مسرحية ( ثانية يجيء الحسين ) لحمد علي الخفاجي

مسرحية ( ثانية يجيء الحسين ) لحمد علي الخفاجي

حسين الهلالي

اختار الشاعر محمد علي الخفاجي مأساة الحسين(ع) موضوعاً درامياً ضمن معا لجة موضوعية بين اختيارين كما ي يقول:في مقدمة المسرحية (اما القبول بواقع العجز امام ضخامة الأحداث والتصديق على احكام الوقائع الخاطئة،كشاهد يمتنع عن الشهادة، واما احتواء عذابات الأنسان وهمومه وتطلعاته المغبشة لغرض تحويلها الى سيف مبصر يؤكد وجوده الآتي وبشكل الناووس في صيغة اخرى:

وامام يسمع بالظلم

ويرضى ان يغمد سيفه

ولكأني يغمده في اعناق المظلومين

وهي لعمري معادلة صعبة تحتاج الى جهد كبير من المؤلف وخاصةًًان لغة المسرحية لغة شعرية، ولكن كيف قدم لنا الشاعر هذه الدراما التي كتب عنها الكثير من الشعراء وتناولها الكتاب،امثال عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته الشعرية بجزأيها «الحسين ثائراًُ والحسين شهيداً» والتي سبق وان كتبنا عنهاعلى هذه الصفحة وكذلك الشاعر محمد العفيفي مطر في مسرحيته»هكذا تكلم الحسين(ع ’)»هل كان ظهور هذه المسرحيات جاءت كنتيجة للقهر الأجتماعي والأستلاب والضياع والتردي في مجتمعاتنا العربية والأسلامية اقول:نعم فماوجد الشعراء والكتاب شخصاً اعظم قدراً وأجل شأنا وثائرأً يرفع مشعل ثورته في كل العصور، الاّ الحسين فأستنجدوا به، انهم يريدون حسين العصر بكل المبادىء التي حملها، ان ظرف نكسة حزيران هو

الذي دفع هؤلاء الكتاب لكتابة مسرحياتهم،وهي جميعها كتبت بعد النكسة مباشرة وحتى متقاربة في السنين لقد تصفحوا التاريخ وشخصياته، فكان الحسين «ع»منارأً ومفتاح تاريخ ألأنسانية في نضالها ضد طغاتها.

ويقول محمد على الخفاجي:(تصفحت المرحلة التاريخية بالذات مرحلة «60» هجرية كانت تشكل لدى معادلاً تاريخياً لفترة مابعد الحرب العالمية الثانية حتى عام1967 والذي تجلت احداثه بالخامس من حزيران وذلك لما بين المرحلتين من وصال موضوعي). ويقول في موضع آخر: (ان وجود الترابط بين الفترتين فترة 62هجرية وفترة 1967 كانت بمثابة الحافز لكتابة هذه المسرحية في هذه السنة، سنة 1967.

اذن كيف عالج هذا الموضوع؟ وكيف ربط احداث ذلك الزمن الطويل؟

هذه التساؤلات لايمكن الأجابة عليها الامن خلال تتابع سير المسرحية وسبر اغوارهاوالتسلسل الزمني المنطقي في تناول هذه الأحداث مرورأً بالماضي والحاضر والمستقبل في مسا رها سعياً للوصول الى الفكرة المكثفةلتقديمها الى القاري ء او المشاهد بشكل منطقي ومقنع،وقد كثف الشاعر محمد علي الخفاجي هذا الموضوع حين قدم الحسين»ع» حاملاًًمشعل ثورته يخترق الحجب والظلام وصولاً الى استار البربرية والزيف والخداع لتمزيقها وتهديم جدران الظلم وردم اقبيته، وهناك الألتفاتة الواعية بسحب المشاهد واجلاسه امام نافذة حياته وحياة الآخرين ليشاهد واقعه المر الذي يعيشه،ثم يبث فيه روح الأقدام والوثوب الى تغيير هذا الواقع والتفتيش عن(حسين العصر)ثانية والغائب عن جسامة الأحداث.

ان الأسلوب ألملحمي الذي تناول فيه الخفاجي مسرحيته قد اعانه كثيراً في التحرك في خضم الأحداث الكثيرة وتداخل الأزمنة،وكما اسلفنا سابقاً من ان الكتّاب حفزهم هذا الموضوع وكتبوا مسرحياتهم رداً على النكسة وبحثاً عن بطل ليعد الى الشخصية العربية الأسلامية بعضاً من نورها وبهائها الذى انطفأ،فذهب البعض نازحاً الىالمقاومة عسىان يجد فيها البديل عن البطل اويجد الرد على النكسة واستخدام المجاميع والمنشدين في مسرحية النار والزيتون لفريد فرج الذي اختار المسرح السياسي ليتلائم مع موضوعه ان عمل الجوقة والمنشدين جاء لتأجيج الأحداث:

ادفن مليون لغم

يسقط الأستعمار والصهيونية

سدد كاتيوشتك لبراجهم

ولتسقط اعمدة النازية

وامان ارفع جهز اطلق

ولتحيا بلادي حره يابلادي

ومحمد علي الخفاجي استخدم الجوقة في التعليق على الأحداث وروايتها، وكلا المسرحيتين اعتمدتا على الأسلوب الحديث(المسرح السياسي والمسرح الملحمي).. اذاً كيف قدم محمد علي الخفاجي مسرحيته ؟لابد لنا من استقراء الأحداث متصفحين المسرحية بدءاً من المشهد الأستهلالي.

الذي يقودنا معه الى الأحداث من خلال صوت الأعرابي من خلفيةالمسرح الذي يملأ بالديكور المكمل لمشهد محمد بن الحنفية.

صوت الأعرابي / يافقراء الأمة

ياعشاق الكلمة

ان ابا عبدالله يرحل في غدٍ

ان ابا عبد الله يرحل في غدٍ

يردد الصوت ثم يبتعد

يا عشاق الكلمة ان ابا عبدالله

وجه رسول الله الباقي فيكم

يرحل في غد

يرحل في غد

وفي مشهد آخر يقف محمد بن الحنفية بجانب الحسين»ع» (بصحة افضل) يسدي النصح لأخيه بأن يعدل عن هذا الذهاب الى الكوفة وفي العبارات الأخيرة من كلماته الى الحسين(مستدركاً):

ولأن سافرت

من المعدل امام غيرك

ايظل العا لم دون امام يهديه

فالكوفة ادمنت القتل

الحسين «مقاطعاً»

حسبي ذلك ياابن ابي

حسبي ذلك

«يطرق رأسه قليلاً ثم يواصل»

ماكان الكون يؤاخي طرق التغيير

لولا الأستشهاد

ولوان يتعمد هذا العالم بالدم

ولولايطعم جوعان لحم ذراعه

اويبصق نذل في وجه نبي

وامام يرضى بالظلم ويغمد سيفه

لكأني يغمده في اعناق المظلومين

لاترجح كفة ميزان العدل الا بالقتل

قتلي

اويفهم هذا العالم ان يزيد السفاك

يقتل بسمة شياطين الصمت النفس المحرمة

(بهدوء)

العالم ملتاث بالأدران

وانا ماض لأطهره بدمي

ولقتلي وانا اختار

خيرللعدل من المحيا

هذه هي رؤيا الحسين الصادرة من قراره الصادق، وهذه الكلمات التي صورها محمد علي الخفاجي شعراً هي جزء من بيانه التصحيحي الأول للامة الذي طرحه كمعالجة لمعسكر يزيد وفسقه والموقف التضليلي للامة الخائفة المنحنية للسيف والمال.ثم يترك مشهد الرحيل بلا خلفية تسد فراغ غياب الأمام فبرزت الجوقة التي تروي الأحداث وتعلق عليها واحياناً تتجول في المدينة وتقترب من حسيها،هذه المدينة التي خلت من الحسين،وهذه التفاتة ذكيةوجميلة تسد الثغرات التي تحدث من جراء غياب الفاعل وتبقى بلافصل.

فا لجوقة بعد الر حيل:

غابت الشمس عن افقك فالليل مدينة

ينحب البحار فيها والسفينة

وعلى ابوابك العاشق رملي المرايا

غائب في الصمت رثاء الحوار

وجهه مرثيةغائمة

تفتح المرحلة في تل الرماد

يامدينة

راح عاشقك الآتي على جنح سحابه

تحته يمتد سجاد النهار

ويمتدصوت الجوقة يتابع سير الحسين «ع»

ويطرح كلمات الصدق ويوضح الهدف

لقد صاغ الشاعر محمد علي الخفاجي هذه الكلمات من بيان الحسين «ع» وارساها على جرف الحقيقة بكلماته الشعرية المعبرة،وكيف لايقول ذلك وهويمتلك لغة التعبير الرصينة:

يطير في مفارق الدروب

مورفاً جواده

يأخذ من يد الضرورة الرياده

يسير عاشقاً الى محطة الشهاده

يمتد جيداً واصلاً انصاره القلاده

وقد استخدم في هذه اللوحة متن الفصل الكشف والمعالجة بأختلاف الشخصيتين(ابن حديت ) (وابن معاصر) واراد في هذا اشراك الجمهور وتحفيزه وجعله نسيج المسرحية لاسيما وان استخدام القاعة جاء مكملاً للمسرح وخروج (ابن حديث) منها ومن بين الجمهور،ودمج الممثلين بالجمهور،كان استخداماً مبرراً، لانه لايريد للمسرحية ان تسير ضمن سردها التاريخي التقليدي،ارادها قضية متقدة مستمرة بين الناس على مر العصور،وهي واقعياً عاشت في وجدان الناس.

انه تكنيك يثير الجدل الثقافي بطرح عصري يسير بأتجاه التصحيح برمته الى الأفضل ان دخوله في اعماق نفوس اهل الكوفة كان دخولاً تاريخياً وتكوينياً بدءاً من هذه المدينة والى عموم اهل العراق والعالم الأسلامي،اراد ان يستمر الجدل للوصول الى الحركة التصحيحية في هذه المدن المضطربة واللحاق بما قدمته الشعوب من حضارة وتقدم.

وفي مشهد( الفجبعة) عمر ابن سعد يأمر الشمر بأن يحتز رأس الحسين»ع» فيتردد الشمر فيصيح به عمر ابن سعد: هيا ياشمر اجننت؟!

الشمر :(وهويعود الى ناحيةالحسين)

ابداً ابداً

فأنامن تلك الشجرة لاتطلع غصناً الاهو غمد يحمل سيفاً

(للحسين وهو يشرف على الشهادة )

ايه ياابن علي

ما اوج ذكرى ابيك على نفسي

لماّ كان يهش السيف بأجدادي.. في بدر وحنين (يجلس علىصدره)

والآن راسك عندي ملك سليمان

يفنى الدهر ولايفنى

اعرف انك سبط رسول الله

وعندما يحتز الرأس وينهض تبدأ لوعة وصراخ وبكاء، وينبعث صوت يردد ثانية :يجيءالحسين ويرد عليه الشمرثانية :

يجيء الشمر

الحسين (صوت)

يتثلم سيفك ياشمر ويصدأ

ولكن لن تصدأمني الكلمات

لن يتوقف هذا الدم

الاّ ان يغسل من هذا العام ادرانه

سأجيء ولن تأتي.. لن تأتي لن تأتي

سأجيء ولن تصدأ مني الكلماتثانية

ساجيء(يتكرر الصوت وبتعد الظلام )..