لاتقلقلق يحبسوك... وتكول انهزم كوك..الحكومة العراقية تحبط محاولة تهريب كبيرة للآثار سنة 1930

لاتقلقلق يحبسوك... وتكول انهزم كوك..الحكومة العراقية تحبط محاولة تهريب كبيرة للآثار سنة 1930

إعداد: ذاكرة عراقية

كثيرا ما كنت اردد ابيات الشاعر الشعبي الكبير الملا عثمان الموصلي في السرقة المفضوحة تلك التي قام بها مدير الآثار العراقية – البريطاني مستر كوك، ابان الانتداب على العراق، فأمست صناديق المستر كوك، مادة نقاش في البرلمان العراقي، ومادة حديث في المجالس البغدادية، وشاعت بين الناس عبر قصيدة الشاعر الشعبي البغدادي ملا عبود الكرخي:

«لا تلقلق يحبسوك، ولا تكول انهزم كوك،

ولا تكول انهزم أعلم، يا عراقي كثير تندم،

من العراق آثار هرب، لا تكول وتالي تتعب

، لأن واحد كوك ينهب، غيره يا كرخي لكوك»

وأثارت هذه السرقة النائب جعفر أبو التمن، وغيره من النواب فدافعوا عن اقتراح تعيين مراقبين عراقيين في مواقع التنقيب، وهذا ما حصل فعلا في السنوات التالية.

وقد عثرت على نص نادر عن تفاصيل هذه السرقة الاثارية التي قام بها المستر كوك مستشار الاوقاف ومدير الاثار في اواخر العشرينيات، نشرت النص مجلة لغة العرب التي اصدرها الاب انستاس الكرملي في عددها الصادر في الاول من تموز 1930 (السنة الثامنة)كما يلي:

إنكليزي يهرب عاديات العراق

المستر كوك كان مستشاراً لديوان الأوقاف منذ سنة 1918 وبقي فيه إحدى عشرة سنة ثم استغني عن خدمه وفي 31 أيار (مايو) من هذه السنة عثر مدير كمرك الرمادي على صندوق لا علامة عليه ولا كتابة وكان فيه عاديات عراقية لتهرب. ولما سئل سائق السيارة التي حملت هذا الصندوق عن صاحبه قال: هو للمستر كوك. واخرج من جيبه بطاقة عليها اسمه وانه يسلم هذا الصندوق في دمشق لرجل آخر يعرض عليه بطاقة تشبه البطاقة المذكورة. فأرسل بهنام أفندي سلمان مدير كمرك الرمادي بهذه الآثار إلى بغداد فنقلت من

كمرك بغداد إلى دار التحف في العاصمة.

وهي كثيرة ثمينة بينها خناجر ذهبية ونحاسية بأشكال مختلفة واسطوانات صغيرة من الحجر المانع إلى غيرها.

وتقدر أثمانها بعشرة آلاف ليرة إنكليزية ويقال أنها مسروقة من آثار أور.

وقبل أن يبعث بهذه العاديات كان المستر كوك طلب إجازة بإخراج آثار إلى ما وراء الديار العراقية فلم يؤذن له لأنها كانت مما لا يجوز لأحد المتاجرة بها وإخراجها من البلاد. فضلاً عن أن المستر كوك غير مجاز لأن يتاجر بمثل تلك العاديات.

وقد اتصل بجريدة العراق في 9 حزيران 1930 بأن العادة الجارية في حفظ حصة العراق من الآثار القديمة أن توضع في المتحفة من غير أن يكون لها دفتر خاص تسجل فيه – وهذا في حين كان المستر كوك مستشاراً للأوقاف ومديراً فخرياً لتلك المتحفة – ولما تعين المستر سدني سميث مديراً لها أنشأ لتلك العاديات سجلاً يدون فيه كل ما يدخل دار التحف.

فيستدل من هذا أن قبل تعين المستر سدني سميث كانت العاديات غير مضبوطة وكان من الهين أخذها والتصرف فيها. فبقيت مسألة هي: هل هذه العاديات التي حاول المستر كوك تهريبها كانت من الآثار الراجعة إلى المتحفة العراقية أو لا وعلى كل حال: لا يفهم الناس كيف حصل المستر كوك على القدر العظيم من الآثار النفيسة.

إلا أن حضرة ملاحظ المطبوعات نشر في جرائد المدينة تكذيباً لذلك وهذا نقله بحرفه: نشرت في بعض الصحف بعض أخبار مغلوطة (كذا) حول قضية الآثار القديمة التي حاول المستر كوك إخراجها من العراق لذلك رأت الحكومة أن توضح هذه القضية للرأي العام فيما يلي:

قبل مدة عرض سائق سيارة تابع لإحدى شركات النقل ما ينقله من الأمتعة على مأمور الكمرك في الرمادي ومعها بعض أمتعة تعود إلى المستر كوك مفتش الأوقاف السابق.

ولدى الفحص وجدت في أحد الصناديق بعض آثار قديمة، فطلب مأمور الكمرك من السائق إبراز الإجازة القانونية بإخراج هذه الآثار فبين له السائق أنه لا يعلم شيئاً من الآثار وأن كل ما لديه هو بطاقة أوصاه المستر كوك بأن يسلمها مع الأغراض إلى شخص في دمشق. فحجز مأمور الكمرك الصندوق المحتوي على الآثار وسمح للسائق بنقل باقي الأمتعة وقد

جلب الصندوق إلى بغداد وظهر أن فيه آثاراً خمن ثمنها بألف وخمسمائة روبية (كذا) وقد ظهر أيضاً أن القضية مخالفة للقانون بعدم حصول المستر كوك على إجازة قانونية بالتصدير. لذلك فقد صودرت الآثار المذكورة. ولما كان المستر كوك قد حصل على بعد انتهاء خدمته في الحكومة العراقية على وكالة للمتاجرة بالآثار القديمة في العراق. رأت ضرورة إخراجه من العراق نظراً إلى المنصب الذي كان يشغله في الحومة فأوعزت إليه بمغادرة العراق على الفور

<<

قد علمت الحكومة قبل مغادرته العراق أن لديه آثاراً أخرى اشتراها من الأهالي فطلبتها منه لفحصها. وهذه الآثار قيد الفحص الآن في دائرة الآثار وبهذه المناسبة رأت الحكومة أن تدرس مسألة إيجاد لجنة وطنية لمراقبة المتحف العراقي بصورة مطمئنة...

ــ آثار نفيسة لا يعرف مصيرها

ذكرت البلاد في 10 حزيران 1930: أن إحدى شركات التنقيب في العراق كشفت قبل مديدة عجلة من ذهب فيها تمثال من ذهب لملك جالس عليها ويجر هذه العجلة حصان من نضار وعثرت أيضاً على غزلان من ذهب ترعى في مرج عشبه من عسجد. وكل هذه العاديات النفيسة لا يعرف الآن مصيرها. ويقول العارفون شركة الحفر في خرستاباذ ((خورصاباد) أخرجت من العراق مائتي صندوق (كذا) مشحون عاديات عراقية نفيسة ولكنهم لا يعرفون ما كانت حصة ديارنا من هذه الثروة الهائلة.

ويشاهد زائرو المتحفة العراقية آلافاً من العاديات مطروحة على الحضيض في سرداب تلك الدار.