في الحرب العالمية الأولى..كيف دخل البريطانيون البصرة ؟

في الحرب العالمية الأولى..كيف دخل البريطانيون البصرة ؟

د. حميد حمدان

نتيجة للهزائم ولموقف القوات العثمانية الضعيف بدأ العثمانيون الانسحاب من البصرة في ليلة 19 ـ 20 / 11 / 1914 ، بطريقي القرنة والناصرية ، وقد بدأت مغادرة القوات العثمانية ، مع المأمورين في الليلة نفسها وصباح اليوم التالي ، وقد تركت البصرة بدون أي سلطة إدارية رسمية ، الأمر الذي عرضها للكثير من الاضطرابات الأمنية ، وقد دعا ذلك رئيس البلدية صالح بك آل عبد الواحد وعدد من كبار الملاك إلى تأليف قوة محلية مؤقتة للحفاظ على الأمن في المدينة .

وقد علم البريطانيون بالانسحاب العثماني من خلال الشيخ خزعل ليلة 20 / 11 / 1914 ، وفي صباح اليوم التالي توجه جماعة بينهم رئيس البلدية واحد كبار الجار ويدعى محمد آغا جعفر كازروني مع السيد توملسن وكيل محل حوك الأميركي والسيد ويلسن وكيل محل بريتش انديا البريطاني ، في سفينة صغيرة إلى منطقة العائق النهري حيث أكدوا للبريطانيين بالانسحاب العثماني وعرضوا لهم حالة الاضطراب التي تسود البصرة وعلى الأثر تحركت السفن البريطانية ( اسبيكل وأدون ) نحو البصرة ، وقد وصلتا في الساعة الخامسة والنصف مساءاً .

وأعلن رئيس البلدية ، حينذاك عن مجيء البريطانيين إلى البصرة وعلى الرغم من إن عدداً من الجنود البريطانيين نزلوا إلى المدينة في حينه ، إلا أنهم عادوا إلى سفنهم في الليلة نفسها وكان نزولهم بشكل كبير في ليلة ( 22تشرين الثاني ) الذي وصلت فيه القوات البريطانية الزاحفة براً ، وجرى احتلال المراكز الرسمية فيها ورفع العلم البريطاني عليها . واسر القنصل الألماني وكاتبه وأربعة من الألمان وسفروا إلى الهند .

لقد كان الدفاع العثماني عن البصرة دفاعاً ضعيفاً اتسم بضعف التحشيد وكذلك نقص التجهيزات وضآلة المعلومات المتوفرة لدى القيادة العثمانية سواء ما يتعلق منها بالأراضي العراقية التي كانت تحارب عليها ـ من خرائط وغيرها ـ وما تعلق ـبالقوات البريطانية الزاحفة ، وقد أضاع هذا عليها الدقة المطلوبة في تقدير حجم القوات المقابلة اللازم توفيرها والوسائل التي تحتاجها في البر والنهر وكذلك قلل من صحة تقديراتها لحجم القوات البريطانية المهاجمة ونظراً لكثرة أعوان البريطانيين في المنطقة ولاسيما الشيخ خزعل ـ شيخ المحمرة ـ وجدنا إن البريطانيين كانوا يحصلون على المعلومات العسكرية اللازمة عن الجانب العثماني ، بشكل اقرب ما يكون إلى الحقيقة . ولقد عزز البريطانيون قواتهم التي أنزلت في الفاو ( في 6 / 11 ) بقوات إضافية تحركت من الهند في الأيام الثلاثة التالية للإنزال على إن تجهز بقوات أخرى تلحق بها بعد ذلك وقد وصلت التعزيزات إلى شط العرب في 13/11 بقيادة الفريق آرثر باريت Sir A . Anold Bbarrett قائد الفرقة السادسة الهندية .

وتولى القيادة حين وصوله ، وكانت هذه التعزيزات بمستوى جيد يتناسب مع التقديرات المطلوبة واتسمت عملياتها العسكرية بالتنسيق بين القوات البرية والنهرية ، واستطاعت إن تحقق الفوز في المعارك بينما لم يستطيع العثمانيون استخدام الأهالي كثيراً في معاركهم على الرغم من أنهم حصلوا على متطوعين إلا إن هؤلاء كانوا اقل خبرة وتدريباً واضعف انضباطاً من اقرأنهم العسكريين وتسببوا في معركتي سيحان وسهل ( كوت الزين ) في أحداث اضطراب داخل الصفوف العثمانية وأضاعوا عليها عنصر المباغتة في المعركة الأولى ، ورغم التعاطف الذي كان في صفوف غالبية السكان مع العثمانيين إلا أنهم لم يستطيعوا إن يقدموا الكثير رغم توزيع القيادة العثمانية السلاح عليهم بسبب واقع القوات العثمانية غير المنظم بالمستوى اللازم لطبيعة الظروف العسكرية القائمة .

دخل الفريق باريت البصرة رسمياً ، صباح اليوم الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة 1914 ، واستعرضت القوات البريطانية في شوارع البصرة وانتهت إلى مكان عند جسر العشار ، حيث دعي كبار الشخصيات البصرية المتنفذة اقتصادياً واجتماعياً ، وقد رفع العلم البريطاني ، وألقى نعوم عبو ، مترجم القنصلية البريطانية السابق ( بعد إخراجه من السجن العثماني ) خطاباً سبق وان أعده سير برسي كوكس ، وهو يؤكد المضامين السابقة ذاتها للبيانات البريطانية ، وطلب تعون الجمهور ووعد بحرية الحياة والعبادة وندد بالسلطة العثمانية وحملها كل أوزار الخراب ، وفي مساء اليوم نفسه أرسل الفريق باريت إلى شيخ الزبير إبراهيم آل عبد الله الابراهيم بضرورة اعترافه وخضوعه للسلطة البريطانية ، وقد فعل الأخير ذلك ، ومع هذا أرسل البريطانيون إلى الزبير ثلة من جندهم للتأكد من وجودهم .

بعد إن استقر الموقف في البصرة ، رأى باريت إن تعزيز الموقف العسكري يتطلب إقامة وجود قوي عند القرنة وآخر عند الشعيبة ـ الواقعة على بعد خمسة أميال إلى الشمال من الزبير ـ واثر المراسلات دارت بين القيادة العسكرية البريطانية في البصرة والهند ولندن لتقييم الموقف العسكري بعد يوم احتلال البصرة ـ ( في 23 و 25 و 27 و 29 / 11 / 1914 ) ووجد الموقع الأول يقدم سيطرة على ملتقى نهري دجلة والفرات وخطوط الحركة عندها بينما يواجه الموقع الأخير أية هجمات برية محتملة على البصرة ـ انتهى الأمر بالموافقة على التقدم نحو القرنة .

لقد بدأ الاستطلاع البريطاني باتجاه القرنة بعد ثلاثة أيام من احتلال البصرة ( أي 25 / 11 ) وصاحبه صدام مدفعي قصير مع العثمانيين ، والفت قوة الهجوم البريطاني بقيادة المقدم فريزر في 30 / 11 وأمرت بالتحرك في 3 / 12 وتحركت فعلاً في اليوم التالي ( وفي اليوم نفسه أرسلت قوة عسكرية بريطانية لاحتلال الشعيبة ) وأسندت عسكرياً في 6 / 12 وبدأ الهجوم الفعلي في صباح اليوم التالي وقد تم احتلال منطقة المزيرعه وفي 8 / 12 عبرت القوة البريطانية نهر دجلة واحتلت القرنة الأمر الذي أدى إلى استسلام القوة العثمانية فيها إلى البريطانيين في 9 / 12 مع قائدها الزعيم صبحي بك بعد إن فشلت كل جهودها في الدفاع عن المنطقة وحوصرت فيها رغم إن العثمانيين حاولوا بعد احتلال البريطاني في البصرة تعزيز مواقعهم وتقوية تحشداتهم في المزيرعة والقرنة ولكنها لم تكن بمستوى متطلبات الموقف العسكري وان جاويد باشا القائد العثماني العام في العراق انسحب من المنطقة مع قواته ولم يحاول إنجاد قوته التي حوصرت في القرنة .و لقد حقق احتلال القرنة تقدماً استراتيجياً مهماً ، إذ هيئ خطاً متقدماً لحماية إجراءات توطيد الاحتلال في البصرة .

عن بحث ( البصرة في الحرب العالمية الاولى 1914ــ 1918 )