق المعاصر وإنما في التاريخ الثقافي العربي والعالمي.