المفكرون الأربعة الذين أعادوا إختراع الفلسفة

المفكرون الأربعة الذين أعادوا إختراع الفلسفة

ترجمة: أحمد الزبيدي

يتحدث هذا المقال عن كتاب مهم بعنوان (زمن السحرة) من تأليف الفيلسوف الألماني ولفرام إيلنبرغر صدرت مؤخراً ترجمته الى اللغة الانجليزية:

يعيدنا كتاب (زمن السحرة) الى فترة ما بين الحربين العالميتين، حين سعى أربعة مفكرين كبار هم لودفيج فيتغنشتاين ومارتن هايدغر وإرنست كاسيرير ووالتر بنيامين إلى تغيير العالم من خلال إعطائه اهتمامهم الكامل - وهو درس لا يزال يتردد صداه بعد 100 عام.

في عام 1936، كان الكاتب الألماني والتر بنيامين يكتب من منفاه في باريس،عن عواصف الماضي القريب بيأس واضح. فقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة بحيث كان من الصعب تسجيل ما حدث بالفعل.فقد شهد العالم نوعاً جديداً من الحروب، واستخدام التكنولوجيا بشكل لاإنساني وبشع، وحدثت كارثة اقتصادية، ومستويات مروعة من الإفلات من العقاب السياسي صدمت العالم. يصف بنيامين ما يجري قائلاً”الجيل الذي كان يذهب إلى المدرسة بعربات الترام التي تجرها الخيول يقف الآن تحت السماء المفتوحة في ريف لم يبق فيه شيء على حاله سوى السحب، وتحت هذه السحب، في ميدان من الانفجارات المدمرة، كانت تتواجد هناك: “أجساد بشرية صغيرة وهشة».

ونفس الأمر ينطبق على وقتنا الحاضر.فجيلنا الحالي يحدق بقلق في السحب تحت نفس السماء المفتوحة. وهو جيل صغير وهش،و كما أكدت الأشهر القليلة الماضية، فأنه ضعيف للغاية. ربما لم نكن بحاجة أبداً إلى اولئك المفكرين الذين عاشوا في النصف الأول من القرن العشرين في أي وقت مضى مثل حالنا اليوم. فقد بدأ الأمر قبل 20 عاماً وكأننا نتقن الحداثة. من الواضح أننا تعلمنا الاستمتاع والاستفادة من عالم ما بعد الحداثة والسوق الحرة ؛ ولم يعد أحد يخاف من الشعور بعدم اليقين الأخلاقي أو السياسي أو الفلسفي.أما الآن، فليس هناك أحد يمتلك يقيناً مطلقاً.

ليس من الغريب أن يحظى كتاب “زمن السحرة” الذي كتبه الفيلسوف الالماني ولفرام إيلنبرغر، والذي نُشر لأول مرة باللغة الألمانية قبل عامين وصدرت ترجمته إلى الإنجليزية مؤخراً، بهذا الاهتمام ويستقبله القرّاء والباحثين بمثل هذا الحماس. إنه قارب نجاة فكري ينقلنا من الماضي إلى الحاضر. يمكن للمرء أن يطلق على صدور الكتاب حدثًا مهما، لولا أن المؤلف آيلنبرغر لا يريدنا فقط أن نتعلم من الفلسفة الحديثة، ولكن، والأهم من ذلك، أن نكون حذرين بشأن بعض المزاعم لهؤلاء الفلاسفة الذين افتخروا بقيامهم بالتحديق في الهاوية التي يتجه نحوها العالم.

يعيدنا زمن السحرة إلى الفترة الفاصلة بين عامي 1919 و 1929، وهو العقد الذي بدأ بالسلام وانتهى بعواقبه الكارثية، وانهيار سوق الأسهم، وتوجّه أوروبا نحو الفاشية. في هذه السنوات العشر، فكر أربعة مفكرين أوروبيين هم- لودفيج فيتغنشتاين ومارتن هايدجر وإرنست كاسيرير ووالتر بنيامين - باهتمام وقلق في كيفية الإجابة على أقدم أسئلة الفلسفة. ما هو الإنسان؟ كيف أعيش؟ وربما الأهم من ذلك، كيف يمكنني، في مثل هذه الظروف، أن أطرح هذه الأسئلة؟

كان هؤلاء الأربعة هم فتى ثري زاهد معذب اجتماعياً وقد مزقته الحرب (فيتغنشتاين)، وشخص نرجسي (هايدجر)، وشخص أخرق من الطبقة الوسطى، يائس بنفس القدر في الحب والحياة (بنيامين)، ورجل أكبر سناً، شعره أبيض لامع،، ملتزم بشدة بالماضي، خائف بالفعل من المستقبل (كاسيرر).. أراد هولاء المفكرين الأربعة جميعاً تغيير الأمور، ولكن ليس من أجل الشهرة فقط. اعتقد كل منهم أن إعادة التفكير بشجاعة في الأفكار المُسلم بها، وخرق التقاليد والتفكير السطحي، وفضح الأكاذيب، يمكن أن يدفع بالفلسفة والبشرية إلى موقع يمكن من خلاله رؤية العالم كما هو حقًا.

إن السحر الذي ابتكره هؤلاء المفكرون هو بسيط بشكل مخادع. فقد قام كل منهم، بطريقته الخاصة، بتنقية الفلسفة من أجل جعل العالم يتألق مرة أخرى. لقد جادلوا بأنه لا توجد أسس مطلقة للوجود أو المعرفة أو العيش يمكن تفسيرها باستخدام أدوات الفلسفة القديمة: لقد زعموا أن السحر الحقيقي موجود أمامنا.

كان الجميع يعرفون بعضهم البعض، على الرغم من أنهم (باستثناء العلاقة التي ربطت كاسيرر وهايدجر، لفترة قصيرة) لم يكونوا أصدقاء.. بحلول النصف الثاني من القرن العشرين، وجدت أعمال فتغنشتاين وهايدغر وبنيامين أماكنها في رفوف المكتبات. كان الطلاب الذين يدرسون الفلسفة ومفهوم التفكيك والنظرية النقدية، يعرفون أين يبحثون عن مبتغاهم.

تم التغاضي في هذا الكتاب عن الظروف التاريخية والسياسية التي كان عمل هولاء المفكرين الأربعة يستجيب لها. هناك بعض الركاكة في سرد الكتاب لسيرة حياة هولاء المفكرين حيث نعلم جميعًا ما حدث بعد ذلك - فقد كان كارثيًا.و كما يخبرنا المؤلف في خاتمة كتابه، في مايو 1933، أجبر كاسيرير على ترك منصبه التدريسي بموجب قانون هتلر المعاد للسامية وذهب إلى المنفى. في نفس الشهر، ألقى هايدغر، الذي أصبح الآن عضواً مسجلاً في الحزب الاشتراكي القومي (الفاشي)، خطابه سيئ السمعة في جامعة فرايبورغ، داعماً فيه هتلر. بعد سبع سنوات، انتحر والتر بنيامين، بعد أن جر جسده الصغير الهش فوق جبال البيرينيه. نجا فتغنشتاين فقط من طرح السؤال المهم: “الفلسفة: وماذا بعد؟»

يبدأ الكتاب وينتهي باللقاء الذي جمع مارتن هايدغر وإرنست كاسيرر في منتجع التزلج السويسري في دافوس في عام 1929 ودار فيه جدل فلسفي عميق بين الأثنين.لكن القارئ يجد في ثناياه تفاصيل عديدة عن سيرة حياة هولاء المفكرين وانجازاتهم المميزة في حقل الفلسفة والفكر.

عن نيوستيسمان